غدا أو بعد غد ينتهي الصيف سيكون للمتشرد جسد مُدرّع كمخروط الصّنوبر وقريبا سيترك حوضَ السباحة المهجور لأطفال يرسمون في قعره خطّ قمار. كلُّ شيء بعيد …حتى شجرة المطاط التي تلد الكرات في قارّة أخرى. * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف ويغنّي المتشرد أغنية من زمن جميل حين كانت اليدُ لا تتسوّل إلاّ كفّ اليد قبل أن يحفر لحمَها المستكشفُ الآليّ ويحلَّ في خطوطها الإسفلت .. أو هكذا، كلُّ شيء سعيد حين كان الحصادُ صبيحةً فقط . * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف المدرسة صفراء بورق الخريف لكنّ الصّبْيَة فرحون بطاولة التنس سيدشّنها المدير..قابضا على المضرب بشدّة يقابله تلميذٌ أمسك المضرب ..مَسكة القلم على الطّريقة الصّينية التي رآها في التلفازْ، وفي كل شيء ذكيِّ فقيرْ … * غدا أوْ بعد غد ينتهي الصّيف وستعود رائحة الرّغيف إلى الهبوبْ. في هذا المكان الذي فيه يأكلُ الصّغارُ مِن أوّلِ بيتٍ، يقول الغرباء :كم هي باهضة رائحة المرأة . وأقول أنا : لن أكونَ عظيما إلاّ إذا عرفتُ ماذا تأكلُ الجبالْ .. * غدا أو بعد غد ينتهي الّصيف تُزهر الريح وكعادتها لا تلبسُ الألوانْ مثلُها النساء اللواتي يعشن في القرية ولم يظهر من وجوههنّ غير الجنود الصغار، والفتيات الحافيات وعَمَش النّوافذ الموصدة بالخشب والضّوء . * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف وكالعادة لن نغادر تربتنا الحمراء سنلعب بالثلج كأنّما نحن نعيشُ في غُرّةٍ بيضاء على جبهة حصانْ لن نترك الأرض.. حتى ان متنا لن نطيرَ مع الملاكْ، لن نغادر الوجوه المخطّطة بالسّياجْ. * غدا أو بعد غد ينتهي الصّيف سيبقى النطُّ سببا في الشهرة والمال لكن الكمنجات أسرع من الشاحنات في السباق الذي بدأ بطلقة اللاّنهاية .. لكنّه درسٌ جميل أنْ نُصوّبَ على سلّة عالية مثقوبة وأنْ يكون الحَكَمُ في الكرة الطّائرة أعلى من الجميعْ .. * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف .. وبين الشّرود والشّرود يُعيدنا صرير الأبواب إلى الوجود كما يحدثُ للمنتظرين في المَشْفَى. كم أخطأنا حين أذبنا صيحات طيور “زَمْج الماء” في هدير البحرْ، واحتقرنا ابن الاسكافي النّجيب لنشهد مُعجزةَ الحليب من البقر النّافق… * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف ويلبسُ الزّمنُ فوق قميص الفجر بزّته القديمة، ويشرع في إطفاءِ الشّموع بخراطيم المياهْ، ويُراوِح في إطلاق الدّخان بين قُفران النّحل والسّاحات وحين يُفرَجُ عن السلام ،عليلاً سينتظر الصبي عشر سنوات كي يلبس حذاء أبيه، المصنوع من جلد ثورة. * غدا أو بعد غد ينتهي الصّيف وينهض القلبُ .. مع صوت الجرّار الأوّل في فجر الرّيف ليجيب عن أسئلة الحياة : -لم السّرو عال ؟ لأنّ غارسه لا يعود إليه -لمَ الثّلج أبيض ؟ لأنّه لا يُجيدُ أن يكون قديما . سترفُّ عين الله فيعبر العشّاق على الجسور، مخاطرين بالزمن . أريد أن أعشق لأنّني لم ألتق في حياتي عاشقا يخاف من دكتاتور. * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف وتضحي وجوه الأطفال أكثرَ وهجا .. كلّنا في الشتاء نحمي حياةً صغيرة من التلف كما يحفظ النرويجيّون البذورَ في قبو “سْفالبارد”. باردٌ بما يكفي لاستمرار الحياة ،هذا العالم وهي فكرة الخالق أنْ حمى الأرض بقطبين من جليد. آن الأوان لأنْ يَبرُدَ الشّعرُ أيضاً. * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف وينتهي السؤال المقلق أين الأطفال؟ ويعود السؤال المُخيف : أينَ الرّجال ؟ لن يبق الكلام كلاما وهوَ بخارٌ سخانٌ متبادلٌ بين شخصين وسلامٌ حزينٌ بين غريب وعائلته. كعادة الأمازيغ، سنغيّر حجارة الموقد لا تسألني أين الموقد،المهمّ أنْ نُغيّر الحجرْ .. نحن الذين يتركون ثياب موتاهم في حقائب وليُبْقوا على ندّيّة في الوجودْ لايًجيبون، من سبق منْ ؟ الشّمس أم البرنس ؟ * غدا أوْ بعد غد ينتهي الصّيف قد ينتهي الحب ككلّ مرّة .. ويعود ككلّ مرّة بنفس الأخطاء ونفس الذّين لم يقطفوا مِن ثراء العالم غير زجاج النوافذْ ولأنّهم مؤمنون لُدِغوا من نفس القلب مرّتين. * غداً أو بعد غدٍ ينتهي الصيف وينتهي التنقل من القيثار إلى القيثار بعطل في أوتار القلب.. ثم إنّ المتاريس موضوعة بين مقاطع الأغنية الواحدة بل هناك من يفرط السلاسل الجبلية، بأصابعه المزنجرة ويُناطح ما بين القمم . * غداً أو بعد غدٍ ينتهي الصيف سيخرج المجرمون بأسلحة ذكيّة نحتاج سنوات كي نثبتَ أنّها غبيّة أمّا أكثرنا دهاءً سيقول : ستحوّلونني إلى منديل وأمّ مُضاعفة . * غدا أوبعد غد ينتهي الصيف وحلمي أن أتأمّل عنفات الرّيح في كلّ مكان من بلدي أحبّ قاماتها البيضاء التي تؤاخي بين الكتابة والكهرباء فكم بدّدنا من رياح ولم نلتق أحدا. * غدا أو بعد غد ينتهي الصيف ويرفع القرويون الصلصال في حقولهم،فزّاعةً للذئاب . أما المجانين فيبدؤون في تفجير القدّاحات والقاء التحية العسكرية. ستعيش القبور في بيوت المرضى شهرا على الأقل ويبكي اليتيم وهو يطرح غريمه أرضا. لن يتوقف دعاء الأمهات عن إيجاد الغد ولن تتخلى وكالات الفضاء عن إيجاد الأيام الأولى للكون سيسأل عابدٌ :من يعيش في سجّادتي ؟ وأستريح من كلّ الإجابات، إذ لا مكتبَ يصمد على الموج ولا أعمدة بإمكانها أن تهزم الإستطارة ..