هوس الموضة يجتاح شباب اليوم.. العديد منهم أضحى لا يهمه من اين يأتي بالمال مادامت سياسة الأمر الواقع والتهديد بترك البيت واستكانة الأولياء لفرعون اسمه «الابن» طلباته مجابة.. لا انتقاد على الشكل والمظهر لأنه مواكبة «للوك» العصرنة وما أدراك ما الموضة.. هي مفارقات عديدة يطرحها رجال يومياتهم تتناوب عليها آهة الشكوى من ضيق الحال وعوائق دخول القفص الذهبي وآهة أخرى، بل ألف آهة بحثا عن الموضة و«اللوك» العصري وبين هذه التناقضات وما أكثرها يعلق شبابنا زلاتهم على شماعات غلاء المعيشة. منذ سنين خلت لم يكن مفهوم الأناقة لدى الرجال ظاهرا ومتفشيا بالصورة التي هو عليه اليوم، إذ كان الرجل هو الرجل بعيوبه بهندامه الذي يكاد بصرخ أن انزعوني من على ظهر الرجل بدماثته بكل العيوب، هو رجل ونادرا جدا أن تسجل انتقادا لهندامه أو لمظهره العام، بل ويحاط بالاستهزاء والتندر كل من يهتم بشكله لأنه وببساطة الرجال خلقوا للسيادة وليبرهنوا أنهم موجودون وفقط بغض النظر عن أناقتهم «فالزين للنساء»، النساء كن تقبلن على الرجال لمجرد أنه كسيب، فالحقيقة أن المرأة لم تكن لتتاح لها الفرصة للنظر إلى الرجل قبل الزواج، بل يكفيها أنه قادر على إطعامها وإسكانها وأي تقدير جمالي فوق هذا مرفوض.. أبشع الرجال كانوا يطلبون حسناوات زمانهم دون استنكار استهجان أو استغراب دون حتى أن يفكر هذا البشع المتسلق بأن هذه الحسناء لا تناسبه وستصدم ببشاعته.. إن سر القبول لديه هو رجولته وفقط لذا لم يكن الرجال يتفننون في أناقتهم إلا من رحم الله وهؤلاء كانوا يحرصون على الظهور بهندام نظيف دون لفت الانتباه طبعا بأنهم يهتمون بشكلهم، وإلا أكيد سيهاجمون ويوصفون بالمخنثين. خالتي زهية تروي لنا حكايا عن أناقة الرجال في زمنها، قالت إن الرجال كانوا فعلا رجالا وكانوا يقفون عند الظهور بمظهر لائق دون تجاوز الحدود والمرآة لم تكن واردة في سجل الرجال بالمرة. المهم نظافة الثياب فالرجال، شبابا كانوا أم كبارا، لهم اهتمامات أكبر فمنذ سن 18 سنة يبدأ الشاب في التفكير والانشغال بتكوين أسرة يكون هو الراعي والآمر بها (الراجل كانت عندو قيمة لأنه كان الآمر بالصرف)، والمرآة مجبرة لأن تطيعه حتى وإن كان دمثا وبشعا، لأنه إن قصّر في الظهور بمظهر لائق فلأنه أنفق ماله في بيته وأهله، هذا هو الرجل في الزمن القديم.. الأناقة كانت للنساء فقط تضيف «قلما كان الرجال يقفون أمام المرآة تتنهد ثم تضيف بالله عليكم كيف تقولون إن شباب اليوم يبنون بلدهم وهم حاصلين غير في شعرهم، الله يلعن هذا الجيل»، هذا ما قالته خالتي مباركة التي بدت متذمرة جدا وهي تروي حطة الجيل الجديد. أما خالتي حدة، فقد عبرت عن مدى استغرابها حين ترى أحفادها يتسابقون هم وأخواتهم البنات على المرآة، بل وفي أحيان كثيرة تحدث خصومات بسبب ذلك، مؤكدة أن الأمر كان في زمنها عيب كبير إذا ما أقدم عليه الرجل لأنه وباختصار «الأناقة والجمال للمرأة». وفي الوقت الذي كان فيه من العار أن يهتم الرجل بمظهره اهتماما زائدا، انقلبت كل المقاييس فأضحى ظهور الرجل بأناقة كاملة مثله مثل نظيرته حواء أكثر من ضرورة، فلا استهجان في الأمر في ظل المطالبة بتساوي الحقوق ونحن. وإذ نتناول هذا الموضوع لا نقصد البتة إهانة أي جنس فالله جميل يحب الجمال، وإنما لتناول ظاهرة اجتماعية أضحت سائدة وبقوة بين الشباب، شبابنا لا يحسنون التصرف في ميزانياتهم، يعمل ويشقى وحين يتقاضى أجره يصرفه على سروال وقميص وباطة جال.. ويذهب المال ليقضي باقي أيامه في ضيق كبير ويمد يده لأهل البيت وخاصة الأم والأخت إن كانت عاملة، جميل أن نرى رجلا أنيقا ولكن الأدهى أن نراه أنيقا وهولا يملك ثمن سيجارة. فاطمة الزهراء ماكثة بالبيت تروي قصة شقيقها مع الموضة، حيث تقول إنه يعمل في محطة لغسيل السيارات، حيث يتقاضى 250 دج في اليوم وحين تحل نهاية الأسبوع يجمع ما يتقاضاه ليشتري به سروالا وباطة جال، تقول والأدهى أنه يقتني كل أسبوع سروال وعندما ينوي الخروج من المنزل يعرض كل سراويله وأقمصته كخطوة أولى ويبدأ في التأنق يرتدي هذا السروال وهذا القميص ثم يضرب دورة في الصالون ويعيد الكرة مع باقي السراويل، إلى أن يستقر رأيه بعد ساعتين، هذا كخطوة أولى ثم يفرغ تارة البارفان على جسمه ليأتي دور الشعر، حيث يحرص على أن يظهر بشكل متأنق فلا شعرة تنحرف عن المسار الذي رسمه هو، وإلا فإنه سيغرقها في الجال حتى تظل متماسكة وبقوة، تسكت فاطمة الزهراء ثم تضيف لحد الآن قد لا ترون أنه سبب لي أي ضرر والحقيقة أنه يجبرني على غسيل كل السراويل والأقمصة التي «قاسها فقط» وأي غسيل فالاومو لا يستخدم في غسيل ثيابه، بل بالشامبوان حتى لا يبقى أثر الصابون وسراويل الجينز لا تغسل بالشيتة خشية زوال ألوانها ورغم شجاراتي المتكررة معه لا سيما حين يقوم بعرض للأزياء. حيث تتحول الأرضية إلى خراب إلا أنه يثير شفقتي بتوسلاته وأحس بأنني وصية عليه لأنني أنا من ربيته فأتغاضى عن أخطائه، لا سيما وأنه يقبلني حين يرى ملابسه مغسولة ومكوية المال مقابل غسل اللباس إنها ضريبة الأناقة! أما لامية فقد أكدت أنها تتصرف مع أخيها المولع بالأناقة والحطة بذكاء، إذ أنها لا تتأفف أبدا من إفراطه في ارتداء الملابس ونزعها في عرض الأزياء كل يوم، إذ أنها تقبض عن كل غسيل 50 دج تضحك ثم تضيف، بما انه موظف «التبزنيس» فيه مباح ثم إنه لا يراني إن كنت قد غسلت الثياب أم لا، لا سيما وأن ثيابه التي ينزعها في غالب الأحيان جديدة لم يمر على ارتدائها سوى يوم واحد لذلك ألجأ إلى استخدام الخديعة معه. حيث أراقبه قبل قدومه في المساء وأقوم بنشر ملابسه التي أمرني بغسلها طبعا وأتقاضى أجري كاملا غير منقوص، تقول ربي يسامحني ولكن هذا أفضل من غسل ملابسه كل يوم مما يؤدي إلى هشاشتها صدقوني أخي لا يغادر البيت دون «جال»!!! أمينة أكدت أن أخاها لا يغادر البيت دون وضع الجال في شعره، حيث تؤكد أنه يبقى لمدة ساعة وهو يسرح شعره وكل شعرة يفيها حقها من الاهتمام، حتى تقف كالموس الحاد وبينما يفضل بعض الشباب الشعر الواقف يتفنن آخرون في تكويره وتدويره حتى يصبح عشا صالحا للتبييض! أو جزيرة تؤمها الطيور لتقف فوق روشياتها المتعالية. أما خالتي فضيلة، فقد أكدت أن وليدها لا يخرج دون وضع الزبدة (تقصد الجال) في شعره! ماذا بعد البحث عن عرض الأزياء.. البحث عن سيجارة! ليس غريبا أن يلجا الرجال إلى التأنق والتألق فالعين تعشق الجمال، لكن الغريب أن نراه يصرف كل ما يتقاضاه على سروال وقميص ليمد يده في ذات اليوم لأمه أو أخته طلبا لثمن سيجارة.. نسيمة فتاة عاملة عبرت عن استغرابها من أخيها الذي يفلس في اليوم الذي يتقاضى فيه أجره بعد أن يكون قد اشتراه لباسا ليسألها عن ثمن سيجارة وبالرغم من تنهره في أحيان كثيرة، إلا أنه لا يرتدع فالمهم لديه أنه يلبس وهكذا يكون «عايش»، حسب نظره هو. أما والدتها فقد بدأت حديثها بمثل شعبي يقول: «اللي ما يفكر من غداه لعشائه الشر لكحل جاه»، مؤكدة أن شباب اليوم «يخموا برك عند رجليهم» ولا يفكرون في مستقبلهم ثم بعدها يشكون من كونهم غير قادرين على الزواج وهو في الحقيقة لا يوفر حتى ثمن سيجارة واحدة وللمتأنقين ما يقولونه أيضا! وحتى لا نظلمهم كان لا بد من الوقوف عند إجاباتهم، محمد صرح قائلا (الهم تابعنا على الأقل ننساوه بشوية حطة راكم حابينا نموتو؟؟). أما بلقاسم فقد اعتبر أنه ليس عيبا اتباع الموضة ثم إنها أفكار متخلفة تلك التي ترى أن الموضة والحطة للنساء فقط هل معنى هذا أن الرجل خلق ليكون بشعا؟؟! إنه عصرهم... عصر الموضة وبعيدا عن وهم «النيولوك» وآخر الصيحات يبقى الجمال مرغوبا. ثم لماذا تنتقدونهم معشر النساء ألم تكن أول من طالب بتساوي الحقوق أم تردن أخذ حقوقهم دون التفريط في ذرة حق نسائي؟!