لم تعد وثائق الحالة المدنية مجرد أوراق يستخدمها صاحبها لأغراض معينة ، و إنما أصبحت هدفا في حد ذاته، و تحوّلت إلى تأشيرة ليس من السهل أبدا الظفر بها ، نظرا للصعوبات التي يتلقاها طالبوها أثناء تواجدهم أمام شبابيك الحالة المدنية ، أين يجد المواطن نفسه مضطرا للانتظار ، يترقب دوره في استخراج وثيقة قد تكلفه ساعات طويلة من وقته ، و تدفعه إلى طوابير تحت رحمة الانتظار تزامنا مع كل دخول اجتماعي . السيناريو يعيد نفسه مع كل موسم اجتماعي لا أحد منا ينكر عدم تعرضه لموقف وهو ينتظر أمام شبابيك الحالة المدنية عند كل دخول اجتماعي ، و لا شك أن نفس السيناريو تكرر معه في كل مرة و في نفس المكان و بنفس الظروف، حيث تشهد شبابيك الحالة المدنية بمعظم البلديات هذه الأيام اكتظاظا كبيرا وضغطا لا نظير له بسبب توافد عدد كبير من المواطنين من أجل استخراج وثائق إدارية يحتاجون إليها في تسجيلات مدرسية أو مسابقات أو في من أجل ضمها في ملفات مختلفة ، ويواجه المواطن صعوبة كبيرة في استخراج هذه الوثائق ، مما يؤدي إلى استنكاره و تذمره اتجاه هذا الوضع المزري الذي يستوجب المرور من خلاله على عدة عراقيل ، و كأنه بصدد الحصول على تأشيرة ، حتى أن المتحصل عليها يشعر أنه قد قطع شوطا كبيرا من أجل الظفر بها ، كانت وجهتنا إلى بلدية براقي و بالتحديد إلى أحد فروعها بالمرجة ، و هناك لمسنا وضعية كارثية حقيقية، طوابير بشرية طويلة يصعب عليك خرقها ، و بالمقابل لا يتصدى لها غير عونان إداريان ، يقومان باستخراج كل الوثائق المطلوبة، مشهد يصعب عليك تصديقه أو فهمه، الكل متذمر من هذه الوضعية ، يعتصر الغضب وجوههم ، لا يمارسون سوى انتظار دورهم الذي يحلمون بالوصول إليه فورا ، فالدقيقة هناك تحسب بألف ساعة، حياة ، 29سنة ماكثة بالبيت ، أم لطفل رضيع ، التقينا بها هناك و هي بصدد انتظار دورها من أجل استخراج وثيقة شهادة الميلاد التي تحتاج إليها بغرض التسجيل بمعهد التكوين المهني تخصص خياطة، أخبرتنا أنها قلقة جدا بعد تركها لابنها الرضيع لدى والدتها ، كانت تضن أن استخراجها للوثيقة لن يستغرق منها سوى ساعة على أقصى تقدير، لتقبع هناك يوما بأكمله، أما ليندة فقد صدمت حينما حان دورها ، إذا أنها لم تتنفس الصعداء بعد ، لتجد نفسها أمام انتهاء موعد الدوام . أولياء يقحمون الأطفال هروبا من زحمة الانتظار مشاهد مثيرة تراها و أنت تتجول عبر شبابيك مصلحة الحالة المدنية بالبلديات ، فبلدية براقي مثال حي على ذلك ، فأول ما أثارنا و نحن نلجها وسط الزحمة و الضغط الذي شاهدناه، هو وجود أطفال مختلفة أعمارهم ، حاملين في أياديهم الدفاتر العائلية يقبعون في مكانهم خوفا من أن يسرق أحدهم دورهم ، الذي باتوا ينتظرونه بشق الأنفس، هذا هو حال براءتنا التي ننتظر منها الكثير لتقدمه خلال السنة الدراسية، و هذا بعدما أقحمهم أولياءهم عمدا في هذه المهمة التي أعجزتهم سواء لانشغالهم أو حتى بدون سبب، التقينا بالطفل فؤاد، 7 سنوات، الذي كان رفقة والده بالفرع البلدي لبراقي بالمرجة ، أين لا حظنا تذمر والده الذي غادر البلدية ورفض انتظار دوره ، و أوكل المهمة لابنه الصغير الذي لم يتجاوز 8 سنوات، وعندما حان دوره لم تتمكن عون الإدارة من فهم مطلبه ، و ماذا يريد استخراجه . مواطنون يشتكون و أعوان إدارة متذمرون و مسؤولون يتفرجون وعندما يضطر المواطن إلى الوقوف لساعات طويلة أمام مصالح الحالة المدنية بغية استخراج الوثيقة الإدارية، إذ تجدهم ينهضون مبكرا و ينتظرون فتح الشبابيك وإلى غاية نهاية الدوام الرسمي للعمل ، مما يسبب حالة من الضجر والتذمر بين المواطنين الذين تركوا أشغالهم ، ومنهم من تغيب عن العمل من أجل أن يحضى بوثيقة، و قد أدى هذا في كثير من الأحيان إلى نشوب مشاكل بين أعوان الإدارة والمواطنين تصل إلى حد الشجار وتبادل الشتائم ، بل إن الطوابير أمام الباب تبدأ حتى قبل بدء ساعات العمل، حيث يلجأ المواطنون للحضور إلى مقر البلدية في ساعات مبكرة من الصباح بغرض استخراج الوثائق ، تجنبا للطوابير المملة والفوضى، خاصة و أن الطلب يتزايد على وثائق الحالة المدنية في هذه الآونة، هذا الوضع جعل الطلبات تفوق العرض، فالمواطن يشتكى من نقص الخدمة و الصعوبات التي يواجهها ، و بالمقابل فإن عون الإداري لا يجد له سبيلا في مواجهة الضغط المشدد عليه ، و الذي يفوق قدرة تحمله في بعض الأحيان ، سوى بالتنهد أو بتفريغ جمر غضبه على المواطن الذي لا حيلة و لا قوة له، عون إدارة بالفرع البلدي لبراقي بالمرجة ، لاحظنا أنها لم تجد وقتا لتناول غذاءها ، و بقيت تصارع الجوع وسط زحمة من الطلبات و طوابير طويلة تنتظر الفرج الذي سيكون بيدها ، فصممت على عدم تناول فطورها إلى حين انتهاء دوامها ، لتتمكن من إنقاص ما يمكنه إنقاصه من الطلبات ، بالمقابل فإن الكل يوجه أصبع الاتهام للآخر ، و السلطات المسؤولة قاعدة تتفرج على الحلبة عند كل دخول اجتماعي ، دون أن تضع لذلك خطة مسبقة ، و خلية أزمة تتكيف مع الوضع الجديد ، و تضع له حلولا موسمية . زهية بوغليط