مواقع التواصُل الاجتماعي عالم افتراضي من العلاقات الاجتماعية فرض نفسه على نمط الحياة، من حيث المصطلحات والضوابط والثقافة في ضوء التقارُب الثقافي والاختلاط الفكري الذي أحدثته؛ مما أثّر على الترابُط الأسري، فقد ارتفعت نسبة الأشخاص الذين لا يقضون وقتاً مع عائلتهم إلى 45% بسبب الانشغال بتلك المواقع، ولم يتوقّف تأثيرها على الجانب الاجتماعي فقط وامتدّ إلى التأثير السياسي، ولعب دوراً بارزاً في تشكيل الرأي العام والقيام بدور الإعلام البديل. شبكات التواصُل الاجتماعية هي مواقع يتواصَل من خلالها الأشخاص الذين تجمعهم اهتمامات مُشتركة، حيث تتيح هذه المواقع لمستخدميها تكوين الصداقات العابرة للواقع والجغرافيا، من خلال مُشاركة الملفات والصور وإنشاء المدونات وإرسال الرسائل وإجراء المحادثات، وسميت بالشبكات الاجتماعية لكونها تتيح التواصُل مع الأصدقاء وتقوية الروابط بين أعضائها، حيث يتواصلون ويتشاركون الأحداث والأخبار بالمحتوى المكتوب والصور والفيديوهات حول ما يدور في حياتهم الشخصية والاجتماعية والسياسية، متجاوزين كافة الحواجز الجغرافية. ومن أبرز مواقع التواصُل الاجتماعي: "فيسبوك، تويتر، ماي سبيس، إنستغرام"، ويأتي على رأسهم "فيسبوك" الذي يحظَى بقاعدة مُستخدمين هي الأكبر في العالم والوطن العربي، وبحسب إحصائيات حديثة بلغ نسبة مُستخدمي الفيسبوك في 22 دولة عربية حوالي 90 مليون مُستخدم، وجاء في المركز الثاني "تويتر"، والذي يبلغ عدد مستخدميه 50 مليون عربي، في حين بلغ عدد الذكور المستخدمين لمواقع التواصُل الاجتماعي 65%، بينما بلغ عدد الإناث 35%، وتتصدر فئة الشباب التي تتراوَح أعمارهم من بين 15 إلى 35 عاماً مُستخدمي تلك الشبكات في المنطقة، لتستحوذ على 70% من عدد مُستخدمي مواقع التواصُل الاجتماعي في العالم العربي. وتتصدر مصر الدول العربية من حيث أعداد مُستخدمي "الفيسبوك" و"تويتر" في العالم العربي، حيث بلغ عدد المستخدمين المصريين للفيسبوك أكثر من 20 مليون مُستخدم، شكّلوا نسبة بلغت 24% من إجمالي أعداد مُستخدمي "الفيسبوك" العرب، وحوالي 10 مليون مُستخدم لتويتر، وثالثها الجزائر والأردن والمغرب ولبنان في استخدام الفيسبوك، بينما تأتي في المركز الثاني من حيث استخدام تويتر دول الخليج: "المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارت وقطر والكويت". ويقول د.أحمد البحيري الباحث في علم الاجتماع: إن تلك المواقع أثّرت سلباً على العلاقات الأسرية، وساعدَت على اتساع الفجوة بين أفراد الأسرة والتفكك الأسري، مؤكداً أن مواقع التواصُل الاجتماعي وعلى رأسها ال"فيسبوك" أصبحت إدماناً يُمثّل خطورة على الأسرة العربية والعلاقات والتقارُب والدفء الذي يتميّز بها المجتمعات العربية، كونها تتجه نحو "تفتيت الجمهور" وتقليص العلاقات الحقيقية لصالح العلاقات الافتراضية، وتابع: مواقع التواصُل الاجتماعي تؤثر سلبياً على علاقات الصداقات، وقد تتسبّب في قطع العلاقات بين الأصدقاء المقرّبين، كما أنها تؤدي إلى تضييع وقت كثير دون استثماره في شيء مُفيد، بالإضافة إلى أنها تؤثر على الحالة النفسية للمُستخدم، وزيادة الإحساس بالوحدة والاكتئاب، بالإضافة إلى عدم رغبة المستخدم في الاختلاط والاكتفاء بمتابعة الحياة عبر الشاشة، ومُراقبة أصدقائه بدلاً من التفاعُل معهم، فضلاً عن التأثير على الترابُط الأسري، والشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية والاكتئاب وعدم الثقة في النفس، هذا بجانب خطورة تلك المواقع وما تؤديه من ذوبان ثقافي، وما ينتج عنه من رفض النشء العربي لتقبل المنظومة القيمية، وأسس ومبادئ المجتمع العربي التي يفرضها الدين والثقافة، بسبب ما تُسبّبه تلك المواقع من اهتزاز ثقة الشباب العربي في مُجتمعه العربي والإسلامي بماضيه وحاضره وتراثه، ويضيف البحيري: أنه يجب عودة نمط الأسرة إلى البيت العربي، وضرورة إيجاد وقت للقاء بين أفراد الأسرة والتصافُح والتعانُق، حيث ترتقي الأمم ويرث الأبناء عادات وتقاليد الأجداد من خلال التربية والتنشئة الاجتماعية والاحتكاك والتفاعُل بين مُختلف الأجيال، فالتواصُل الإنساني لا يُضاهيه أيّ تواصُل إلكتروني. وفي رأي د. صالح حزين أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، أن مواقع التواصُل الاجتماعي تأتي في إطار التطوّر التكنولوجي وتأثيراته على العلاقات الاجتماعية، لافتاً إلى أن تلك المواقع أتاحت الفرصة للاطلاع على الثقافات المختلفة والتواصُل بين الشعوب والاختلاط الفكري، والقول بأنها سبب التفكك الأسري هو نوع من الخلط، وهي فرضية خاطئة من الأساس، فالشبكات الاجتماعية ساعدَت قطاعات واسعة من الأسر التي بها الأب أو الأم مسافران خارج البلاد على التواصُل المستمر والدائم مع أبنائهم وتقليص الشعور بالغربة، ويشير حزين إلى أن مواقع التواصُل الاجتماعي أثّرت في الكثير من مجالات الحياة كالثقافة والفنون، وساعدَت على التطوّر الفكري لفئة الشباب من خلال الاختلاط مع الآخر والتفاعُل مع المتغيّرات، وإذابة الحواجز بين الشعوب، وساهَمت في زيادة مُشاركة المرأة في الأحداث والتعبير عن رأيها بحرية، موضحاً أنه يمكن التغلّب على سلبيات مواقع التواصُل الاجتماعي بتحويل هذا العالم الافتراضي إلى واقع كما حدث في ثورات الربيع العربي، حيث بدأت الثورة على "الفيسبوك" ثم تحوّلت إلى واقع أسقط الأنظمة المستبدة.