وضع اليمن اللمسة الاخيرة لخروج الرئيس علي عبد الله صالح من السلطة يوم الثلاثاء بالتصويت على انتخاب نائبه لقيادة البلاد بعيدا عن الانزلاق الى حرب اهلية. ووصف نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي وهو المرشح الوحيد والتوافقي الانتخابات بأنها الطريق للمضي قدما بعد شهور من الاحتجاجات على حكم صالح الذي استمر 33 عاما لكن ابناء الرئيس وابناء اخوته ما زالوا يسيطرون على وحدات اساسية في الجيش واجهزة الامن. وقال هادي في مركز اقتراع بعدما ادلى بصوته ان الانتخابات هي الطريق الوحيد “من أجل الخروج من الازمة والظروف الصعبة التي عصفت بالبلاد منذ مطلع العام الماضي.” وستجعل الانتخابات صالح الموجود حاليا في الولاياتالمتحدة لتلقي مزيد من العلاج من حروق اصيب بها في محاولة اغتيال في يونيو حزيران رابع حاكم مطلق في العالم العربي يترك المنصب خلال عام بعد انتفاضات في تونس ومصر وليبيا ايضا. ويتهدد الخطر اقتصاد البلاد الذي تعصف به الفوضى حيث يعيش 42 في المئة من السكان البالغ عددهم 24 مليون نسمة على اقل من دولارين في اليوم ويدفع التضخم المتفشي اسعار الغذاء والوقود للارتفاع. واصطف الناخبون في طوابير طويلة في وقت مبكر صباح الثلاثاء خارج مراكز الاقتراع في العاصمة صنعاء وسط اجراءات امنية مشددة بعد انفجار وقع في مركز تصويت في مدينة عدن الساحلية الجنوبية عشية التصويت. وقالت الناشطة اليمنية الفائزة بجائزة نوبل للسلام توكل كرمان وهي تنتظر امام كلية جامعية في صنعاء للادلاء بصوتها ان اليمنيين يعلنون الان نهاية عهد علي عبد الله صالح وسوف يبنون يمنا جديدا. وغمس الناخبون اصابع الابهام في الحبر ووضعوا علامة على اختيارهم في ورقة اقتراع تحمل صورة لهادي وخريطة لليمن بألوان قوس قزح. وسيكون الاقبال الكبير حيويا لاعطاء هادي الشرعية التي يحتاجها لتنفيذ التغييرات الواردة في اتفاق لنقل السلطة توسط فيه الجيران الخليجيون لليمن ومنها وضع دستور جديد واعادة هيكلة القوات المسلحة التي يشغل اقارب صالح مراكز اساسية فيها. وقال مسؤول من اللجنة الامنية للانتخابات ان نسبة الاقبال بلغت حوالي 80 في المئة لكن النتائج النهائية لن تعرف قبل يومين او ثلاثة ايام. وتلقى الانتخابات دعما من الولاياتالمتحدة وجيران اليمن الاغنياء بقيادة السعودية الذين رعوا اتفاق السلام المبرم في نوفمبر تشرين الثاني وسلم صالح بموجبه السلطة الى هادي. ووقفت شاحنة صغيرة تحمل مدافع مضادة للطائرات وتمتليء بالجنود امام كلية اخرى بجامعة صنعاء في حين اصطف مئات الرجال للادلاء بأصواتهم. وقال سمير رضوان وهو طبيب في الثالثة والاربعين من العمر “ربما لم يتغير النظام لكن الناس تغيروا. انها الخطوة الاولى تجاه التغيير الحقيقي.” واضاف “كان صالح يأخذنا الى الجحيم. لقد اوقفناه وسنبدأ الان بناء يمن جديد.” لكن الانتخابات لن تحسم مواجهة عسكرية قائمة بين أقارب صالح ولواء منشق ومسلحين موالين لشيوخ قبائل. ويشهد اليمن تمردا مسلحا في الشمال وحركة انفصالية في الجنوب حيث حقق اسلاميون متهمون بأن لهم صلات بالقاعدة مكاسب ميدانية ايضا. ولم يتضح المسؤول عن اعمال العنف يوم الاثنين. لكن الانفصاليين يطالبون بفك الارتباط بالشمال الذي خاضوا معه حربا اهلية في 1994 بعد وحدة سياسية رسمية في 1990 . ويقول الجنوبيون الذين يتهمون الشمال بالاستيلاء على مواردهم والتمييز ضدهم انهم يقاطعون الانتخابات لانها تضفي شرعية على عملية سياسية لا يشاركون فيها. ويهدد هذا الاحتمال بنزع الشرعية عن خطة نقل السلطة التي صاغها مجلس التعاون الخليجي بدعم من الولاياتالمتحدة والتي تتضمن بقاء نائب الرئيس عبد ربه هادي منصور في المنصب لعامين لصياغة دستور جديد واجراء انتخابات متعددة الاحزاب. وبدت شوارع مدينة عدن الجنوبية شبه خالية وأمكن سماع اطلاق نار متقطع. وقال سكان ان رجالا مسلحين هاجموا مراكز اقتراع في المنصورة وخور مكسر في منطقة عدن وقت الفجر. وندد ناشطون شبان كانوا شاركوا في الاحتجاجات على حكم صالح بالانتخابات مقدما وهم يرون خطة انتقال السلطة اتفاقا بين نخبة يعتبرونها شريكا في جرائم ارتكبت في فترة حكم صالح بما في ذلك قتل المحتجين المشاركين في الانتفاضة ضد حكمه. وقالت رقية الفوادية (25 عاما) وهي طالبة اعلام شاركت في الاحتجاجات في صنعاء “يضع اليوم خطا بين الماضي والمستقبل.. بين نظام عائلي ويمن جديد.” ووصفت هادي بأنه “وسطي” وقالت ان المحتجين يجب ان يبقوا في الميدان حتى اقامة دولة مدنية حقيقية. وبعدما دعمت واشنطن الرئيس السابق صالح لوقت طويل كخصم لفرع القاعدة باليمن الذي خطط لهجمات فاشلة بالخارج فانها تساند الان الانتقال لضمان ان يكون لها شريك في حربها ضد القاعدة والتي تشمل تنفيذ عمليات اغتيال باستخدام طائرات بدون طيار. وقال السفير الامريكي لدى صنعاء جيرالد فيرستاين ان ايران الشيعية تثير الاضطرابات في المحافظات الشمالية باليمن حيث حاولت قوات صالح دون جدوى قمع متمردين شيعة. وتتفق هذه التصريحات مع اتهامات من الدول المجاورة لليمن التي يقودها السنة بأن طهران تسعى لزيادة نفوذها الاقليمي من خلال طابور خامس شيعي. ودعا السفير ايضا الى اعادة توحيد جيش يقود فيه احمد علي نجل صالح ويحيى ابن شقيق الرئيس السابق وحدات اساسية تتمتع بدعم الولاياتالمتحدة. ويخوض الاثنان مواجهة مع الزعيم القبلي صادق الاحمر واللواء المنشق علي محسن اللذين حولت معاركهما مع المؤيدين لصالح مناطق في صنعاء الى انقاض. واشار هادي الى تلك الانشقاقات في رسالة الى الامة قبل ساعات من التصويت واكد ضرورة معالجتها لتجنب ان يصل اليمن “الى ما وصلت اليه الصومال تشرذما وتفككا ودمارا”. واضاف “لا يمكن الحديث عن وطن مستقر دون اعادة الحياة لوضعها الطبيعي وازالة كافة المظاهر التي تم استحداثها ابتداء بانهاء الانقسام الحاصل في الجيش.” وتواجه الحكومة المؤقتة ازمة مالية وانسانية وطلبت مساعدات دولية بمليارات الدولارات لتجنب الانهيار في دولة تسبب الاضطراب بها في شلل شبه كامل لصادرات النفط المتواضعة التي تمول واردات المواد الغذائية. وقدر صندوق النقد الدولي ان الاحتياطيات الاجنبية لليمن انخفضت الى 2.7 مليار دولار العام الماضي ويقول صندوق الاممالمتحدة للطفولة (يونيسيف) ان 57 في المئة من اطفال اليمن البالغ عددهم 12 مليونا يعانون من سوء التغذية بصورة مزمنة -وهو اعلى مستوى خارج افغانستان- وأن نصف مليون طفل يمني يواجهون الموت او التشوه.