أكد الدكتور رياض الصيداوي أن موقف الجيش وانحيازه للشارع عامل حاسم في نجاح الثورات الشعبية، وهو ما عجل بنجاح الثورة في تونس، كما قلل الباحث في العلوم السياسية في حديثه ل"الفجر" من تأثير علاقة مصر بإسرائيل على نجاح الثورة في مصر معتبرا أن صعود الإخوان فرضا إلى الحكم لا يشكل تهديدا لتل أبيب، لأن نموذج حماس في غزة بدد تلك المخاوف علاقة السلطة في الجزائر مع الشعب هي علاقة تفاوض وليست علاقة صراع وأكد الصيداوي أنه رغم توفر ظروف الثورة في المجتمع السعودي إلا أن الغرب لن يسمح بثورة في السعودية كدولة نفطية تؤثر على أسعار النفط في العالم، واعتبر رفع الطوارئ في الجزائر قرارا شجاعا رغم أن دواعي فرضه مشروعة خلافا لمصر. لو نقيم مقارنة بسيطة بين ثورة تونس وثورة مصر لماذا نجحت الثورة التونسية وحققت نتائج إيجابية وسقط الرئيس وجمد الحزب الحاكم بسرعة في حين استعصى تحقيق ذلك في مصر رغم تواصل الاحتجاجات المليونية؟ في العلوم السياسية وعلم اجتماع الثورة وعبر التاريخ حتى تنجح ثورة لابد من تحقيق ثلاثة شروط أساسية: مبدأ الراديكالية أي التغيير الجذري، يعني أن المعارضة تطالب بالرحيل نهائيا ولا تقبل بأي إصلاح أو بالتنازلات الأخيرة من النظام، ويجب أن تعتبرها جاءت جد متأخرة وهذا الشرط تحقق في كل من تونس ومصر. عفوا دكتور لكن بعض أطراف المعارضة وخاصة حركة الإخوان في مصر قبلت الحوار مع السلطة!؟ حركة الإخوان المسلمين معروفة بسياسة مسك العصا من الوسط، فهم يتفاوضون مع الحكومة ويبقون على مواقفهم من ثورة الشارع وهذا هو تكتيكهم منذ تأسيس حركتهم سنة 1928. حسنا نواصل دكتور المقارنة بين الثورتين.. ذكرتم أن هناك ثلاثة عوامل لابد من توفرها في نجاح الثورات وتحقق العامل الأول "مطلب التغيير الجذري" في كل من ثورة مصر وتونس.. فماذا عن العاملين الآخرين؟ نعم قلنا عامل التغيير الجذري "الراديكالية" تحقق في تونس ومصر، ويأتي العامل الثاني وهو عامل "انقسام النخب الحاكمة" وقد تحقق في البلدين حيث عرفنا من خلال الغنوشي أن هناك وزراء تخلوا عن بن علي ويعني أنه حدثت انقسامات في نخب النظام، وهذا العامل توفر نسبيا في مصر، حيث استقال أحمد عز وجمال مبارك من الحزب الحاكم. ويأتي "العامل الثالث في نجاح الثورات عبر التاريخ وهو عامل حاسم يتعلق بحياد الجيش وخيانته للنظام". لاحظنا في تونس أن الجيش في ثورة تونس كان محايدا منذ اللحظات الأولى وكان عاملا حاسما في نجاح الثورة خاصة عندما انتقل من الحياد إلى محاربة النظام، أما في مصر توفر الجزء الأول من حياد الجيش حيث رفض الجيش المصري إطلاق النار على المحتجين لأنه في ثورة الحرامية كما سماها السادات سنة 1977 أطلق الجيش النار على المتظاهرين، وكذلك سنة 1985 أطلق النار في القاهرة على الشباب، لكن هذه المرة لم يطلق الرصاص، لكن الجزء الثاني حول انحياز الجيش للنظام رغم عدم وضوحه فإن "مبارك خسر 90 بالمائة من سلطته، حيث خسر 50 بالمائة من سلطته لما عزل ابنه من الحزب الحاكم وخسر 40 بالمائة لما أعلن عدم ترشحه للرئاسيات المقبلة ولم يبق له سوى 10 بالمائة من سلطته، وفي علم اجتماع الثورة النظام الدكتاتوري يعتمد في بقائه على الخوف والرعب وإذا ذهب الخوف انهار النظام"، فمبارك وبن علي رغم اعتمادهما على جهاز شرطة قوي خارج إطار قانوني إلا أن حاجز الخوف كسر. ماذا عن مواقف الدول الغربية خاصة واشنطن وأوروبا وتأثيرها على نتائج الثورات في مصر وتونس؟ بالنسبة لأوروبا ف"موقف فرنسا من الثورة في تونس كان مخزيا، فرغم أنها دولة تدافع عن حقوق الإنسان والحريات إلا أنها اقترحت بكل وقاحة إرسال معدات وأسلحة قمعية وشرطة لتدريب الشرطة التونسية على قمع المتظاهرين. فالإليزيه لم يقم بواجبه وهذه نقطة سوداء في تاريخ فرنسا"، وبالنسبة لمصر أمريكا كان عندها علاقات مع الجيش المصري وطلبت ضمنيا ذهاب مبارك في أقرب الآجال لأنها تؤمن بالتجديد في الجمهوريات وليس في الملكيات. ألا تعتقدون أن وزن مصر وعلاقاتها مع إسرائيل ساهم في تعطيل قطف ثمار الثورة؟ لا أعتقد أن علاقة مصر بإسرائيل هي التي عطلت الثورة، لأن حركة الإخوان المسلمين حتى وإن افترضنا وصولها إلى الحكم فإنها لن تهاجم إسرائيل، ونموذج حركة حماس في غزة دليل على ذلك، بل بالعكس منذ وصلت حماس إلى الحكم في غزة توقفت نهائيا عن ضرب إسرائيل لأنها تهتم بالسياسة وبالتالي فنموذج حماس في غزة هو صمام أمان لإسرائيل بالنسبة للإخوان المسلمين. كيف تنظرون إلى المرحلة المقبلة في مصر وماذا عن مصير مبارك وحزبه؟ لا يوجد في مصر اليوم الحزب الوطني الحاكم، فقد انتهى لأن السلطة هي التي تصنع قوة الحزب الحاكم في مصر، لأن 97 بالمائة من أعضائه هم في الإدارة وليس لديه أنصار في الشارع، لأنه ليس لديه منهج عقائدي يستمد منه قوته وليس له تاريخ وطني في الثورة، وإنما "الحزب الحاكم في مصر على مقاس السلطة إذا انهارت السلطة انتهى الحزب"، لأنه حزب مصطنع غير طبيعي. ألا تعتقدون أن قبول أطراف من المعارضة في مصر الحوار مع السلطة يعد خدمة للنظام ووأدا لثورة الشباب؟ المعارضة مهما كان نوعها ليست الوقود الأساسي للثورة، وإنما الشعب هو صانع الثورة، والثورة لا تقبل الإصلاح أو الترقيع وإنما مطالبها راديكالية وليست تصحيحية عكس ما يحدث في مصر فالنظام الاجتماعي سيتواصل بما فيه النظام الاقتصادي والعسكري. ماهي الدول العربية المرشحة في نظركم لقيام ثورات شعبية على غرار مصر وتونس؟ أعتقد أن الدول العربية التي تعتمد نظاما جمهوريا غير نفطي هي الدول المرشحة لحدوث ثورات فيها، أو هي الدول التي ستسمح لها الدول الغربية بإنجاز الثورات، لكن الدول الملكية النفطية لن تسمح لها الدول الغربية بذلك. وفي نظري الانفجار الديمغرافي هو أهم عامل مفجر للثورات، ورغم أن السعودية هي أولى الدول المرشحة لقيام الثورات الشعبية نظرا للانفجار الديمغرافي والتباين الطبقي الرهيب فيها، إلا أن الإعلام وقناة الجزيرة لا تتحدث عن ذلك، وكذلك الدول الغربية لن تسمح بقيام أو نجاح مثل هذه الثورات لأن السعودية تغرق العالم ب11 وحتى 13 مليون برميل يوميا من النفط وهناك اتفاق تاريخي بين واشنطن والسعودية يعود إلى 1945 يقضي بحماية العائلة السعودية مقابل البترول، ولا أعتقد أن أوباما يمكن أن يتخلى عن اتفاق كهذا، وهذا ما يفسر الصمت العالمي عما يحدث في السعودية، لأن تغير أسعار النفط في السعودية سيقلب العالم كله. وبالتالي فإن اليمن هي الدولة المرشحة بشدة للثورة بعد مصر، لأنها دولة جمهورية غير نفطية يمكن أن تضحي بها الدول الغربية، ثم تأتي الأردن التي امتصت الغضب نوعا ما بتقديمها تنازلات، وكذلك عمان والبحرين مرشحة لأنها ليست دول نفطية، وبالنسبة لقطر لا يمكن أن تحدث ثورة فيها لأنه بإمكان السلطة توزيع الثروة نظرا لقلة السكان. بالنسبة للجزائر، كيف تقيّمون الوضع فيها؟ الجزائر بلد متميز عانى من الإرهاب 20 سنة مع الإرهابيين، والنظام في الجزائر يستطيع أن يضحي بأفراد ولا يتأثر فقد ذهب الشاذلي وعلي كافي ولم يتأثر، عكس مصر التي يرتبط النظام بشخصيات معينة فيها، كما أن الصحافة المكتوبة في الجزائر بشهادة الجميع تتمتع بهامش حرية كبير مقارنة مع نظيراتها في الدول العربية. بالنسبة لقرار رئيس الجمهورية الجزائرية رفع حالة الطوارئ، ألا يعتبر جريئا وإيجابيا خاصة وأن مصر ورغم ثورة الشارع لم ترفعه رغم أن دواعي فرض القانون في الجزائر تختلف جملة وتفصيلا عن دواعيه في مصر؟ طبعا قرار رئيس الجمهورية الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قرار شجاع، وهو دليل آخر على أن علاقة السلطة في الجزائر مع الشعب هي علاقة تفاوض وليست علاقة صراع. كما أن أسباب فرض الطوارئ في الجزائر كانت مشروعة لأنها أسباب تعلقت ب"الإرهاب"؛ حيث طبقت حماية للمنشآت والمصانع التي تعرضت للحرق والتكسير... لكن في مصر كان الأمر مختلف، فقد تعلق فرض حالة الطوارئ بمنع المظاهرات السلمية وقمع الحريات، ورغم ذلك رفعت حالة الطوارئ في الجزائر ولم ترفع في مصر، وهذا القرار الذي اتخذ في الجزائر يستحق كل التشجيع.