أحيا سكان قرية ابسكريان ببلدية أغريب في دائرة أزفون ( 50 كلم عن مقر ولاية تيزي وزو )، عادة “ثيمشرط” أو “الوزيعة” كما يحلو للبعض تسميتها، تزامنا مع شهر رمضان الكريم، في أجواء ميزها التآخي و التآزر والتلاقي بين سكان القرية، سواء الذين يقطون فيها أو الذين يتواجدون خارجها، بالعاصمة أو ولايات أخرى. عادة لا تزال متوارثة أبا عن جد و متجذرة رغم تعاقب السنوات عليها، يميزها عن باقي المناسبات الأخرى، إطلاق العنان لمشاعر التسامح والتآخي، لتتوطد صلة الرّحم ولمّ الشمل، في منطقة تمسكت بعاداتها وتقاليدها وتاريخها. وقفت “الجزائر الجديدة” التي كانت حاضرة خلال إحياء هذه العادة بقرية ابسكريان، على أجواء من التضامن والتكافل بين السكان، إذ أن هدفها الأول هو لم الشمل وخلق المساواة بين جميع السكان خاصة فيما يتعلق بتناول اللحم، بحيث يتم اقتناء عجول ويتم ذبحها في صورة جماعية يشارك فيها الكبير والصغير، قبل تجزئة هذا اللحم على حصص، وتطلق على هذه الحصص تسمية “السهمة”، نسبة لمساهمة كل عائلة في شراء العجول، ويكون ثمن السهمة متساويا بين الجميع، إلا إذا كان هناك حالات من عائلات هشة ليس باستطاعتها دفع السهمة، وهنا تقدم لها حصتها مجانا، لكن في سرية تامة خلال تحضير قوائم المستفدين من الوزيعة. فرصة للقاء وجمع الشمل وتحدث عضو لجنة القرية، تيقزيرت أعمر، عن هذه العملية قائلا ” إن التحضير لها استغرق حوالي أربعة أشهر” مشيرا إلى أن هذه العادة عادت إلى قرية ابسكريان السنة الماضية فقط بعد سنوات طويلة لم يتم إحياؤها. وقد تم تنظيمها السنة الماضية بمناسبة عاشوراء، لكن ارتأينا هذه السنة لإحيائها بمناسبة شهر رمضان الكريم الذي يحمل قيم التضامن والتكافل والتضامن، وهو ما يمكن السكان من الحصول على حصص لحم لا بأس بها بمناسبة الشهر الكريم “قبل أن يستطرد أن” هذه المناسبة ليست من أجل اللحم وإنما أكثر من ذلك من أجل لم شمل سكان القرية والتعارف بينهم خاصة الأجيال الجديدة، بحكم أن غالبية سكان القرية هاجروها إلى المدن، خاصة العاصمة وهناك من يلتقوا فيما بينهم لمدة 40 سنة” !. وأشار عضو لجنة القرية إلى تزايد عدد سكان القرية الذين يحضرون مثل هذه المناسبات في السنوات الأخيرة، ما يفسر حسبه تحقيق أهداف مثل هذه العادة، حيث تجذبهم أجواء التآخي والحنين إلى الأصل. وعرفت عادة الوزيعة بقرية ابسكريان هذه السنة، ذبح 9 عجول، بعدما كان العدد 7 السنة الماضية، حسب ما أفاد به بعض السكان . وقد دامت العملية يومين كاملين، إذ تم في اليوم الأول ذبح العجول وتقطيعها، بالإضافة إلى تحضير مأدبة عشاء مساء. فيما تم في اليوم الثاني تقسيم اللحم إلى حصص (770 حصة ) ، حيث تصل الحصة واحدة إلى قرابة 4 كلغ من اللحم، ومن ثم تم توزيعها على السكان، بينما تم بيع رؤوس العجول بالمزايدة بين السكان ويتم توجيه لتلك الأموال لدعم صندوق القرية”. غير أن قبل مباشرة توزيع حصص اللحم، تم تنظيم غذاء جماعي، تمثل في طبق الكسس المشهور بمنطقة القبائل، وقد تم تحضيره من طرف نسوة القرية خصيصا لهذه المناسبة. مناسبة ذات بعد ديني من جهته ، قال إمام مسجد “أحمد بن زكري” بإبسكرين، أحمد لغروش، إن “الوزيعة عادة متوارثة. وتعتبر عملية اجتماعية تضامنية وتعاطفية بين سكان القرية الواحدة”. وأوضح أن ” جميع السكان يستفيدون من الذبيحة لتكون الوليمة والفرحة في كل بيت وفي ليلة واحدة سواء في رمضان أو في مناسبة دينية أخرى .وهذه العادة التي جمعت لسنوات طويلة أجدادنا ولمت شملهم باستمرار، عادت لتترسخ في القرى لتجمع شمل الذين هاجرو قريتهم ، في خطوة لتوطيد صلة الرحم وزرع الأمل والفرحة في القلوب وتمكين الجميع من الاحتفال في هذه المناسبة ، رغم ضغوطات المعيشة الصعبة، حيث يبقى التلاحم والرحمة التي تزرعها هذه المواعيد أكبر من تحديات الحياة وصعوبتها”. مشيرا إلى البعد الديني لهذه العادة المتوارثة، حيث ترسخ قيم التآخي والتآزر والتكافل والرحمة بين السكان. مختتما كلامه بالدعاء لسكان القرية بالتوفيق والسداد والنجاح وتوطيد أواصر التكافل فيما بينهم. وكانت أجواء الفرحة بتمشريط بقرية ابسكريان ، تظهر في وجه سكانها المحافظين على العادات والتقاليد والتي ترقى بسلوك المسلم، وهي إحدى المناطق المتشبثة بالسنة النبوية والمعروفين بمنطقة القبائل ب “امرابضن” التي تعني الأشراف. لكن رغم أجواء الفرحة الخاصة بالمناسبة ، لم يخفي بعض سكان القرية ، تحدثت إليهم “الجزائر الجديدة” بعض المعاناة التي يعيشونها بالقرية، بسبب العزلة ونقص بعض مقومات العيش، خاصة ما تعلق بتهيئة الطرقات. قرية الشهداء في الأخير رافقنا أحد شيوخ القرية في جولة بالقرية ، أين قام باستذكار أهم المحطات التي عرفتها المنطقة خلال الثورة التحريرية ، إذ تعتبر قرية ابسكرين أحد أكبر معاقل الثورة لقربها من جبال تامغوط التي كانت مأوى للمجاهدين، وقد قدمت ابسكرين عددا كبيرا جدا من الشهداء ، لعل أبرزهم الشهيد ديدوش مراد الذي يعد من أكبر قادة الثورة ، والنقيب “سي عبد الله” الذي كان الذراع اليمنى للعقيد سي عميروش بالمنطقة الثالثة إبان الثورة، والكثيرين الذين يصعب احصاؤهم في هذا المقام. وقد قادنا جولتنا في هذه القرية الكبيرة والبسيطة بساطة سكانها، لزيارة منزل والدي الشهيد ديدوش مراد، الذي وقفنا عليه، وهو منزل قديم يعاني بعض الاهتراءات ، يحاول سكان القرية الحفاظ عليه، آملين أن تلتفت السلطات وعلى رأسها وزارة المجاهدين لجعل هذا المنزل معلما أو متحفا تاريخيا ، من أجل حمايته من الاندثار وتركه للأجيال الصاعدة.