*- قصائد تحكي الحياة تتأرجح بين الذاتي، الوطني، الاجتماعي الثوري والديني صدر حديثا عن دار "موفم" للنشر ديوان شعر، للمبدع الشاب رضا بورابعة، عنوانه "حالما كالقصيدة"، وهو باكورة أعماله الشعرية، أهداه صاحبه إلى وطنه الأكبر الذي يحاول أن يحبه كما ينبغي وإلى أسرته الدافئة، وإلى من هبت لطائفهم كالنسيم على وجهه المتعب، وهو يجتاز ما اجتاز من فلوات الشعر والحياة، وإلى الذين سيعرفهم بعد طرح وصدور هذا الكتاب. يقع الديوان في 219 صفحة ويضم 38 نصا شعريا يشع شاعرية ويتدفق معاني يحتويه كيان هذا الشاب. وتضم المجموعة الشعرية العشرات من قصائد الشعر التفعيلي العمودي وشعر التفعيلة الواحدة، وبعض القصائد هي مزيج بين النوعين، كما تعالج المجموعة الشعرية بين الذاتي، السياسي الوطني، الاجتماعي الثوري والديني خيط الرفيع الجامع بينها هو ما جمع بين بورابعة والشعر، ويؤكد رضا في مقدمة الكتاب أنه يجمع بينها أيضا طموح يحاول أن يصل إليه بكل ما أوتي من صدق. ومن خلال العنوان "حالما كالقصيدة" يعبر الشاعر الشاب –مثلما يقول- عن الوحدة الوجودية التي ينصهر فيها الشاعر مع قصيدته، ويخال نفسه قد انصهر مع قصائده في كل مواضيعها، هو حالما نحو زرقة آماه دون أن يتعامى وأن يغض الطرف عن الواقع بمرارته وتباريحه، وإذ يضع ديوانه الأول بين أيدي القراء فالرغبة تحدوه لأن يجدوا شذرات من همومهم مرسومة فيه راجيا أن يزرع وهرة جديدة في حديقة الشعر الغناء التي سقاها الأوائل ويسقيها من لحقهم بمعين إبداعهم الفياض. يرى في الشعر هويته وليس هوايته، وقد بايع الشعر ليكون أميرا لبوحه، ويتساءل هل يكن له الشعر نفس الشعور، والجواب عنه رهين سير الشاعر الشاب في هذا الدرب الوعر المزهر الشائك. رصع بورابعة صفحة ديوانه الخلفية بأبيات له من قصيدة "كالوريقات"، يقول فيها، حجارة تتهاوى كالوريقات على تراب كئيب كالحكايات، شيئا فشيئا.. تعرى الصرح فانكشفت معاول.. عرشت في زحمة الذات، معاول أكلت نصف الحياة ولم تشبع وما خجلت من جوعها العاتي، ما أهزل الصرح من ذا سوف يطعمه، خبز النهوض وأثمار الحضارات؟.. لم يبق منه سوى ذكرى محطمة كأنه طلل يفشي بأنات. وافتتح بورابعة مجموعته بقصيدة "إسمها الشعر" جاء فيها، أنا أحب فتاة اسمها الشعر، وكل حب عداها تافه غر، أحبها.. وأحب الحب منتظرا، منها وصالا..ولا يبلى لها الصبر. وفي "أشرعة الحياة" يقول، كالذكريات يصاحب الأياما، سر ثقيل يؤنس الأحلاما، ويمازج الكلمات حين يريقها، قلم شفيف البوح لا يتعامى، قلم نحيف..كالصبابة تنتشي، فيه القصيدة رقة وضراما، قلم رقيق الحرف مزدحم الأسى، أشجى من البجع المداني الساما، أشجى من الأفق الجريح.. زمن أب، تذر الحروب صغاره أرقاما، قلم بوحشته يسير كشاعر، بهرت خطاه القور والأكاما، ويخط في ورق المدى خطواته، علّ الحياة تصالح الأفهاما. وفي قصيدته "كؤوس على مائدة السفر" يقول، متأخر دوما عن الأحباب، والليل خلفي متعب الأهداب، سهر حميمي على نار الصبا، يطهى.. لينضج في اللقاء الصابي، أمشي على قلق طفولي إلى طرف لحي مشرع الأبواب، قلق يقاسمني الطريق مشاكسا، توقي إلى تلويحة الترحاب. لدى هذا الشاعر نفس متوثبة ترنو البعد وهو يحاول إسماع صوته إلى أبعد مدى ممكن، ففي "صرخة العتبات" كتب بورابعة، الآن أوقظ للحياة حياتي، فصل جديد من رواية ذاتي، الآن أبدا خطوة أخرى إلى، ما لست أدركه من الخطوات، لابد لي من نجمة.. لأدلني لوفائها.. ويتيمة تيه شتاتي، وعلي أن أهب المسير صراحة كصراحة الأحلام للكلمات، سأقول للدرب انتفض.. حتى أرى، لغة الطموح نثور كالثورات. وهاهو يستذكر غزة المقاومة في قصيدته "لغزة ملحمة النجوى الدامية"، ناجي الدماء ولا تمت يا خافقي، فالأرض ملت من هلاك دافق، وأصدع بنبضك لا تهب صخب الردى، فالصمت ليس بملجئ للناطق، هذي كلوم في الظلام تكلمت، قالت أما تنعى النجوم مبارقي؟ هي أجبها ..خضب الأوراق كي يجد اليراع هداة بين مفارقي. وفي "حنين على امتداد الأنين" يهديها لغرداية، شاخ الأنين وللأنين حكاية، شجت ضلوع الأرض يا "غرداية"، من ذا سيسكب فيك أرياح الصبا، لترف للفرح المشاكس راية؟ من ذا وقد هاجت شواطئ باسنا، سيقيم في صخر الصعود ولاية. وفي قصيدة "لقاء بطعم الوداع" كتب، تلوح لي ذكريات وتمشي إلى الطريق الطويلة، محفوفة بالشجر، جبال تمشطها الشمس، والماء ينسل كالشعر، من قلب صب غزير الهوى، حين ينسل من صخرة ها هناك، نسيم يداعب وجه المتاعب، طيف حنين، هدوء من الثلج أصفي، وأفراح لوز بهي الزهر، و"تابلاط" تفتح أذرعها للأحبة حين يجيئون، مثل الطيور التي طاردتها المواسم، فاستسلمت لرحيل مديد المدى، ثم مزقت الثوب، ثوب المسافات، عطر المواعيد أذكي، وذاكرة القلب أقوى، وصدر القصيدة متسع للتفاصيل مثل القدر. يسير الشاعر في خط تصاعدي وهو المتغدي بالغضب الحر وبالعنفوان وبالتوق للعيش دوما وابدأ في الحرية، وللحق حق على شفته، مثل كل الهموم التي تعتريه، وللأرض حق على الحالمين. هذا الشاعر الذي يسكب عبارته للوطن ويتذكر سوريا الجريحة في قصائد طافحة بالعاطفة. الديوان جديد وجدير بالمطالعة لمن له ولع بالكلمة المعبرة وبأحلى الكلام.