فيما أكدوا خوف الجزائريين من الكشف عن توجهاتهم الحقيقية دخلت بعض العناوين الصحفية منذ أيام في عمليات استطلاع للرأي العام بهدف رصد توجهات الناخبين في الموعد التشريعي المنتظر يوم 10 ماي المقبل، عبر مواقعها الإلكترونية أو من خلال استبيانات ميدانية مست بعض الشرائح الاجتماعية، وقد تباينت نتائج الاستطلاع حتى الآن إلى حد التناقض الكلي، كما حصل مع جريدتي «الشروق» و«الوطن»، حيث توصلت الأولى وفق استفتاء افتراضي على موقعها إلى تقدم الإسلاميين في الانتخابات القادمة بفارق كبير عن منافسيهم بمجموع 60٪ من الأصوات، لاسيما تكتل «الجزائر الخضراء» ب29٪، من عينة تجاوزت 155 ألف مشارك، بينما وضعتهم الزميلة «الوطن» في مؤخرة الترتيب، لتعود صدارة نتائج العملية التي أجرتها إلى جبهة التحرير الوطني بنسبة 25٪ من مجموع المصوتين، بينما لم يمنحها المشاركون في الاستطلاع الأول سوى 1٪ من الأصوات. وبطبيعة الحال، فقد تلقفت الأحزاب السياسية المتوجة مسبقا بمقاعد البرلمان الجديد وفق عمليات المسح الأولية بمنتهى الفرح واليقين، لكن الواقع الذي نعيشه بعدما تداعى المناضلون لتكثيف التصويت فيما يشبه برامج ستار أكاديمي، يطرح بفعل النتائج المتضاربة عدة استفهامات بشأن مصداقية مثل هذه الاستطلاعات في الجزائر. وفي هذا الصدد، قلل الدكتور محمد لعقاب، في اتصال مع «البلاد»، من قيمة هذه النتائج «لأن عمليات سبر الآراء التي تتم عبر المواقع الإلكترونية لا يمكن تعميمها على غالبية الجزائريين، فهي تعكس اتجاهات قراء سياسيين من متتبعي الجريدة دون سواهم» من وجهة نظره، ويعتبر المختص في الاتصال والإعلام بجامعة الجزائر، أن الاستبيانات الميدانية أيضا فاقدة للمصداقية هي الأخرى في ظل الوضع الراهن ببلادنا، مبررا ذلك بكون الجزائريين لا يثقون في مثل هذه العمليات، نتيجة الخوف من معاقبة الإدارة في حال إبداء آرائهم الحقيقية، مما يضطرهم إلى مغالطة المستجوبين لهم بآراء لا تعبر عن مواقفهم العملية يضيف المتحدث. وكشف الدكتور لعقاب أن المجتمع الجزائري ليس إعلاميا مثل المجتمعات الغربية التي تعرف عمليات سبر الآراء يوميا في مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية، ومن ثمة لا يمكن البناء على نتائج الاستطلاعات الحالية لأنها تبقى محدودة التمثيل والصدقية على حد تعبيره. من جهته أكد الباحث في علم الاجتماع، الدكتور ناصر جابي، صحة ما ذهب إليه الأكاديمي محمد لعقاب، موضحا أن الجزائر تفتقد مؤسسات كبرى مختصة في استطلاعات الرأي، وأضاف أن مصداقية مثل هذه العمليات ترتكز على معايير دقيقة، محددا بعضها في معرفة أفكار السكان، والثقافة السياسية لديهم، إضافة إلى تراكم نتائج الانتخابات السابقة كما هو الشأن في الدول الديمقراطية، وهي شروط غير متوفرة في الجزائر، لأننا لا نزال مختلفين حول نزاهة كل الانتخابات التي جرت منذ 1962 وفق تقدير المتحدث. وفسر جابي التضارب في نتائج الاستطلاعات التي أشرنا إليها في البداية، بأنها تعكس التمايز الثقافي في المجتمع من خلال اتجاهات القراء المعربين والمفرنسين، وعليه لا يمكن أن تؤخذ مثل هذه النتائج المعلنة بعين الاعتبار، لكنها تبقى مجرد مؤشرات غير دقيقة حسب رأيه. وإن أبدى الخبراء من ذوي الاختصاص رأيهم بوضوح من قيمة هذه الاستبيانات، فإن البعض لا يتوقف عن توظيفها سياسيا وإعلاميا في إطار الدعاية الانتخابية والتأثير على توجهات الرأي العام للتفوق النفسي على منافسيه، قبل أن تكشف الصناديق عن المكرمين والمهانين غداة العاشر ماي المرتقب.