ناقش أكاديميون ومختصون في الشأن الثقافي، موضوع “لغة المسرح بين الفصحى والعامية” في اللقاء ال25 لمنتدى المسرح الوطني الذي يستمر بالوتيرة الحماسية ذاتها منذ فرض الحجر الصحي المنزلي بعد تفشي وباء كورونا، حيث نشطت الدكتورة منى بن الشيخ هذا العدد مع فسح المجال للأكاديميين والمختصين وكل المهتمين بالشأن المسرحي في إبداء آرائهم وتقديم اقتراحاتهم. زينة.ب وقال الناقد الدكتور بوبكر سكيني (المشرف على المنتدى)، في تقديمه للموعد والضيف، أن اللقاء يتمحور حول مسألة اللغة في المسرح بمستوياتها المختلفة، وعن تفنيد إحداهما عن الأخرى، وحول التفرد الفني لكل عرض اعتبارا أن لكل لغته الخاصة من خلال الفكرة والأسلوب الفني والجمالي والاتصالي المعتمد، وللحديث أيضا عن ذرائعية اللغة في المسرح فصحى كانت أن على مستوى لساني آخر من عامي إلى دارجة. الأكاديمية منى بن الشيخ: العامية للتراث والفصحى للتاريخ تقول الأكاديمية منى بن الشيخ، أن اللغة في المسرح هي وسيلة تواصل تكمل طريقة الأداء، مشيرة أن إشكالية اللغة في تأليف النصوص المسرحية بدأت في الجزائر منذ بداية المسرح حيث كانت كل المسرحيات باللغة العامية مثل مسرحية جحا في عام 1929م، فمنذ ذلك الحين ظهر صراع بين أنصار اللغة العربية الفصيحة وأنصار اللغة العامية في تأليف النصوص المسرحية، فأنصار اللغة العربية الفصيحة يرون أن اللغة العربية الفصيحة هي مهابة للمسرح يمكننا التخاطب بها مع الدول العربية ودخول ألفاظ أجنبية على اللغة العامية يشوه المسرح، لذلك لابد من اثقيف المتفرج وتحسين مستواه من خلال اللغة الفصيحة. أما أنصار اللغة العامية فيتفقون على أن اللغة العامية قريبة من المجتمع ويفهمها جميع فئات الناس وتوظيف التراث الشعبي يتطلب لغة شعبية، كما أن التعبير عن الهوية الثقافية للشعب بلغة قريبة منه. واعتبرت الأكاديمية الصراع بين هاتين الفئتين والجدل بين المؤلفين والنقاد مفيدا جدا وإيجابيا للاستمرارية في تطوير المسرح وكثرة الإنتاج، فكل فئة تعمل من أجل إثبات وإنجاح نظرتها، ولكننا -تضيف- بالنظر إلى المنتوج المتنوع حاليا بين اللغتين، يمكننا أن نلمح بأن هناك اتفاق نوعا ما، فالذي يهم هو الموضوع المقدم للمتفرج، أما اللغة فهي وسيلة فقط، ويمكن أن يراعى فيها نوع المسرحية، فمثلا التي تتحدث عن التراث الشعبي أو مواضيع تتعلق بالمجتمع والحياة اليومية للجزائري تكون باللغة العامية، أما المسرحية التاريخية أو المقتبسة أو الكلاسيكية فتكون باللغة الفصحى، والأهم هنا -تؤكد- الوصول إلى عقل وقلب المتفرج. الكاتب علاوة وهبي: الكاتب من يختار اللغة المناسبة له يعتبر الدكتور علاوة وهبي، موضوع اللغة غائبا عن الواجهة لأن الأمور الآن أفضل بكثير من البدايات وأن الجيل الحالي ليست له مشكلة في فهم اللغة العرببة الفصحي، وهي الإشكال الذي ارتكز عليه من قبل دعاة العامية ومنهم خاصة المتعلمين باللغة الفرنسية، قائلا بخصوص ما قالته الدكتورة منى حول اكتفاء نصوص التراث بالعامية والتاريخية والمقتبسة بالفصحى، أن الكثير من الكتاب كتبوا نصوصًا مستلهمة من التراث بالفصحى عندنا وفي بلدان عربية أخرى، معتبرا نظرة بن الشيخ فيها قصور وانحياز، موضحا بأن اللغة هي لغة في أي عمل والكاتب وحده صاحب الاختيار. وأضاف أنّ الأعمال الغربية لشكسبير وموليير وغيرهما خلدت، لأن ليس لديهم إشكالية اللغة، فهم يكتبون باللغة التي يتحدثون بها ولا ازدواجية لغة كما في أغلب المجتمعات العربية، فلو لم تكن عندنا هذه الازدواجية ما كنا لنطرح الإشكالية للنقاش ولا كان هناك تجاذب بشأن لغة المسرح في بلداننا. الناقد المسرحي حبيب سوالمي: اللغة العربية لمسرح خالد يؤكد الناقد المسرحي حبيب سوالمي أنه من أجل الحصول على مسرح آني تفاعلي علينا الكتابة باللهجات، ولكن -يضيف- إذا أردنا مسرحا آنيا وتفاعليا وخالدا علينا بالكتابة بالفصحى، ومن هنا لابد عند الحديث عن هذا الموضوع أن نربطه بقضية خلود أو بقاء المسرحية في التاريخ فهما وإمتاعا، قائلا “هل يذكر لنا التاريخ أعمالا عظيمة كتبت بلهجة محلية مهما كانت هذه اللهجة أظن الإجابة ستكون لا، وهل ذكر لنا التاريخ أعمالا كتبت بالفصحى، الإجابة أكيد نعم”، مشيرًا أن شكسبير وأعماله وموليير الذي يفخر به الفرنسيون وينسبون لغتهم له عندما يقولون لغة موليار لم يأتِ هذا اعتباطا بل أتى بنسبة كبيرة من رصانة لغته، وحتى المسرحيات الحديثة والواقعية مع تولستوي أو تشكوف أو غيرهما عندما ترجمت من لغتها الأصلية لم تترجم إلى لهجات محلية، بل إلى اللغة العربية. وقد يقول قائل -يتابع- أن مسرحيات علولة مثلا بقيت إلى يومنا مع أنها كتبت بلهجة دارجة، ذلك أن عروض علولة هي التي اعطتها الحياة وليست اللغة التي كتبت بها، متسائلا من جانب آخر حول مدى تفاعل المتلقي مع مسرحيات فصيحة كما يتفاعل مع مسرحيات باللهجة الدارجة، مجيبًا على تساؤله بالإيجاب قائلا “أقول نعم وأفضل ربما”. الناقد يوسف مجقان: اللهجة أكثر قربًا من المتفرج يقول أن المسرح لعبة واللغة عبارة عن مجموعة من الكلمات والجمل والنبرات وغيرها، وتحمل هذه اللغة مجموعة من التجارب وردود الأفعال، واستعمالها يكون من أجل بناء علاقة الإرسال بين خيالات الممثلين والجمهور، مضيفا أن العرض الحقيقي هو الذي يدور بذهن المتفرج، وباللهجة العامية يرى المتفرج الجزائري مواقف الحياة ويحس بعلاقاته مع الآخرين، فهذه اللهجة تخلق الاتصال الديناميكي بين الممثلين من فوق الخشبة والجمهور المقابل، بالتالي -يؤكد- أن جمال العرض لا يتعلق باللغة كوسيلة وحيدة، بل يتجاوزها إلى لعب الدور كما يجب، مشيرا أن الأداء بلغة مؤدبة -إذا ما رغبنا في الحصر- لا يساعد الممثل في اللعب بسلاسة، واللهجة هي الأكثر وضوحا في إنشاء العرض، كما يمكن الأداء باللغة العربية الأدبية لدواعٍ أخرى. الدكتور مفتاح خلوف: الفصحى غائبة في الأوساط الثقافية يرى مفتاح خلوف أن مشكلة لغة الحوار في الخطاب المسرحي جزء من مشكلة الابتعاد عن الفصحى في التعامل اليومي وفي التخاطب حتى في أوساط المثقفين وفي المناسبات الثقافية، بل وحتى في التدريس على اختلاف مستوياته وفي دروس اللغة العربية نفسها، وما يقال عن الخطاب المسرحي يطبق على خطابات وسائل الاتصال الأخرى سيما الإذاعة والتلفاز، والمؤسف أن هذه المشكلة وعلى خطورتها لم تحظ بالاهتمام والعناية ولم تبذل جهود جادة من أجل تجاوزها. ولم تكن هذه الإشكالية وليدة الحاضر، سواء أكان الأمر يتعلق بالوسط العام للمجتمع أم -يضيف- بالوسط الثقافي وبخاصة إبداع المسرحيات، ولطالما كان الحوار بين دعاة العامية والفصحى في المسرح ذا طابع سجالي، قد يعمل أحيانا إلى اتهامات علنية لا تهدأ بين الفريقين، فدعاة الفصحى في المسرح يتهمون دعاة العامية بالتعلل والدعوى إلى التغريب الأوروبي والانسلاخ من الجذور، ودعاة العامية يتهمون دعاة الفصحى بالتخلف والتقوقع والجمود والأحادية، ولو تأملنا -يتابع- ما كتب وما نثر عن هذا الموضوع لوجدنا آراء متباينة بعضها يدعو إلى الفصحى لغة للحوار المسرحي من منطلق عربي إسلامي للحفاظ على الموروث وإثبات الهوية، وبعضها يدعو إلى العامية لسهولتها وجماهيريتها. وهناك من وقفوا بين بين فدعوا إلى استخدام لغة الوسط أو اللغة الثالثة التي تتميز بأنها عربية فصحى بسيطة غير معقدة. الناقد حبيب بوخليفة: نجحنا بالعامية في فترات كثيرة يقول حبيب بوخليفة أن المسرح ليس فن أدبيا بقدر ما هو فن درامي، وأن الإشكالية الجوهرية في الفعل المسرحي -يضيف- ليست اللغة كأداة للحوار بين شخصيتين أو أكثر بقدر ما هي أسلوب اللغة، والسبب الرئيسي في فشل اللغة الفصحى يعود لأسباب تاريخية استعمارية دمرت كليا الرصيد اللغوي العربي لمدة تتجاوز قرن من الزمن ولما زار جورج أبيض العاصمة وقدم عروضه بالفصحى في 1921 لم يفهم الجمهور الجزائري ما يحدث فوق الخشبة المسرحية إلا أقلية من المتعلمين بالمدارس القرآنية، ففشلت العروض في استقطاب الجمهور ثانية ولم تكن هناك عروض بهذا الشكل قبل هذه الفترة إلا بعض السكيتشات التي كانت تقدم في وسط العروض الموسيقية بأساليب مضحكة كوميدية لمدة 5 إلى عشر دقائق، وقد تفطن البعض من أول رواد المسرح وعلى رأسهم محي الدين بشطارزي إلى التأليف والاقتباس بعد تأسيس فرقة المسرحية “المهذبية” و”جحا” هي التي أعطت القوة لاستمرار تقديم عروض كوميدية أساسا وعموما إلى غاية اندلاع الثورة كانت هناك محاولات من طرف أحمد توفيق المدني ودودو في الكتابة بالعربية الفصحى ولكن التجربة لم تنجح. وأضاف بوخليفة أنه ليس من المهم أن يكون النص بالعامية أو بالفصحى بقدر ما يكون النص المنطوق يحمل بداخله الرموز التي تفهمها المجموعة البشرية ولابد للغة المسرحية أن تكون واضحة حتى يفهم ما يحدث على الخشبة المسرحية وأقرب إلى المتلقي (الجمهور) ولعل ما دفع إلى تجربة المسرح ما بعد الدراما، الكثير من المخرجين المسرحيين لجؤوا إلى وسائل مساعدة تساعد على فهم المغزى من العرض والفكرة الخاصة، كما أن المفارقة المثيرة للدهشة أن التجربة المسرحية الجزائرية نجحت بالعامية في كثير من الفترات.