يشكل تدخل الأجهزة الأمنية في مختلف تفاصيل الحياة السورية والعنف الذي تمارسه، أحد الأسباب الرئيسية للأزمة التي تشهدها البلاد. وكانت معالم هذه الأجهزة مجهولة، فالمتتبع يضيع وسط أسمائها وأسماء رجالها، خصوصا أن التداخل في أعمالها كبير. ويمكن لضابط سوري أن ينام في جهاز، ويستيقظ في جهاز آخر مستقل تماما عن الأول. وفي “كائن لا تحتمل خفّته”، يورد الكاتب ميلان كونديرا أن “تفتيش المواطنين ومراقبتهم يعتبر من النشاطات الاجتماعية الأساسية والدائمة في البلدان الشيوعية، فلكي ينال رسام حقه مثلا، في إقامة معرض، أو يحصل مواطن على تأشيرة لقضاء عطلة على الشاطئ، يجب أولا تقديم تقارير وشهادات ثبوتية لا عد لها ولا حصر، بما في ذلك شهادة من حارس المبنى السكني، وأخرى من زملاء العمل، وثالثة من شرطة الحي، ورابعة من خلية الحزب التي ينتمي إليها “حكما”، وأيضا من لجنة التأميم، وكل هذه الإثباتات يجمعها فيما بعد ويقيّمها ويراجعها موظفون مدربون لهذه المهمة. أما ما يقال في هذه التصاريح، وفق تحقيق نشرته وكالة الأنباء الفرنسية، فلا علاقة له البتة بموهبة المواطن في الرسم أو بهدف الرحلة إلى الشاطئ.. فهناك أمر واحد مهم “الخلفية السياسية للمواطن”. ولم يتسن لكونديرا، الروائي التشيكي اليساري، التعرف على البلدان العربية ليكتب عن “النشاطات الاجتماعية الأساسية والدائمة” فيها. ففي سوريا، على سبيل المثال “لكي ينال رسام حقه في إقامة معرض أو يحصل مواطن على تأشيرة لقضاء عطلته على الشاطئ، يجب أن تجتمع أصلا كل أنواع التقارير والشهادات التي تخصهم”. لكن المشكلة أن الملف لا يستكمل بتوقيع جهاز استخباراتي واحد، فهناك أربعة أجهزة مستقلة، لكل منها “ناطور وزملاء عمل وشرطة وخلية حزب ولجنة تأميم”. وهذه الأجهزة الأربعة هي، جهاز أمن الدولة، جهاز الأمن العسكري، جهاز الأمن السياسي، وجهاز المخابرات الجوية. - جهاز أمن الدولة يعرف هذا الجهاز أيضا باسم إدارة المخابرات العامة “مقره الرئيسي قرب مستديرة كفرسوسة”، وأشهر رؤسائه نزيه زرير، وماجد سعيد، ومحمد ناصيف “علوي” الذي يلعب بعد تقاعده منذ عدة سنوات دور مساعد لنائب رئيس الجمهورية، والمستشار الأمني الخاص للرئيس بشار الأسد. ويتألف هذا الجهاز من فروع عدة مستقلة ومركزية، كالفرع 253 في منطقة السادات “أشهر رؤسائه محمد ناصيف، علوي”، الفرع 295 أو فرع المداهمة والاقتحام في منطقة كفرسوسة “من أشهر رؤسائه محمد بريمو وعدنان ديوب”. وفي كفرسوسة هناك أيضا فرع التجسس الذي رأسه سبع سنوات اللواء بهجت سليمان “علوي”، فرع المعلومات وفرع التحقيق، بالإضافة إلى فرع مخابرات درعا، وفرع مخابرات القامشلي، فرع مخابرات دير الزور، فرع مخابرات إدلب وفرع الحلبوني. وهناك في هذا الفرع خمسة أسماء أساسية وبارزة، هي: اللواء علي مملوك “سني” رئيس جهاز أمن الدولة. وقد عين مملوك في هذا الموقع عام 2005، خلفا للواء هشام البختيار “مواليد 1941′′ إثر انتخاب الأخير عضوا في القيادة القطرية لحزب البعث، وتكليفه رئاسة مكتب الأمن القومي. وكان مملوك من أصغر الضباط الذين انتقاهم الرئيس حافظ الأسد لشغل أكثر المواقع حساسية في النظام السوري، فهو من مؤسسي جهاز المخابرات الجوية الذي يتردد في سوريا أنه الجهاز الأول على صعيد المؤهلات والكفاءات البشرية والتقنية. أما اللواء فؤاد ناصيف “سني” رئيس فرع الأمن الداخلي في جهاز أمن الدولة، فقد خلف ناصيف في هذا الموقع، عام 2005، بالإضافة إلى اللواء بهجت سليمان الذي يعتبر أحد أهم الضباط السوريين، فكان يتمتع بنفوذ كبير في الحياة السياسية السورية واللبنانية. وقد ورد اسم سليمان ضمن الاتهامات الأمريكية لسورية بتجارة السلاح مع العراق قبل الحرب، وبدعم تسلل المسلحين إلى العراق بعدها، مع العلم أن سليمان كان ضمن جهاز نائب الرئيس السوري السابق العقيد رفعت الأسد، وبعد انقلابه على رفعت عين رئيسا لفرع مكافحة التجسس، ثم رئيسا لفرع الأمن الداخلي في جهاز أمن الدولة. وكان سليمان قد خلف بدوره في رئاسة فرع الأمن الداخلي “الذي يعرف في سوريا بالفرع 251′′ اللواء محمد ناصيف، عام 1998. وناصيف دكتور في الفلسفة كان قبل وصوله إلى “الأمن الداخليط رئيسا للفرع الفني الذي يعرف في سوريا بالفرع 211، أو فرع التنصت الذي يتبع للمخابرات العسكرية. ومن بين الأسماء الخمسة أيضا، العميد حافظ مخلوف “علوي”، الذي بات يعتبر منذ نحو عامين الرجل الأقوى في جهاز أمن الدولة رغم أن مسؤولياته الرسمية تقتصر على رئاسة فرع يعرف ب “قسم دمشق” الذي يشرف على الأوضاع الأمنية في مدينة دمشق وضواحيها. وحافظ هو شقيق رجل الأعمال رامي مخلوف، والده خال الرئيس السوري بشار الأسد. وكان حافظ الذي يعتبر أحد أكثر الضباط السوريين نفوذا “مواليد 1975′′، برفقة شقيق الرئيس الأسد باسل حين قتل بحادث سير عام 1994. وقد أعلنت الولاياتالمتحدة بعد الاتحاد الأوروبي أخيرا تجميد أمواله. ويتردد أن حافظ مخلوف أشرف بنفسه على التحقيق في اغتيال عماد مغنية. وهناك أيضا، اللواء زهير حمد “سني”، وهو نائب رئيس جهاز أمن الدولة، والذي ينافس حافظ مخلوف على رئاسة جهاز أمن الدولة، بعد تجاوز مملوك سن التقاعد. وسبق لحمد أن ترأس الفرع الداخلي في أمن الدولة الذي يعنى غالبا بمراقبة الفنانين السورين والمثقفين والصحافيين. ويكاد يجمع هؤلاء في الحوارات الخاصة على انتقاد حمد، معترفين بقدرته الاستثنائية على القراءة والمتابعة، ورفضه أي شكل من أشكال الانتقاد، سواء كان بناء أو هداما. ويجد أخيرا اللواء حسن خلوف مساعد رئيس جهاز الأمن العام. وسبق لخلوف أن شغل منصب رئيس فرع فلسطين في جهاز المخابرات العسكرية. وكان خلوف الذي تدرج في السلك العسكري قد استقر أكثر من عقدين في مدينة حلب، مع العلم أن لجهاز أمن الدولة عدة سجون في دمشق وحدها، أهمها السجن المقابل لقصر المحافظ، السجن في منطقة الجمارك، سجن القصّاع وسجن الشيخ محي الدين. أما أبرز هذه السجون على الإطلاق فهو سجن كفرسوسة الذي يتسع لأكثر من 3000 معتقل، وفيه نحو 250 زنزانة فردية. - جهاز الأمن العسكري يعتبر هذا الجهاز، وفق تحقيق وكالة الأنباء الفرنسية، الأقوى في سوريا، ويتولاه ابن العماد آصف شوكت “علوي” المدلل. عين شوكت زوج شقيقة الرئيس بشرى الأسد رئيسا له “2005 – 2009′′، حين رقي فجأة إلى رتبة عماد، وأصبح نائبا لرئيس الأركان للشؤون الأمنية، بينما حل صديقه اللواء عبد الفتاح قدسية “علوي” محله في رئاسة “الأمن العسكري”. ولدى هذا الجهاز في دمشق فروع تخصصية قائمة في مبان مستقل بعضها عن بعض. أهمها: فرع التحقيق، سرية المداهمة “215′′، فرع الدوريات، فرع فلسطين، فرع المنطقة، فرع المعلومات، وفرع شؤون الضباط “293′′ الذي كان مقره في “الأركان”، ونقل أخيرا إلى بناء جديد يتبع للمخابرات العسكرية. وبعد أحداث حماه عام 1982، بات لهذا الجهاز “سرية مداهمة” في كل محافظة، أشيع عنها الكثير بين المواطنين، وخصوصا سريتي دمشق التي كان آصف شوكت رئيسها، وسرية حلب التي كان الرائد أحمد العمر يرأسها. أما علاقة قدسية بشوكت فقديمة جدا، ويعتبر قدسية الأقرب إلى شوكت بين مختلف ضباط الأمن. وكان قدسية يرأس جهاز المخابرات الجوية قبل نقله إلى رئاسة جهاز المخابرات العسكرية. ويذكر أن الرقيب المجند فادي عيسى مصطفى، الذي اغتيل في بداية الأحداث التي تشهدها سوريا في منطقة بانياس، هو ابن أخت اللواء قدسية. مع العلم أن العميد رستم غزالة “سني” الذائع الصيت يرأس فرعين في جهاز الأمن العسكري، هما فرع المنطقة، وفرع التحقيق في محافظة ريف دمشق. أما العميد جامع جامع “سني” فيرأس فرع الأمن العسكري في محافظة دير الزور. ويعتبر علي دوبا أشهر رئيس عرفته المخابرات العسكرية. وأهم فروع هذا الجهاز، هي فرع مخابرات دمشق، ويسمى فرع المنطقة، ويقع في منطقة الجمارك “أشهر رؤسائه العميد هشام اختيار”. وفي المنطقة نفسها هناك أيضا “الفرع 235′′، أو المداهمة والاقتحام “أشهر رؤسائه العماد آصف شوكت”، فرع شؤون الضباط أو الأمن العسكري “أشهر رؤسائه أحمد عبود”، وفرع الحاسب الآلي أو الأمن العسكري، “الفرع 279′′ أو الفرع الخارجي، فرع أمن القوات وفرع فلسطين “من أشهر رؤسائه مصطفى التاجر”. ويضاف إلى هؤلاء “فرع سعسع” أو مخابرات الجبهة، ويقع في منطقة “سعسع” في ريف دمشق، فرع الدوريات على طريق المطار، فرع اللاسلكي في منطقة القابون، فرع مخابرات السويداء، فرع مخابرات حلب، فرع مخابرات حمص، وفرع مخابرات حماة. - جهاز الأمن السياسي يعتبر هذا الجهاز الأوسع انتشارا ضمن الأراضي السورية، لكنه إداري أكثر منه ميداني، فهو خزان المعلومات بالنسبة للنظام السوري. معلومات لم يجد النظام الإمكانات والوقت لمكننتها، الأمر الذي يصعب عليه مقاطعتها بعضها مع بعض ليحسن استخدامها. ويملك هذا الجهاز مفرزة في كل “مديرية ناحية”، ودوره الإداري كبير والملفات التي في حوزته في مقره الرئيسي في المزة ضخمة جدا. وهنا أيضا يوجد فروع، لكن ضمن المبنى نفسه، ليست مستقلة. وأهم هذه الفروع: الفنادق، الملاهي والمطاعم، الطلاب، الموظفين، الأحزاب وفرع التراخيص الذي يفترض بكل مكتب عقاري أو متجر هواتف خلوية أو محل خضر. ويتألف كل فرع من عميد ورائدين وبضعة عناصر. ويتبع هذا الجهاز أيضا لوزارة الداخلية، ويرأسه اليوم اللواء محمد ديب زيتون “سني” الذي حل قبل نحو عام محل اللواء محمد منصورة الذي كان قد خلف بدوره رئيس جهاز الأمن السياسي السابق اللواء غازي كنعان “علوي”. ومنصورة، وفق معلومات القبس هو أهم اللاعبين السوريين في الملف السوري العراقي، وأهم الوسطاء بين النظام السوري والأكراد. علما أن لهذا الجهاز عدة أفرع، أهمها فرع دمشق في منطقة المزة، فرعا ريف دمشق والتحقيق في منطقة العدوي، فرع الميسات، فرع حماة “من أشهر رؤسائه وليد أباظة الذي أشاع النظام أنه ينوي تعيينه محافظا لحماة، ثم ثبت أنها مجرد إشاعة”. ويشار إلى أن لجهاز الأمن السياسي، عدة سجون في مدينة دمشق وحدها، أهمها: سجن الشيخ حسن، سجن القلعة وسجن الجميلية. - جهاز المخابرات الجوية أوكل الرئيس حافظ الأسد للواء محمد الخولي مهمة تأسيس هذا الجهاز، فاختار الخولي منذ البداية اللواء علي مملوك لمساعدته في هذه المهمة. وهكذا ارتبط اسم مملوك باسم المخابرات الجوية، منذ البداية. وبداية، كانت مهمة “المخابرات الجوية” حماية سلاح الجو السوري، إضافة إلى طائرة الرئيس، وأمن الرئيس خلال تواجده خارج سوريا. ونتيجة تطور المهام التي أوكلتها المخابرات الجوية لنفسها، تحول الجهاز إلى واحدة من أهم الإدارات التابعة لرئاسة الأركان في الجيش السوري، في ظل تأكيد مختلف المصادر أن دور جهاز المخابرات الجوية حتى بداية الأحداث الأخيرة كان متواضعا جدا في الداخل السوري على صعيد القمع. وكان المحتجون في مدينة تلكلخ قد هتفوا لإطلاق سراح معتقلي المخابرات الجوية. ويشار هنا إلى أن اللواء علي مملوك الذي يرأس اليوم جهاز الأمن العام، كان سابقا رئيسا لجهاز المخابرات الجوية، واللواء عبد الفتاح قدسية الذي يرأس اليوم جهاز الأمن العسكري كان أيضا رئيسا لجهاز المخابرات الجوية. أما اللواء جميل الحسن الذي يرأس اليوم جهاز المخابرات الجوية، فكان مساعدا للواء علي مملوك. من ناحية أخرى، قال تقرير وكالة الأنباء الفرنسية إن المعلومات السابقة تثبت أن قادة الأجهزة الأمنية السورية، وهم أساس المشكلة التي تشهدها البلاد، بدأوا مسيرتهم مع الرئيس حافظ الأسد، وشغلوا مناصبهم العليا في عهد الرئيس بشار الأسد. والأكيد، حسب التقرير، أن علاقة الأجهزة الأمنية الأربعة الرئيسية في سوريا بعضها ببعض ليست مستقرة أبدا، وغالبا لا يوجد الحد الأدنى من التنسيق بينها. ويروى في هذا السياق أن المواطن السوري يكاد يُفسخ نصفين حين يقع بين جهازين، كلاهما يشده نحوه.