الكذب.. والتزوير.. والمغالطة.. عملات صعبة في زمن الانتخابات.. لا بسبب ندرتها.. بل لكونها مجال المضاربة الوحيد.. الذي ينشط فيه الغشاشون.. ويديرون فيه أعمالهم ببراعة منقطعة النظير.. ويحققون من ورائه أرباحا وفيرة.. تغني أحفادهم إلى الجيل العاشر. لهذا الاعتبار.. نحن لا نثق في الكذابين والمزورين والمغالطين..ونكون مغفلين إلى أبعد الحدود.. لو اعتقدنا يوما أن الخير سينبع من هؤلاء .. أو أن الشمس ستشرق من ناحيتهم.. أو أن ربيع الجزائر سيتجلى في عيونهم. وتأسيسا على خبراتنا المكتسبة مع هؤلاء المضاربين.. نعتقد أن سحب الثقة منهم .. وإعلان ذلك أمام الملأ.. وملاحقتهم عبر الدروب الوعرة التي يسلكونها.. وتسليط الأضواء الكاشفة على الأقبية التي يختبئون فيها.. وإسقاط الأقنعة عن وجوههم.. هو بعض الواجب المترتب علينا جميعا.. أعني جميع الجزائريين. يجب أن نجلي جوهر هؤلاء الثلاثة بالاسم والصوت والصورة.. ونقف على حقيقة وظائفهم المعلنة والمستترة.. ومتى يعملون ومتى يتوقفون عن العمل.. وما هي درجة استعدادهم للمضاربة في بورصة الأصوات.. وحجم الخسائر التي يستطيعون تحملها.. وإلى أي مدى سيذهبون في مغامراتهم..؟ إن السبب الذي يجعلنا لا نثق في هؤلاء الثلاثة تحديدا.. هو أنهم فعلوها مرارا.. وأقيمت عليهم الحجة بالشهود.. وبفحص الآثار المتخلفة في موقع الجريمة.. حيث ضبطوا أكثر من مرة.. وأيديهم تقطر من دم الصندوق. ولأنهم اعتادوا الصنعة.. وتمرسوا فيها.. وكسبوا من الخبرة.. بما يفي بحاجتهم.. فإن الأمل في توبتهم ضئيل جدا.. والحل أن يحجر عليهم.. ويحاطوا بأسلاك سياسية وقانونية شائكة.. حتى لا يفكروا في التسلل مرة أخرى. ^^^ أول هؤلاء الثلاثة هو الإدارة.. وأعني بالإدارة.. من يرتكب التجاوزات باسمها.. ليقيدها بعد ذلك على مجهول.. فماذا يعني أن يخرق القانون في وضح النهار.. ويداس على رقبته.. فيقيد ناخبون بالجملة خارج فترة المراجعة الرسمية للقوائم.. ثم يقال إن ما حدث مجرد مراجعة استثنائية؟ ألا يشير هذا التصرف إلى لون من الاستهتار بالدولة.. حين يملي أشخاص إرادتهم على مؤسساتها.. ولا يتسنى ردعهم؟! وماذا يعني أن تصر الداخلية على رأيها.. فلا تجيز إلا ما ترى هي.. وترفض مقترح اللجنة الوطنية للانتخابات التي ترى بالإجماع.. أن ورقة واحدة تجمع شتات المترشحين خير من أربعين ورقة يضيع بينها الناخبون؟ لقد علمتنا الإدارة أنها متواطئة أحيانا.. وعاجزة أحيانا أخرى.. وفي الحالتين.. هي غير جديرة بكسب ثقة الباحثين عن انتخابات حرة ونزيهة.. تفضي إلى تشكيل حكومة تعبر عن إرادة الشعب.. ولا تقف في صف القوى النافذة وأصحاب المصالح. ^^^ وثانيهما هم دعاة المقاطعة.. أي هؤلاء الذين اختزلوا وظيفتهم.. في صرف الناس عن أخذ مصيرهم بأيديهم.. فهم يوحون للناخبين بأن لا أمل في التغيير.. وأن القدر قد قال كلمته الأخيرة.. فلا مجال لمغالبته.. وأن التزوير هو سيد الانتخابات.. وحصص الكعكة قد تم تقاسمها.. والحكومة القديمة هي الحكومة الجديدة.. وانتهى الأمر.. هكذا تبسط الأمور.. ويستغفل الناس.. ليتركوا تائهين بلا وجهة واضحة.. وبلا قدرة على اتخاذ القرار. من أين لنا أن نثق في هؤلاء.. الذين لو سألت أحدهم: أنتم تقولون لا جدوى من الانتخابات.. فما هو البديل .. هل ننزل إلى الشارع مثلا.. أم نمكث في بيوتنا يوم الانتخاب؟ فإنه ينصرف دون أن يجيب بكلمة.. لأنه لا يملك في الأصل حلا.. بل يملك تثبيط العزائم.. لا يملك فكرة.. بل مجرد غريزة أو رد فعل. أغلب دعاة المقاطعة.. ينطلقون من وضعيات نفسية معقدة.. فمنهم من لا يرى العالم إلا بلون نظارته.. ومنهم من يحتفظ بماضيه باعتباره «النص المقدس» الذي لا يجوز المساس به.. وبالتالي لا انتخابات خارج هذا الماضي.. ومنهم من يركب الموجة دون أن يعلم إلى أين ستمضي به. ^^^ وثالثهما الأحزاب الانتهازية التي ضمر عقلها.. وتحاول التسلق على ظهر الناخب .. فهذه الكيانات التي تنشأ أحيانا على حافة الواقع.. لتبقى معزولة عن هموم الناس.. تختصر وجودها في تسويق وجوه لا ملامح لها.. وعرض أفكار ساذجة وسطحية.. وقد اعتادت مخاطبة الشعب.. بلغة متخلفة وأحيانا منافقة.. فالناس في اعتقادها ليسوا أكثر من تلاميذ في مدرسة ابتدائية.. يتلقون دروسا في مبادئ القراءة والحساب.. وتنسى أن وجودها بحاجة إلى مبرر.. أكثر من حاجة الناس إليها. ^^^ إن الثقة ليست صكا على بياض.. تتسلمه جهات اعتادت السحب على المكشوف.. الثقة ميثاق شرف يجمع بين الشعب.. ومن يتقدم لإدارة شؤونه.. وعندما تنتهي هذه الثقة إلى الصفر.. هل من أمل في بعثها من جديد؟