ياغبي لم يمر على معجزتي الثورة المصرية والتونسية أشهر معدودات، حتى تجلت مظاهر الانزلاق في وطنين خرجا من دائرة الاستبداد الأمني الأعمى، ليدخلا في مرحلة حرية الفوضى، حيث جميع الشعب حاكم وجميعه أضحى مبارك وبن علي، لتكون النتيجة أن تونس ومصر أصبحتا تعيشان بين ثورة وثورة. ثورة أخرى تنادي مرة بإسقاط النظام وأخرى بإسقاط ''المدام'' والأحلام.. وحتى الإسلام إذا ما تجرأ ''خوانجية'' تونس على محاربة العري والدعوة إلى الحجاب ''؟؟'' .. في تونس خرج آلاف المنادين بإسقاط الحكومة، ولأن ''الثورة'' مرة وليست كل وككل مرة، فإن وزارة الداخلية لم تتردد في الضرب بيد من حديد على من استطاعوا منذ أيام على إسقاط ''رئيس''، لكنهم حينما قرروا إسقاط الحكومة، جاءهم رد الهراوات الصارمة في رسالة مفادها ''انتهت الثورة..يا غبي''. أما عن المحروسة مصر، فإن الانزلاق أكبر والفتنة الطائفية انتقلت من على أبواب الكنائس لترسو أمام السفارة الأمريكية بالقاهرة في استنجاد واستعصام من جماعة ''الأب والابن وروح القدس'' بأوباما مسيحي لنصرة صليبه المقهور.. الوضع بصيغة تونس الغارقة بين فوضى النظام وضوضاء الغوغاء، وبطبعة مصر المتآكلة باتجاه طائفية تسير نحو التهام أرض الكنانة من جذورها، يدعو إلى الأسى والحسرة والخوف الكبير من غد مفتوح على مجهول لاحت ملامحه، بعدما تحررت الأوطان من سلطة حاكم مستبد، لتتورط في سلطة ''الفوضى'' المستبدة، وكل ذلك لأن جميعهم، وارثون للنظام ومتوارثون تحت النظام، لم يفهموا بعد أن الثورة إذا لم يحدها هدف واضح وزمن وموقع معين، فإنها لا تعني سوى الانزلاق والضياع و''المؤامرة'' المكتملة النضوج، فهل تدري مصر وتونس بأن ثورتيهما نجحتا حقا في إسقاط النظام، لكنهما الآن في طريقهما إلى إسقاط الدولة في حد ذاتها..؟