أعادت تصريحات وزير الصناعة والمناجم يوسف يوسفي عن دفتر شروط جديد يضبط قطاع السيارات بالجزائر، الجدل حول غيوم كثيفة من الشكوك والريبة تلبّد سماء قطاع حسّاس ابتلع ما يربو عن السبع المليارات دولار، دون أن يكون ذلك مرادفا لحلم قيام الصناعة المنشودة .. فهل كرّس يوسفي اجترار أخطاء سابقيه؟ وماذا عن الرمال المتحركة التي قذفت بالسيارات إلى ربع خال مجنون؟ أعاد يوسفي متابعي راهن منظومة السيارات الوطنية، إلى نقطة البداية، فبعد انتظار و"معارك" استمرت لعدة أشهر، لم يجد خليفة "محجوب بدّة" من مخرج آخر لما هو حاصل، سوى التلويح بدفتر شروط وأيام تقنية في مارس القادم، بعدما تكاثرت مصانع التركيب التي تم افتتاحها، دون أن يتحقق الهدف الأسمى "خفض أسعار السيارات" رغم استفادة "مركّبي" رونو الفرنسية وهيونداي الكورية وفولكسفاغن الألمانية، من تسهيلات جمركية وإعفاءات ضريبية بالجملة منذ أزيد من سنتين. وفي تعليق على ما هو جارِ، تساءل الخبير "سيد علي عزوني" عن سببية عدم توخي الدوائر الحكومية الصرامة اللازمة مع أصحاب مصانع التركيب، مُحيلاً على تأكيد وزير الصناعة والمناجم السابق "عبد السلام بوشوارب" في 17 أفريل 2017، بأنّ أي إخلال بالشروط في مصانع تركيب السيارات سيعني إلغاء الاتفاقيات، ويتصور "عزوني" أنّه لو تمّ تطبيق القانون بشأن نسب التركيب والإدماج، لما وصلت الجزائر إلى مرحلة انكماش بفعل تفاقم ما وصفها "الامتيازات والمنافع". وينصّ دفتر الشروط الساري المفعول على السماح لأي مستثمر باستيراد بين 25 ألفا و30 ألف قطعة غيار إلى جانب التكوين، فيما يتوجب في السنة الثانية الدخول في إنتاج الغيار، أما في السنة الثالثة فيفرض دفتر الشروط على المستثمر الدخول في مرحلة التصدير"، فهل جرى تفعيل ضوابط دقيقة بهذا الشأن؟ وماذا عن وعود رسمية سابقة بإبراز بيئة اقتصادية وطنية واستحداث هياكل انتاجية قادرة على ضمان وتشجيع استحداث سوق حقيقية للمناولة كفيلة بضمان مستوى اندماج مقبول وتقليص فاتورة الواردات واستحداث مناصب الشغل وإدراج مفهوم التوازن ونسبة الإعفاء من الرسوم والضرائب ونسبة الإدماج. حلم الإدماج لا تزال الصناعة الميكانيكية بالجزائر "حديثة"، ولم ترق إلى مستوى بلوغ نسبة إدماج وتركيب تتراوح من 22 إلى 25 % كمرحلة أولى، مثلما حدّدته الحكومة في برنامجها المزكّى أواسط سبتمبر الماضي. وإثر استلامه مهامه الجديدة كوزير للصناعة والمناجم في 19 أوت 2017، قال "يوسفي": "قطاع صناعة السيارات سيكون من الملفات التي سيتم متابعتها"، مشيرا إلى أنّ "الهدف الأساسي هو العمل على دمج قطاع صناعة السيارات في منظومة الصناعة الوطنية". وكشف الوزير آنذاك أنّ قطاع صناعة السيارات سيكون من ضمن أهم الملفات المدرجة في أجندة عمله لتنمية وتعزيز القطاع، والتي سيعمل مع الإطارات المختصة على متابعتها. وقال "يوسفي" أنّ القطاع سيحرص على دفع الصناعة الوطنية للمساهمة في تطوير قطاع صناعة السيارات بالجزائر، ويعني هذا حسب الوزير: "تحقيق التكامل والاندماج بين الفئتين"، وتابع: "كهدف أساسي آخر، سنعمل على إدماج تصنيع السيارات في منظومة الصناعة الوطنية". وجاء على لسان الوزير الأول "أحمد أويحيى" أمام نواب المجلس الشعبي الوطني (21 سبتمبر 2017) أنّ الحكومة ترافق وتدعم جميع المشاريع التي تهدف لتحقيق القيمة المضافة في مجال تركيب وإدماج الصناعات الميكانيكية والتي يبلغ مستوى الإدماج بها حاليا ما بين 5 إلى 10 %، وأشار المسؤول ذاته إلى استهداف مصالحه تحقيق نسبة 40 % من الإدماج خلال خمس سنوات من دخول أي مصنع حيز الخدمة. تفنّن في الجنون! في سيناريو يتواصل للعام الثاني على التوالي، لا تزال مبيعات السيارات في الجزائر عنواناً كبيراً للتفنّن في الجنون. وكمثال نموذجي، تبرز حالة السيارات الألمانية "سوفاك" بالجزائر، على سبيل المثال لا الحصر، حيث سجّلت زيادات غير مبررة تراوحت بين 15 و30 مليون سنتيم، في حين قدّم ممثلو وكالات "سوفاك" مبررات غير مرضية. وقفز سعر سيارة "ستيل إيبيزا" من 225 إلى 240 مليون سنتيم، كما ارتفع سعر سيارة "إيبيزا هاي" من 240 إلى 260 مليون سنتيم، فيما (غرّدت) "إيبيزا صول" بزيادة 20 مليون سنتيم، ليصبح سعرها 220 مليون سنتيم. غيوم الشك والريبة ما تقدّم، جعل مبيعات السيارات في الجزائر خلال 2017، لا تتجاوز "فتات" 0.3 من المئة، نتيجة الإنخفاضات التي شهدتها السوق خلال السنوات الثلاثة الماضية، حيث لم تتجاوز المبيعات 90 ألف سيارة، عكس المغرب الذي احتل الصدارة مغاربيا ب 250 ألف سيارة، علما أنّ مستوى المبيعات في الجزائر بلغ 450 ألف سيارة عام 2012.. انتهاءً، يسير سوق السيارات في الجزائر ببطئ، وسط توقعات بحزمة ارتفاعات نسبية في الفترة المقبلة بالجزائر، خصوصا مع ارتفاع التضخم، وتراكم غيوم الشك والريبة.