المتجول بأسواقنا اليوم يلاحظ انتشار ظاهرة بيع «المطلوع» و«الكسرى»، خبز السميد، بقوة وأصبح ينافس المخابز في كل زاوية من زوايا أسواقنا. وما يلفت انتباه النازل إلى سوق «رضا حوحو» بالعاصمة وجود شابتين تبيعان الخبز «المطلوع» في إحدى الزوايا مزاحمتين كل الشباب الذين ينشغلون بالترويج لمختلف السلع الاستهلاكية في السوق وذلك عوض مد يديهما للناس والتسول في الشارع طلبا للمساعدة وحتى تردا الاعتبار لنفسيهما وعائلتهما بمساعدتها عوض أن تكونا عالتين عليها. نزلنا إلى السوق، حيث اقتربنا منهن قصد رصد أجواء عملهن والتعرف على كيفية ترويجهن لخبز الدار، سألنا إحداهن (أمينة) بكم ثمن الخبزة الواحدة فقالت: «خبز المطلوع العادي ب30 دينارا. أما خبز السميد فب35 دينارا»، استفسرنا عن السبب في اختلاف سعر النوعين فكان ردها : « الخبز العادي يحضر بعجين الفرينة ويطهي على نار باردة ليبقى لونه أبيض بعد طهيه إذ لا يكلف كثيرا. أما خبز السميد (الكسرى) فنستعمل في عجينته الفرينة والسميد ليصبح خفيفا وحبة حلاوة حتى نعطيه نكهة خاصة إذ يتم طهيه ب«طاجين الطين» على نار عالية حتى يطهى جيدا. يستيقظن على الثانية صباحا لمساعدة والدتهن في تحضير العجين ولمعرفة منذ متى اتخذن من بيع «خبز الدار» مهنة لكسب قوتهن اليومي، قالت أمينة الأخت الكبرى» نشاطنا هذا موسمي فنحن نشتغل في بيع (المطلوع) كلما حل شهر رمضان لأننا نكون مشغولتين بالدراسة في باقي أيام السنة». وعن وقت وكيفية تحضير وطهي الخبز أضافت المتحدثة إنهن: يستيقظن على الساعة الثانية صباحا مع والدتيهما لتحضير عجين الخبز ثم يتصحرن ليستيقظن صباحا على الساعة السابعة، حيث تبدأن بمساعدة والدتهن في طهي الخبز على الفرن وكذا الطاجين لتقوما بعد الانتهاء من طهيه بحفظه داخل أكياس بلاستيكية شفافة بشكل جيد حتى يبقى طريا ويحافظ على قيمته الغذائية بمنع الغبار من الوصول إليه أو لمس الزبائن له، لتتوجه الأختين بعد ذلك إلى سوق رضا حوحو (كلوزال) بالعاصمة مع والديهما بالسيارة قادمتين من مدينة بني مراد بالبليدة متوجهتين إلى مكان بيعهما الخاص الذي تصلاه كل يوم حوالي الساعة العاشرة صباحا، إذ لا يعود والدهن إليهن إلا بعد انتهائه من العمل بمؤسسة «نات كوم» كعون نظافة مساء لإرجاعهن إلى المنزل بعد أن تكونا قد انتهيتا من بيع كل الخبز وباقي المنتوجات المنزلية الصنع ك«ديول». وعن إقبال المواطنين على شراء منتوجيهما الطازجين «ديول» وخبز «المطلوع»، تقول (حورية) الأخت الصغرى « نحن معروفات بهذا السوق لأننا كنا نسكن بالجوار قديما، ناهيك عن كوننا نقصد السوق منذ الصغر لممارسة نشاطنا ببيع خبز الدار والديول فمنتوجاتنا معروفة بجودتها لدى الزبائن الذين ألفوا اقتناءها والتي لاقت جودتها استحسانا كبيرا لديهم فكثير منهم يشكرنا على نوعية الخبز الطازج الذي نعرضه ومنهم من يشجعنا على مواصلة نشاطنا في بيع الخبز كوننا شابتين ويصعب علينا مزاولة هذا النشاط بالسوق مع الرجال تضيف حورية هناك بعض الزبائن من يسألنا عن السيدة التي تقف وراء طهي هذا الخبز «المطلوع» والذي تتفنن في عجنه وطهيه والدتنا بخبرتها التي تعود لسنين طويلة تفوق 17 عاما. تتحديان الصعاب وتحصلان لقمة العيش بشرف عوض التسول وعن الأسباب التي دفعتهن للخروج إلى السوق وبيع الخبز تقول أمينة «غلاء المعيشة والظروف الاجتماعية هي التي دفعتنا إلى الخروج من المنزل لبيع الخبز المطلوع وذلك عوض قصد الناس وإذلالنا لنفسينا بسؤالهم مساعدتنا أو القيام بأعمال غير أخلاقية»، تضيف أمينة: «راتب والدنا لم يعد يكفيه لسد حاجيات العائلة، خصوصا أننا ثمان بنات في المنزل وليس لنا سوى شقيق واحد عمره 10 سنوات، ما صعب على والدنا تحصيل كامل المصاريف المنزلية خصوصا بعدما أصبحنا كبارا ومجبرات على توفير مصاريفنا بأنفسنا، تضيف المتحدثة: «فانا وأختي حورية بتنا ملزمتين ببيع الخبز في السوق لتحصيل مصاريف دراستنا فأنا اليوم على أبواب الدخول إلى الجامعة بعد نجاحي في امتحان الباكالوريا. أما أختي (حورية) فهي تحضر لاجتياز امتحان الباكالوريا هذه السنة، ما جعلنا في حاجة ماسة إلى النقود لتدبر شؤننا اليومية والدراسية لذا بتنا نستعين بهذا العمل كل شهر رمضان قصد سد حاجيات العائلة التي تزداد مع هذا الشهر الفضيل في ظل الغلاء التي تشهده كافة المواد الاستهلاكية.