يغلب الظن لدى متتبعي الحياة السياسية الوطنية ان منطق "الفسيفساء" سوف يطغى على تركيبة البرلمان المقبل .. وفي ظل ديكور "لا غالب و لا مغلوب" الذي قد تفرزه التشريعيات المرتقبة يوم 12 جوان يبدو السيناريو الأقرب، حسب متابعين، أن تكون الحكومة المقبلة حكومة موسعة، قد يتم تشكيلها وفق آالية توافقية. في مرحة النظام السابق التي ميزها حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة كانت الامور سيئة على وقع منطق "الكوطات السياسية" لكنها كانت بالمقابل متوقعة المعالم ضمن نظام سياسي يحدد نتائج الانتخابات سلفا ويمكن توقع افرازاتها السياسية حتى قبل اجرائها. ومع مجيئ الرئيس تبون الى سدة الرئاسة واختفاء "منطق الكوطات" المفعم باستعمال المال الوسخ في "تخياط" القوائم الانتخابية خلال التشريعيات ، اصبحت التكهنات من دون معنى، إذ يعتقد احد مسؤولي الاحزاب، ممن لهم باع طويل في العمل السياسي، فضل عدم الكشف عن هويته، أنه " لأول مرة لاحظنا أنه من المستحيل توقع تشكيلة البرلمان المقبل والاتجاهات السياسية الغالبة التي سيكون لها شرف الحضور في البرلمان" وأضاف "أؤكد لكم أنه حتى مراكز الدراسات العاملة ضمن تشكيلتنا السياسية فشلت في حصر ادنى التوقعات بخصوص هذا الموضوع". وتبدو صفة "الفسيفساء" هي الغالبة على تشكيلة البرلمان المقبل وفق تقدير نفس المصدر الذي يتوقع رغم ذلك " امكانية تشكيل حكومة اتلاف او وحدة وطنية بسلاسة بحكم ان الاحرار الذين سيتم انتخابهم بقوة ليسوا متجذرين سياسيا مما يمكن التفاوض معم بمرونة كما ان بعض الاحزاب المشاركة في التشريعيات لها سوابق في مجال التحالف السياسي بين بعضها البعض" في اشارة الى الافلان و الارندي و حماس وهي تشكيلات كانت ضمن تحالف سياسي في فترة حكم الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة. ومن بين الذين يتوقعون هذا السيناريو، رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، الذي يرى أن "المجلس الشعبي الوطني القادم سيكون فسيفساء سياسية متكونة من العديد من التيارات السياسية". وحسبه "لن يكون هناك حزب مهيمن في تركيبة البرلمان"، معربا عن قناعته أن البرلمان القادم سيكون بنسبة مشاركة تعطي له "الشرعية المرجوة". وتبدو الساحة السياسية مفعمة بالانتقالية في مرحلة يميزها المرور من نظام سياسي مترهل الى نظام جديد يحاول الارساء لجزائر جديدة مبنية على الديمقراطية، و يبدو ايضا ان تبدد السطوة السياسية للاحزاب المساندة للنظام السابق كالافلان والأرندي انتج ديناميكية سياسية جديدة توسع فيها نطاق العمل السياسي الى تشكيلات جديدة او اخرى كانت مهمشة أو حتى قوائم الاحرار في التشريعيات المقبلة والذين يريدون ان تكون لهم مواطئ اقدام قوية في البرلمان المقبل الذي سوف تفرزه تشريعيات 12 جوان 2021. وتجمع مختلف التحليلات والتكهنات على ان المترشحين الأحرار سيكون حضورهم قويا في البرلمان المقبل خصوصا في الولايات الداخلية للوطن التي يعتمد فيها المترشحون على أوعية انتخابية مشكلة من العروش واتباع الزوايا كما سبق، وهو ما وأكده الباحث في علم الاجتماع السياسي ناصر جابي في تناوله لسوسيولوجيا الانتخابات بالجزائر. واذا سلمنا بعدم افراز التشرعيات لأغلبية برلمانية، يطرح تساؤل حول تشكيلة الحكومة المقبلة التي ستخلف فريق عبد العزيز جراد الذي يعد أيامه الأخيرة، حيث أن الأعراف تنص على استقالة الحكومة بعد كل انتخابات برلمانية، فهل ستتجه الجزائر نحو حكومة وحدة كما يروج رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري؟ وهل سيحصل توافق في تشكيلها ولن تواجه مخاضا عسيرا على شاكلة ما حدث في تونس؟.