مريم والي من مقر المدرسة القرآنية الكائن مقرها بإحدى العمارات بمدينة براقي انظم إلى أعضاء الجمعية جمع من الرجال و الشبان إلى جانب حشد نسوي ، حضرت فيه مجموعة من السيدات و لم تغب عنه فتيات شابات و حتى عجائز يزاولن دراستهن بالمدرسة القرآنية ، و الكل يسري بخطوات متسارعة إلى درب الخير والإحسان ، كانت الانطلاقة من مقر الجمعية في حدود الساعة الثانية و النصف زوالا ، و فيما ركبت النسوة حافلة امتلأت عن آخرها ، تبعتها سيارات الرجال في موكب يفيض بحب فعل الخير ، محملين بهدايا و حلويات جلبت خصيصا لنزلاء دار العجزة من أجل إدخال المسرة على نفوسهم ، و بوصول الجمعية الخيرية إلى مقر دار المسنين و المعوقين بسيدي موسى أستقبلت بحفاوة لا توصف تعبيرا على الترحيب بأهل الخير أينما تواجدوا ، و فيما طاف رجال الجمعية بالقسم الرجالي حاملين في أيديهم هدايا لشيوخ و معوقي دار العجزة من كتب دينية و عباءات و سجادات و غير ذلك ، تنقلت النسوة إلى جناح العجائز الذي يفصل المجنونات منهن عن المتمتعات بصحتهن العقلية ، و كم كان الموقف مؤثرا و نحن نستقبل من طرفهن ليحركن أحاسيس كل واحدة تمر عليهن ، و هن يتسلمن هداياهن عبرن بفرحة عن قدومنا ، فامتزجت دموع الفرح لزيارتنا بدموع الحسرة و الأسى على تخلي أولياءهم و عائلاتهم عليهن و شوقهن الكبير لأهاليهن ، تقول سارة فتاة مقعدة بعفوية لا تضاهيها أخرى " لقد فرحت بقدومكم ، كلكن جميلات .. لقد تخلت عني عائلتي منذ أن جلبني شقيقي إلى هنا.. أنا أكرهه .. لكنني اشتقت إليهم جميعا .. تصمت برهة .. ثم تستفسر باكية لماذا لا يأتون لزيارتي ؟ " .. قدمنا لها هديتها و تركناها و كلنا أمل في أن يصبرها الله على مفارقة أهلها لها و تخليهم عن فلذة كبدهم ، وواصلنا جولتنا بباقي الغرف ، لكنها تبعتنا على كرسي مقعد لتقدم لنا طلبها البسيط بخجل ، في المرة القادمة أحضروا لي خاتما هل تعدونني .. أنا في انتظاركم فوعدناها بذلك ، كم كان طلبها بسيطا ، و في واقع الأمر تهون كل هدية في سبيل إدخال الفرحة و رسم البسمة على شفاه غدر الزمن بأصحابها ، فوجدوا أنفسهم في دار حرموا فيها لذة مشاركة الأهل و الأحباب هناءهم و عيشتهم ، و إن طلبت سارة خاتما ذهبيا ، ففي نفس خالتي ليلى التي يربو سنها عن ستين سنة ، أن تمسك عودا و كحلا و تكتحل ، كررت طلبها أكثر من مرة ، لا أريد سوى كحلا لأضعه في عيناي ، ليكون طلب فتاة أخرى تعاني من إعاقة ذهنية مقتصرا على قطرات عطر ، وضعناها لها فطارت فرحة و راحت تردد .. الله يفرحكم كيما فرحتونا " ، و في حديثنا مع عجائز دار المسنين و المقعدين بسيدي موسى ، جمعنا أسبابا متفرقة عن تواجدهن بعين المكان ، منهن من تكفل رجال الشرطة بجلبهن بعد العثور عليهن مشردات في الشوارع ، و منهن من تذوقن مرارة الزمن بتخلي من حملوهن وهنا على وهن و كلهن أمل في استرداد ذرة من عطائهن الذي لا يضاهيه عطاء ، لكن أبناءهم ضاقوا بهم ذرعا عند كبرهم و تخلصوا منهم في نصف الطريق ، بعدما نفذ عطائهم و باتوا علة على عاتقهم ، أما حكاية خالتي حجيلة المنحدرة من مدينة براقي فلا تحمل فروقات عن أسباب تواجدها بدار المسنين ، و إن لم يتكفل بجلبها من حملته في بطنها ، فقد سارع إلى فعل ذلك من قاسمتهم البطن الواحدة ، تقول إحدى مرافقاتنا أنها تعرفها حق المعرفة ، كيف لا و قد ربطتها علاقة الجوار في زمن ولى حظيت فيه بالرعاية و الاهتمام من طرف والدتها المرحومة قبل وفاتها كونها معاقة حركيا ، و بعد أن وريت هذه الأخيرة التراب سارع أشقاءها إلى الزج بها في دار العجزة من أجل بيع الفيلا و حرمانها من حقها في الميراث ، و ممن وجدت في هذه الدار مقرا دائما إلى حين مفارقتها الحياة فتاة أخرى ، قدمت من مدينة غرداية بأمر من زوجة أبيها التي لم ترحمها و لم تهنأ لها راحة بالها إلا بطردها و التخلص منها بشكل نهائي ، لكل واحدة منهن سببها في الخروج من البيت العائلي ، و رغم حرارة الشوق التي تعتصر قلبهن إليه ، إلا أنهن يحمدن الله على تواجدهن بهذه الدار التي تحضين فيها بخير رعاية ، و في حديث جمعنا باحدى المشرفات على رعاية نزلاء دار العجزة ، أكدت أن وظيفتها ليست بالسهلة ، لأنها تستدعي الصبر و طول البال خصوصا مع الفئة التي تعاني من إعاقات ذهنية ، لكنهم أحبوها و يقومون بآداءها على أكمل وجه لمعانيها الإنسانية قبل كل شيء ، متحملين كل متاعبها ، و في هذا تذكر مشرفة تبلغ من العمر 56 سنة إتهام عجوز لها يوم جلبتها الشرطة بسرقة 10 ملايين سنتيم منها يوم حضورها إلى أن أتى ابنها و كذب أقاويلها ، و منذ تلك الواقعة اتخذت إدارة دار المسنين إجراء يلزم حضور أربع مشرفات عند تفتيش نزلاء الدار ، و كلهن يشهدن على ما عثر بحوزتهم تجنبا للوقوع في المشاكل. هكذا فارقت الجمعية شيوخ و عجائز و معوقي دار المسنين بسيدي موسى على أمل زيارتهم مجددا في أقرب فرصة .