البلاد - بهاء الدين م - احتضنت شوارع الجزائر العاصمة اليوم "مليونية شعبية" للجمعة الرابعة على التوالي، حيث خرجت مسيرات سلمية حاشدة جابت أهم الشوارع والساحات الرئيسية للمطالبة بالتغيير الجذري للنظام. وعلى غير العادة شرع المواطنون منذ الصباح في الالتحاق بالساحات الكبرى للعاصمة، حيث بدأت أولى التجمعات تتشكل على مستوى ساحتي البريد المركزي وأول ماي، حاملين الاعلام الوطنية ومرددين بأعداد أكبر وبتنظيم أكثر إحكاما، شعارات تطالب بالتغيير الجذري ورفض القرارات الرئاسية الاخيرة و«احترام الدستور والالتزام بنصوصه". ووسط تعزيزات أمنية مشدّدة على غرار الأسابيع الماضية، رفع المحتجون السلميون عدة شعارات مناهضة ل«تمديد العهدة الرابعة" في رد واضح على رسالة 11 مارس، التي أعلن فيها الرئيس بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية، إلى موعد غير محدد وعدم ترشحه لعهدة خامسة. كما دعوا رموز السلطة ومن بينها الوزير الأول الجديد، نور الدين بدوي، إلى الرحيل. وقد انطلقت المسيرات بعد الظهر لتجوب مختلف شوارع مدينة الجزائر، على غرار شارع حسيبة بن بوعلي، ديدوش مراد، ساحة موريس أودان، شارع العقيد عميروش، فضلا عن ساحتي البريد المركزي وأول ماي اللتين احتشدت بهما جموع كبيرة من المتظاهرين. وعقب أدائهم صلاة الجمعة، هب مئات الآلاف من الجزائريين بالعاصمة، مشكلين حشودا بشرية غير منقطعة وكلهم يرددون شعارات: "الجيش، الشعب خاوة خاوة.."، "يا للعار يا للعار.. فكوا علينا الحصار"… كما لم تخل الهتافات أيضا من غضب شعبي واضح على "الحكومة الجديدة ليرددوا وبصوت واحد بدوي ارحل"، كما خص المتظاهرون السلطة الحالية بوابل من الشتائم. وسارت كل هذه الحشود عبر العديد من الشوارع والأزقة من ساحة أول ماي مرورا بشارع حسيبة بن بوعلي وساحة الشهداء وهي الشوارع الأكثر استقطابا للمتظاهرين الناقمين من الأوضاع الاجتماعية والسياسية، حيث ضمت المسيرة كل الفئات والأعمار بحضور العديد من الشخصيات السياسية والفنية على غرار أيقونة الثورة التحريرية جميلة بوحيرد ورئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، ورئيس حزب "طلائع الحريات" علي بن فليس، ورئيسة حزب العمال لويزة حنون، ورئيس حزب العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، الناشط السياسي كريم طابو، والممثل الفكاهي صالح أوڤروت. وفي حدود الساعة الثالثة بعد الزوال كانت أغلب شوارع العاصمة مكتظة عن آخرها، شمالا وجنوبا، غربا وشرقا، وفيما فضل محتجون مواصلة التجمهر في نهج باستور، وشارع الدكتور سعدان، وساحتي أودان وأول ماي، وشارع حسيبة بن بوعلي، فإن آخرين فضلوا السير نحو بلدية المرادية، حيث قصر الرئاسة، وتمكنوا بعد قرابة النصف ساعة من اجتياز السد الأمني على مستوى شارع محمد الخامس، قبل أن تسد مصالح الأمن طريقهم مرة أخرى في مدخل شارع كريم بلقاسم، تيليملي سابقا، أما السد الثالث فكان على مستوى قصر الشعب، حيث وبعد محاولات كثيرة لتخطيه، اضطرت مصالح مكافحة الشغب إلى تفريق المحتجين باستعمال القنابل المسيلة للدموع، الأمر الذي أحدث إغماءات وإصابات. وطيلة المسيرة التي جابت شوارع العاصمة، كانت الأجواء احتفالية، خاصة أنها شهدت مشاركة قياسية فاقت المليون متظاهر حسب تقديرات أمنية. وتحولت المظاهرة إلى فرصة لالتقاء أقارب وأصحاب، وتبادل أطراف الحديث بينهم، حيث تناولوا مواضيع سياسية، على غرار الأحداث التي تمر بها البلاد، والتي أجبرت الجميع، كبارا وصغارا، نساء ورجالا، على الاطلاع ومتابعة كل جديد يخص الشأن السياسي الوطني ومستقبل البلاد برمتها. هذا ولم تقتصر الشعارات المرفوعة في ساحة البريد المركزي، على دعوة النظام إلى الرحيل، وإنما ندّدت بتدخل فرنسا الرسمية في الشؤون الداخلية للجزائر، ورفع المحتجون شعارات "ماكرون ارحل"، بالإضافة إلى شعار"لا واشنطن لا باريس الشعب من يختار الرئيس". ويبدو أن الجزائريين قد انزعجوا من ردود الفعل الغربية على الحراك الشعبي الذي تشهده الجزائر منذ يوم 22 فيفري الماضي، فالمعروف عنه رفضه لكل التدخلات في شؤونه الداخلية، وهي العقيدة الدبلوماسية التي تنتهجها الجزائر منذ استقلال البلاد عام 1962. من جانبها، عرفت العديد من ولايات الوطن مسيرات سلمية حاشدة شارك فيها مواطنون ومواطنات من مختلف الأعمار وفئات المجتمع، حملت نفس الشعارات المطالبة بالتغيير وبالديمقراطية ومحاربة الفساد والرشوة وتسيير شؤون البلاد بوجوه جديدة. وقد تطوع بعض المواطنون في العديد من شوارع العاصمة لتنظيم حركة المرور، من خلال توجيه حركة الحشود الكثيفة والسماح للسيارات بالمرور وسطها، وتنظيف الشوراع، إضافة إلى قيام بعض العائلات بوضع موائد طعام قرب البيوت لجل المتظاهرين المارين قربها.