تدور نصوص أغلب الشاعرات العربيات حول العاطفة، ولكنها لا تدخل مجاهل الجسد والأفكار والمقاربات الفلسفية له، بل تبقى رهينة عاطفية سطحية، وهذا ما عيبه الكثير من النقاد على الشاعرات. وللمفارقة بينما يحضر الجسد النسوي أكثر من الجسد الذكوري في الشعر فإن من يكتبه هم الشعراء الرجال بدرجة أولى. مفيد نجم الحضور المتواضع للمرأة الشاعرة في المشهد الشعري العربي الراهن لا يمنع من طرح سؤال الجسد في الكتابة الشعرية النسوية. ثمة تمايز ظاهر وكبير بين التجربة الروائية للمرأة الكاتبة والتجربة الشعرية للمرأة الشاعرة، وهنا ينهض السؤال عن أسباب هذا الاختلاف بين التجربتين. العاطفي ليس الجسد يترك غياب نص الجسد الأنثوي في الكتابة الشعرية النسوية العربية فجوة واضحة بين هذه الكتابة والكتابة السردية النسوية التي استطاعت أن تجعل من الجسد الأنثوي فضاء للكتابة وأن تبني علاقتها الجمالية معه باعتباره قيمة جمالية ووجودية ومصدرا للشعور بالاختلاف والتمايز وبلاغة الحضور، إضافة إلى كونه حاملا للهوية الأنثوية ومجالا حيويا للتعبير عن الصراع الذي يدور بينها وبين المجتمع وثقافته الأبوية على ملكية هذا الجسد الضائع بين صفات المقدس والمدنس فيها. لكن قبل البحث في أسباب هذا الاختلاف بين التجربتين ثمة سؤال آخر يفرض حضوره عن وجود النص الشعري النسوي حتى يمكننا المقارنة، أو معرفة الأسباب الذاتية والثقافية التي تخلق هذا التمايز بينهما. باستثناء النص العاطفي أو القائم على البوح من النادر أن نعثر في هذه التجربة الشعرية على نص نسوي يحتفي بالأنوثة ويسبح في مداراتها انطلاقا من وعي خاص ذاتي وجمالي بالهوية التي تميز المرأة وتتحول إلى قيمة في ذاتها تمتلك بلاغة الحضور ومنبعه. من هنا يمكننا أن نعثر على السبب المركزي في غياب نص الجسد في الكتابة الشعرية الأنثوية وأشكال تجلياته بعد أن أصبح كذلك في تجارب العديد من الشعراء العرب وشعراء العالم على اختلاف أشكال المقاربة والرؤية والعلاقة معه. باستثناء النص العاطفي أو البوح من النادر أن نعثر في تجارب الشاعرات على نص نسوي يحتفي بالأنوثة إن البحث في أسباب غياب الجرأة عند المرأة الشاعرة في مقاربة هذا العالم المسكوت عنه، يمكن أن يعيدنا إلى مفهوم العلاقة القديمة بين الكاتب/ الكاتبة ونصه الإبداعي، حيث يتم تأويل هذا النص من قبل القارئ غالبا في ضوء هذه العلاقة الوثيقة بين الكاتبة والنص. ويعزز النسق الثقافي الأبوي الذي تشكلت فيه الشعرية العربية عبر تاريخها الطويل هذه العلاقة، خاصة وأن النقد القديم كان ينطلق من الشاعر/ الشاعرة في تأويل النص. لقد كان الشعر هو التعبير الحقيقي عن هذا النسق الذكوري الذي درج عليه مفهوم الشعرية عند نقادنا القدامى، حيث جرى تصنيفهم على مراتب من الفحولة فكان أشعرهم هو الشاعر الفحل. لذلك لم يكن غريبا أن أغلب الشعر الذي كتبته المرأة ظل يدور غالبا في مدار الكتابة العاطفية، في حين ظل الجسد ضميرا مستترا يخفي في أعماقه أسراره ورغباته واحتياجاته وراء قناع الذات الشعرية المفروض على المرأة الشاعرة في هذه الكتابة. خوف المرأة الشاعرة من الاقتراب كثيرا من حدود الجسد والغوص في أعماقه واستنطاقه جعلها تظل في الغالب تدور حوله أو تومئ إليه من بعيد، ما جعل هذه العلاقة تتسم بالانفصال بين أنا الذات الشعرية في هذه التجربة والجسد حتى بدا كأن المرأة تعيش خارج مدارات هذا الكون الذي تتغذى منه الحياة ولا وجود لها من دونه. وإن هذا الانقطاع في العلاقة مع الجسد هو ما جعل صوت الجسد الأنثوي يغيب وراء طبقات المعاني التي فرضها عليه الشعراء الرجال من خلال رؤيتهم إليه وعلاقتهم به، ما جعله ينوس بين التبجيل والتعظيم تارة وبين التدنيس تارة أخرى وقد تتداخل الصورتان في التجربة الواحدة عند الشاعر الواحد بسبب طبيعة التجربة التي يحيا بها مع المرأة. إن هذه الصورة العجيبة للمرأة في هذا الشعر هي انعكاس حقيقي للصراع الذي يعاني منه الوعي الذكوري تجاه المرأة بمسمياتها الكثيرة. المسكوت عنه على خلاف المرأة الشاعرة فقد حفل الشعر العربي والعالمي بحضور كبير للجسد الأنثوي لكنه ظل بمثابة الجسد المتخيل والمشتهى والمرغوب والمولد للبلاغة والشعور بالجمال، في حين أن الصوت الحقيقي لهذا الجسد ظل غائبا مع غياب وعي المرأة الشاعرة بهذا الجسد الذي تحيا به، والذي تخاف من الإنصات إليه وكتابته كنص طافح بالجمال والرغبة والحب. لقد اختصر كثير من الشعر المرأة في جسدها وكان هذا الجسد حاضرا بقوة فيه ولم يكن أمام الشاعر ما يمنعه من التعبير كثيرا عن هذه العلاقة معه، في حين كانت المرأة في أحيان كثيرة تطرب كثيرا لهذا الشعر بوصفه اعترافا من الآخر بالقيمة الكبيرة التي يمثلها هذا الجسد دون أن تعي أن هذا الشعر يغيب وجودها الثري وراء غلالة هذا الجسد. لذلك فإن السؤال الآخر الذي يمكن أن يطرح هنا ما الذي سيكون عليه موقف المرأة لو أن من يكتب هذا الشعر في مديح الجسد هو امرأة شاعرة تستعيد علاقتها الجمالية والوجودية معه وتكون هي من يقوم بتبجيله والتغني بفتنته وجماله. لا شك أن الكثير من الاتهام والقدح سوف يطول المرأة الشاعرة ليس فقط لمجرد الجرأة في الكتابة وإنما لأن هذه الثقافة لا تعتبر هذا الجسد ملكا لها، ولا تتسامح مع التمرد على مواضعات هذه الثقافة وسلطتها الأبوية. هنا يمكن أن نعثر على مشكلة العلاقة المسكوت عنها بين المرأة الشاعرة والجسد في هذه المغامرة، ومن هنا يكون عليها أن تؤسس لوعي جمالي لهذه العلاقة التي تعيد إليها ما تركته للشاعر الرجل لكي يتجول فيه كيفما يشاء وكأنه ملك خاص به لا يحق له أن يتمرد عليه.