منذ إقرار التعددية السياسية والإعلامية في دستور فيفري 1989 والجزائريون يتساءلون عن مستقبل حرية الصحافة في البلاد.هل هي ''مَسيّرة أم مَخيّرة''؟ الانفتاح الإعلامي الذي واكب الانفتاح السياسي سرعان ما عرف تضييقا منطقيا بحكم التجربة الصعبة التي مرت بها الجزائر. في مطلع مرحلة التعددية وصل السحب اليومي لصحيفة الشعب إلى 120 ألف نسخة وعند ذلك الحد تم غلق منافذ ما كان مسموحا به . وعندما تجاوز سحب أسبوعية الصح آفة حده أصدرت حكومة الحرب برئاسة بلعيد عبد السلام آنذك قرارا علقت بموجبه 7 صحف في صائفة 1992 بعد مدة عادت الصحف المعلقة الصادرة بالفرنسية وتم الإبقاء على قرار تعليق الصحف الناطقة بالعربية. يقول أحد مؤسسي الصح آفة إن جهة عربية عرضت عليهم إصدار الجريدة في العاصمة الأردنية عمان لكنهم رفضوا أي شكل من أشكال الدعم من جهة خارجية. وقد زرت الأستاذ ادريس بخاري في جويلية 1991 في مقر الجريدة بوهران وكان مقر الصحيفة التي أثارت هزات إعلامية شبه خال من الحركة وسألت وقتها أحد الصحفيين عن السر فقال إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة. ومن بين الصحف التي لازالت تنتظر الإفراج ''الجزائر اليوم'' التي كان لون صفحتها الأولى يثير قلق البعض، وأتذكر أنني زرت أكثر من مرة في مطلع التسعينات الأستاذ بشير حمادي ومصطفى هميسي بمقر الجريدة وفي كل مرة كنت أتساءل لماذا يخاف البعض ما بداخل هذه الشقة المتواضعة؟ وعندما تم الزج بالأستاذ سعد بوعقبة في سجن سركاجي بأمر من الجنرال خالد نزار، الرجل القوي في السلطة منتصف التسعينيات، كان سحب أسبوعية الشروق الأسبوعي فاق كافة التوقعات واضطرت الجريدة إلى السحب على شكل مجلة لفترة معينة. وفي صائفة 3002 قررت حكومة أحمد أويحي وقف طبع عدد من الجرائد تحت عنوان المديونية وانتهى هذا القرار بوقف صدور صحيفتي الرأي ولوماتان وكان الوضع السياسي في ذلك الوقت جد معقد، فقد تدخل العامل السياسي مع التجاري ليثير زوبعة أخرى. ولم يخل الحديث عن حرية الصحافة من التهديدات التي باتت تحيق بالمهنة. هنالك تهديدات المال والتشريعات المجحفة والطبع والإشهار كلها ملفات شائكة بل ملغمة من الصعب على صاحب جريدة أن يسير وسطها دون تفجير ألغام مزروعة بدقة. لقد دفعت الصحافة في بلادنا ثمنا باهضا خلال الفترة الصعبة التي مرت بها الجزائر. عشرات الشهداء من مهنة المتاعب.. ومتابعات قضائية بالجملة. لكن لما يجب أن نظل أسرى هذه البكائيات التي ترثي الحسن والحسين؟ إن المخاطر التي ذكرناها سابقا تهدد الصحافة في كل دول العالم بما في ذلك الدول العريقة ديمقراطيا. لذلك علينا مرة أخرى أن لا نبكي نضال الصحافيين لأنه متواصل بل وسيزداد الخناق حول حرية التعبير سواء من السياسيين أو أصحاب المال والنفوذ أو من خلال الأزمات والصراعات... ومرة أخرى ولأن النضال متواصل فقد لا نجد شيئا نهديه لصاحبة الجلالة غير هذه الكلمات وكل عام وأنتم ''أحرار''.