قبل أن نصل إلى مسمياتهم و«مسارات» طريقهم إلى برلمان مُشرّع على كافة الاحتمالات، كان من الضروري أن نستيعد من حلقتنا السابقة، دائرة دار الشيوخ التي سقطت سهوا من معادلة الجمع والضرب الانتخابي، ولأن أهمية المنطقة تكمن في أنها حاضنة رأس قائمة «الحدي إسماعين» فإن صوتها مع ابنها و«سوطها» ضد خصومه، وذلك بدافع أول الانتماء التقليدي للأفلان ثم بانتماء رأس الأفلان لدمها و«همها» الذي كثيرا ما كان حاضره يوم غاب الكثيرون عنه.. فشعارات «وان تو ثري إسماعين فراها بكري» لسان حال منطقة حددت مسبقا بوصلة انتخابها.. لتكون قبلة الأفلان من «دار الشيوخ» أو «حوش النعاس» حيث سقطت هنالك، مملكة «بلونيس» يوم كان للتاريخ معنى وقرابين وقدمت نفسها أضاحي في سبيل وقف مخطط تقسيم كان قد دبر بليل فرنسي.. والمهم من الأفلان إلى الأرندي، فالإسلاميون ووصولا إلى «الفطريات» الحزبية الأخرى فإن جولتنا الإعلامية رست على عاصمة الولاية أو نسبة ال25 % التي ستحدد من «الرابح» ومن «السابح» في وهم.. حيث الجلفة هي الفصل بين الجد واللعب.. الأفلان.. من بكري إذا خطاك إسماعين روح أكري! الأفلان بالجلفة، يقترب من العرف والعادة وخاصة في القرى والبلديات الداخلية حيث اسمه مقترن بالذاكرة، ورغم الانتكاسات التي تعرض لها في سنواته الست الأخيرة نتيجة تحالف إداري عالي المستوى بين أطراف أرندوية فاعلة، و«فاعل» إداري متمكن بالإضافة إلى عامل القيادة الأفلانية المحلية الآفلة التي أدخلته النفق، حيث خسر بلدياته، ومقعدي مجلس الأمة، إلا أن ما هو ثابت أن عودته الآن في ثوب وتحت برنوس «إسماعين الحدي» أو «طائي» الجلفة كما يلقبونه، أعاد إليه بريقه المفقود، في معركة إما أن يربحها فيعوض كل خسائره السابقة وإلا فإن «المتحف» نهاية حتمية لوضع حزب ليس أمامه إلا خيار «التجدد» أو التبدد. نقاط القوة في أفلان الجلفة اليوم تكمن في رأس قائمته، إسماعين الحدي، فهو شخصية طيبة، اعتنقت الكرم كعقيدة، لا علاقة لها بالمناسبات، كرم يتجاوز ما هو متعارف عليه من «مناسباتية»، حيث إنه لا خلاف على أن إسماعين، رجل افترش كرمه بشكل جعله قبلة لفقراء لم يترددوا في الحج إليه أفواجا لشد عضده كنوع من رد الجميل، وخاصة أن يد إسماعين المبسوطة لم تكن وليدة يوم انتخابي ولكنها عادة طالت بيوت الله وعباد الله من شتى الطبقات.. قصة «تفشي» رأس قائمة الأفلان في الوجدان الجلفاوي وخاصة في عاصمة الولاية، حيث أحياء الفقراء من «الزريعة» إلى «الحفصى» إلى «القرابة» فبوتريفيس» وصولا إلى العائلات المرحلة مؤخرا والبالغ عددها 1500 عائلة، تلك القصة أكبر من أي موعد انتخابي، كونها لم تحتكم يوما للمناسبات، وخاصة إذا ما تعلق الأمر ببيوت الله، وبالزواج الجماعي وبمساعدة المرضى وبالذات منهم ذوو الأمراض المستعصية والمزمنة، فأكثر من واقعة تشهد لفارس الأفلان بأنه كما «دار الخير ونساه» فإن بقاعدة «أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم»، دفعت به إلى أعلى المراتب ليضع فيه بلخادم ثقته، ويضعه على رأس حزب كانت تلك الشخصية قد قدمت له الكثير على المستوى المحلي، حيث ظل طيلة انتخابات متواليه «حاتمه» السياسي، الذي لم يبخل عليه بالغالي والنفيس في مواعيده الكبرى دون أن ينتظر مقابلا من أحد.. المهم أن مرشح الأفلان بصفاته هذه، وجد نفسه وجها لوجه مع «إحسانه» السابق للفقراء والمعوزين، ليكون حصانهم وحصان الأفلان القادم، كما أن أهم شيء في قضيته الجديدة أنه كان قبل عامين مرشح الأفلأن في «السينا»، ولولا أمر دبر بين ب«بلعباس» بتشجيع من «سيدي» سابق لكان اليوم سيناتورا، لكنهم «نزعوها» من فمه، لتتجدد المعركة اليوم، وتصبح القضية قضية «ثأر» من الباب الواسع.. حملة الأفلان اعتمدت على أولوية جوارية، أظهر فيها الرجل الذي كانوا يعيبون عليه «صمته» قدرته الكبيرة على «الكلمة» المقترنة بالتطبيق وليس بالوعود المؤجلة، فحتى في حملته فإن «عادته» في إعمار المساجد لم تجمد، فأينما نزل خلف وراءه قصة ذلك «الكريم» الذي لا يحسن من إطلاق الوعود إلا «تنفيذها» حالا وبأي ثمن كانت..لكن تبقى حجر عثرة في منافسة الجبهة الحالية أن خصومه ليسوا منافسيه ولكنهم ذووه من آل بيت أفلاني «غاضبين» لم ينالوا حظهم في الترشح فكان «جيدهم من مسد» حيث حمالات الحطب الانتخابي يشعلن النيران أينما حل الرجل في محاولات من وجوه مثل المحافظ السابق وشلته من حرس قديم لإفشال مخطط من كان لعهد قريب «ولي نعمتهم».. المهم أن إسماعين الأفلان استطاع حتى اللحظة أن يكون رقما مهما في معادلة النجاح الشامل الذي يمكن أن يكون رغم ظلم ذوي القربى، وحصته (وسط ألغام الرفاق والأعداء) متمركزة في عاصمة الولاية حيث الصراع على قدم و«شاق» للوصول إلى «الربح» المنشود مع وجود عوامل قوة ممثلة في مرشح حاسي بحبح وفي الوجه النسوى المعروف «مريم بوشنافة» التي وفر لها الحظ فرصتها على طريقة «إسماعين» لكي تعود من الباب الواسع وورقتها الرابحة أن الجبهة كعمق وكتاريخ تتجاوز كافة الحسابات الشخصية و«المظالم» التي سلطت على سيدة الأفلان يوم وأدوها بطريقة إسماعين نفسها في «سينا» سابقة بعد أن سفكت القبيلة دم القتيلة العائدة من بعيد.. فرنسا تسفك دم رحماني بالجلفة الشريف رحماني، أو حكاية وزير الجلفة المترشح، معادلة أخرى من «معركة» الجلفة الأخيرة، فالرجل الذي يمتلك ذلك البريق، عاد من بعيد ليضع تاريخه ومكانته في كفة ويضع عودته من وعبر الجلفة في كفة أخرى، ورغم خطورة القرار وصعوبته، إلا أن ما يحفظ للوزير أنه رفع تحديا لكي «يكون من الجلفة أو لا يكون» وهي الورقة التي استعملها الأرندي لحماية نفسه من الأفول. وبغض النظر عن أن قائمة الوزير قد «سرطوها» له، بعدما وجد رحماني نفسه ملزما ومجبرا على «جر» العربة وحده، إلا أن الثابت أنه استطاع تحطيم أكثر من جدار، واللافت للانتباه أنه بالتزامن مع إعلان تعبئة «رحماني مع الجلفة دائما» التي كسرت الطوق على أرندي بلعباس، فإن فرنسا دخلت على «الخط» في الجهة الأخرى لتعلن جريدة «إكسبريس» من فرنسا قصفها «الناتوي» على رحماني بمحاولة المس بشخصه وقتله في الجلفة، وبيد أهله وهو ما فهم منه أن جماعة ما في سلطة ما وعلى مستوى ما ضغطوا على «زر» دعوها فإنها مأمورة لتصفية رحماني من طرف أهله وحتى يتفرق «دمه» السياسي بين وبيد عشائر قومه.. رحماني، ورغم خبرته كوزير، إلا أنه وجد نفسه أمام خصوم الداخل من داخل آل بيته في الأرندي، حيث لا يخفى على أحد أنه بالإضافة إلى خصومه على المستوى المركزي فإن صراع الداخل المحلي على مستوى حزبه بالجلفة، جعله يحارب على أكثر من جبهة، وبرغم أن قوة الأرندي في رحماني المطالب «بفوز» يليق بمكانته وليس بمجرد ربح، فإن الثابت حتى الآن أن الألغام أكبر من أن تحصى، فيد واحدة لا تصفق، لكن يبقى في نهاية الأمر أن رحماني وبالموازاة مع حضوره السياسي وشخصيته القادرة على افتكاك التواصل فإن عاطفة «بني أمه» بالجلفة عاصمة «العراك» احتضنته لتربت على كتفه وعلى تاريخه، في انتصار له ممن حاولوا ربطه بأولاد «رحمان». فرحماني ومهما اختلفت الرؤى، فإن لسان الجلفة العام يتجه نحو أن المنطقة لا يمكنها أن تنتظر ثلاثين عاما لتصنع للمنطقة وزيرا مثله، وخاصة بعد حادثة الإنزال الإعلامي الفرنسي ضد شخصه والذي أظهر أن معركة رحماني ليست على مستوى الجلفة، وإنما على مستوى دوائر قرار كبيرة تريده أن ينتهي بالجلفة وبيد أهله وذويه.. ونقصد بأعلى جماعة هناك وليست جماعة هنا.. الأحزاب الإسلامية: «المندبة كبيرة والميت «جار».. ما يمكن أن يستشف من حملة العشرة أيام، أن الأحزاب الإسلامية، سواء كانت «خضرا» أو بنفسجية، قد قضت نحبها قبل أن تصل إلى مرحلة «وما بدلوا تبديلا»، وذلك حين تجاوزت الخريطة العروشية للمنطقة، فقائمة الجزائر الخضرا، ورغم الحضور والسمعة الطيبة التي يحملها رأس قائمتها إلا مساحة تحركها لا تتعدى فراشها الممتد بين حد الصحاري والزعفران وهو حيز يمثل أقل من 4 % من الوعاء الانتخابي والعروشي المشكل للبنية الجلفاوية، وفي المنوال و«الموال» ذاته فإن الشيخ جاب الله، الذي نقل عتاده وعدته من «شمال» الولاية حيث كان يستسقي «ربه» انتخابيا، باتجاه جنوب الولاية بعدما سلم المشعل للأستاذ المعروف دليوح مصطفى، كان يمكنه أن يحدث فارقا لولا أن المنطقة التي تمركز فيه جاب الله هذه المرة عجت بالفطريات من الجهة نفسها ومن العرش نفسه ومن الفرقة نفسها، وهو ما يجعل الحظ الآن حظ ما يمكن أن يفعله «دليوح» وليس جاب الله.. يبقى مناصرة رقما مهما، ليس كعنوان حزب، ولكن باعتماده على مرشح له حضور حقيقي في مسعد يدعى «حوة» كون عباءة جبهة الإنقاذ مازالت تحمل له من البريق ما يمكنه أن يمر بسيولة و«سهولة». أما عن حزب محمد السعيد، حيث مرشحه «إبراهيم كشيدة» فبغض النظر عن حركية مرشحه فإن الحظ الوافر تضاءل مع ظهور منافس له من بيئته العروشية.. زوايا ومشائخ وجميعات «حك تربح»: «كراع» عند رحماني و«يد» عند إسماعين الفاعلان الأساسيان في الساحة الجلفاوية اللذان لا يختلف عليهما اثنان هما الأفلان والأرندي، لكن الإشكالية المطروحة مع تعدد المشارب واللغات، أن شريف رحماني كما الحدي إسماعين، اصطدما بالقدرة الكبيرة على «التلون» السياسي، لأطياف جعلت من الذهاب إلى هذا والمجيء من عند ذاك «مهمة» انتخابية امتلكتها العديد من جمعيات حك تربح، وكذا بعض شيوخ الزوايا، وكما يقولون بالجلفة «كراع عند رحماني ويد عند إسماعين»، فإن الحزبين القويين اهتديا للنزول إلى الشارع في بحث عن «لون» جديد بالمقاهي والحافلات وسيارات الأجرة، لون من الناس يضع للكلمة «عنوانا» يتعلق بالبرامج، وليس بلغة «شد مدّ.. القرض مات»، لتكون الساحة الآن عملا جواريا، أهم ما أفرزه من معطيات ومن مكاسب للجلفة أولا أن المتنافسين جميعهم تمكنوا من «أخلقة» الحملة الانتخابية، فحتى الآن فإن الورقة التي كسبها الحزبان الكبيران هي ثقافة التنافس، رغم أن البعض يريدها «سوقا» لجر الحملة الانتخابية إلى المستنقع الوضيع.. نسوة المدينة.. بن يطو و«ميمي».. وأخريات وسط ملاحم الرجال، طفت إلى سطح الجلفة وجوه نسوية صنعت لها حضورا بدأ أولا بكسر حاجز «نون النسوة» التي تعتلى رأس القوائم، حيث «بن يطو خديجة» كنموذج لمرأة «جنوبية» دخلت سباق «الذكور» السياسيين لإحداث عزف جديد، هدفه نساء أعلن «الخلع» من سلطة الرجل الانتخابي، فعل مستوى «بن يطو» رأس قائمة حرة، لاتزال مفاجاة أن تجمع امرأة 5600 توقيع لتترشح حرة في قائمة اختارت لها عنوان «العهد والالتزام» وتصنع حدث وحديث الشارع، كما أن الرقم المؤنث الآخر «شلالي.م»، لاتزال صور أناقته السياسية تحدث رجة في شارع جلفاوي خرجت نون نسوته لتعلن استقلالها عن العصمة السياسية للرجل.. قاعات بمهلليها للإيجار.. الحجز متاح طيلة أيام الحملة في النهاية فإن ما حبلت به حملتهم الانتخابية، أن القاعات الكبيرة لم تعد مقياسا لمدى انتشار هذا أو ذاك فملء القاعات أصبح «مهمة» تجارية، والجمهور المتعدد الأوجه بضاعة يمكن لمن يمتلك «الدفع كاش» ملء ما شاء من أرقامها وهو ما شهده أكثر من تجمع لأكثر من متنافسين، حيث يجد المتابع المهللين أنفسهم لهذا وذاك وفق قاعدة «تهليل» للكراء.. والحجز متاح طيلة أيام الأسبوع.. وخاتمة القول في تقييم ما جرى في الجلفة وما يجري فيها، فإن فواعل الساحة السياسية لقاؤهم لن يكون إلا في ساحة «أم المعارك» بعاصمة الولاية حيث الرهان، لكن ما يلاحظ أنه باستثناء وعاء ال53 بالمائة الذي يمثل عين وسارة وحاسي بحبح ومسعد وعاصمة الولاية الجلفة، بالإضافة إلى بقية من دوائر معزولة انتخابيا، فإن تكاثر الأحزاب والقوائم الانتخابية أدى إلى نتيجة واحدة مفادها تهمة «تبديد أصوات عمومية» ضاعت بعدما تفرقت «عير» الجلفة بين القبائل... ناهيك عن شبح المقاطعة الذي أضحى تحصيل حاصل للزخم العام الذي اختلط حابله بنابله..