الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الاتحاد
الأمة العربية
الأيام الجزائرية
البلاد أون لاين
الجزائر الجديدة
الجزائر نيوز
الجلفة إنفو
الجمهورية
الحصاد
الحوار
الحياة العربية
الخبر
الخبر الرياضي
الراية
السلام اليوم
الشباك
الشروق اليومي
الشعب
الطارف انفو
الفجر
المساء
المسار العربي
المستقبل
المستقبل العربي
المشوار السياسي
المواطن
النصر
النهار الجديد
الهداف
الوطني
اليوم
أخبار اليوم
ألجيريا برس أونلاين
آخر ساعة
بوابة الونشريس
سطايف نت
صوت الأحرار
صوت الجلفة
ماتش
وكالة الأنباء الجزائرية
موضوع
كاتب
منطقة
Djazairess
كمال رزّيق وزيراً للتجارة الخارجية
هذه استراتيجية الجزائر لمواجهة الحرقة
رؤية جديدة
إطلاق شبكة الجيل الخامس قبل نهاية 2025
نحو استلام 290 مركزا للتخزين الوسيط للحبوب
السودان.. جرحٌ عربيٌ نازفٌ
السفير يطمئن على قندوسي
بطولة للشطرنج بين مصالح الشرطة
والي بجاية يُسدي تعليمات صارمة
فتح رحلات الحجّ عبر الأنترنت
نايلي : " العلاقات الجزائرية-الروسية تحظى بتعزيز نوعي متواصل
ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 50983 شهيدا و116274 مصابا
الجزائر أضحت مستهدفة بإغراقها وضرب شبابها بالمخدرات
رسائل ثقة من شأنها طمأنة المتعاملين اجمالا, والمصدرين خصوصا
إطلاق مشروع "طاقاتي+" بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي وألمانيا
222 مشروع لتجسيد "برنامج التنمية الجماعية" لفائدة الجمعيات
إطلاق شبكة الجيل الخامس (5G) في النصف الثاني من عام 2025
الفواكه البرية خطر على الصحة
رسائل ثقة للاقتصاديين ودعامة للاقتصاد الوطني
هيئتان للتصدير والاستيراد انفتاح على الخارج وحماية للسوق
اتحاد ورقلة يهدد بالمقاطعة ومستقبل الرويسات يندد
المجتمع المدني .. من ثورة التحرير إلى الجزائر المنتصرة
الأمم المتحدة: مجلس الأمن يعقد اجتماعا مغلقا حول قضية الصحراء الغربية
حجز 66 كلغ من الكوكايين بأدرار
حسن الجوار.. علاقة تلاشت مع الزمن
تموين افتراضي حول مكافحة حرائق الغابات
مقترحات تنموية على طاولة والي بئر توتة
لأول مرة.."باك مهني" سبتمبر المقبل
وزارة الصحة تحذر من مخاطر التناول المفرط لأدوية مادة الباراسيتامول
المغرب: مطالب بمنع رسو سفن محملة بمعدات عسكرية بموانئ المملكة تستخدم لإبادة غزة
"الطيّارة الصفراء" لهاجر سباطة يفتكّ الجائزة الكبرى
النظام الوطني للتنظيم الصيدلاني محل تقييم ذاتي تحت إشراف منظمة الصحة العالمية
المغرب: السلطات المخزنية تغلق ثلاث كليات وتوقف الدراسة لثلاثة ايام بسبب نشاط تضامني مع فلسطين
قسنطينة: 20 مشاركة في معرض لفنانات الشرق الجزائري
ندوة تاريخية في قصر رؤساء البحر : لاحياء يوم العلم الحركة الإصلاحية في الجزائر..مسيرة التحولات ومسار التحديات
هدف تاريخي ومساهمات حاسمة أمام توتنهام..آيت نوري يسطع في سماء البريمييرليغ
الجزائر العاصمة : حملات تحسيسية حول سوء استعمال الغاز الطبيعي
أول تعليق من أحمد قندوسي على إصابته المروعة
كأس الجزائر /نصف النهائي/ : "داربي" واعد بين اتحاد الحراش واتحاد الجزائر, قمة غير مسبوقة بين شباب بلوزداد ومولودية البيض
سطيف: عروض عديدة في انطلاق الطبعة الثالثة للأيام الدولية لألعاب الخفة
ما هو العذاب الهون؟
غزة: رحيل طوعي أم تطهير عرقي ؟
إعادة ترتيب العالم أم تعميق لركوده وأزماته؟
وزارة التربية تُحذّر..
ينبغي الحفاظ على "الصورة المشرفة" للبعثة الطبية الجزائرية
نتوقّع مواقف جد متقدّمة من أعضاء مجلس الأمن
تراجع في أسعار السردين بسكيكدة
هكذا ساهم منتخب "الأفلان" في استقلال الجزائر
تتويج أولاد الباهية (ذكور) ومولودية الجزائر (إناث) والتنظيم ينال الامتياز
تكريم وجوه فنية بارزة
الدورة الثامنة من 26 إلى 30 ماي
البيض: الطريقة الشيخية الشاذلية تأكد دعمها المطلق للموقف الرسمي للسلطات العليا للبلاد
يحي سعد الدين نايلي مديراً عاماً جديداً لصيدال
عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!
11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية
كفارة الغيبة
بالصبر يُزهر النصر
الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء
الجزائر الجديدة
نشر في
الجزائر الجديدة
يوم 03 - 03 - 2019
﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُم مُحسِنُونَ ﴾ [النحل: 128]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
أيُّها المُسلِمونَ:
وبَينَ الفينة والأُخرَى يَخرجُ المُسلِمونَ يَستَسقونَ، يَطلُبونَ الغَيثَ ويَستَنزِلونَ الرَّحمة، والغَيثُ - ولا شَكَّ - رَحمة مِنَ اللهِ يُصيبُ بها مَن يَشاءُ مِن عِبادِه؛ قالَ - تَعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرسَلَ الرِّيَاحَ بُشرًا بَينَ يَدَي رَحمَتِهِ وَأَنزَلنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الغَيثَ مِن بَعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحمَتَهُ وَهُوَ الوَليُّ الحَمِيدُ ﴾ [الشورى: 28].
نَعَم - أيُّها المُسلِمونَ - إنَّ الغَيثَ رَحمة مِنَ اللهِ لا يَقدِرُ علَى إنزالِها إلا اللهُ، وإنما يَرحَمُ اللهُ مِن عِبادِه الرُّحَماءَ، والرّاحِمونَ يَرحمُهمُ الرَّحمنُ، ومِن ثَمَّ فإنَّ ممّا تُستَجلَبُ بِه رَحمة اللهِ وتُستَنزَلُ بِه مِنَ السَّماءِ: أن يَتَراحَمَ مَن في الأرضِ ويُشيعوا الإحسانَ فيما بَينَهُم، وأن يَعطِف بَعضُهم عَلَى بَعضٍ، ويَرفُقَ بَعضُهم بِبَعضٍ، وأن يُحِبَّ كُلٌّ مِنهُم لإخوانِه مِنَ الخَيرِ ما يُحِبُّه لِنَفسِه، وإنَّ اللهُ - سُبحانَهُ - إذا أرادَ رَحمة قَومٍ، أسكَنَ في قُلوبِهم الرَّحمة، وأودَعَها الرَّأفة، ووفقَهُم إلى التَّواصي بِالصَّبرِ والمَرحَمة، وإذا أرادَ أن يُعَذِّبَهُم، نَزَعَ مِن قُلوبِهمُ الرَّحمة، وسَلَبَهُمُ الرَّأفة، وأبدَلَهُم بِهما الغِلظة والجَفاءَ والقَسوةَ؛ قالَ - تَعالى - مُمتَدِحًا أهلَ المَيمَنة: ﴿ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ وَتَوَاصَوا بِالمَرحَمَةِ ﴾ [البلد: 17].
وفي الحَديثِ: أنَّهُ - علَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ - قالَ: ((ارحَموا مَن في الأرضِ يَرحَمْكُم مَن في السَّماءِ))، وقالَ - علَيه الصَّلاةُ والسَّلامُ -: ((والَّذي نَفسي بيدِه، لا يَضَعُ اللهُ رَحمَتَهُ إلا عَلَى رَحيمٍ))، قالوا: كُلُّنا يَرحَمُ، قال: ((لَيسَ بِرَحمة أحَدِكُم صاحِبَهُ، يَرحَمُ النّاسَ كافّة))، وقالَ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تُنزَعُ الرَّحمة إلا مِن شَقي))، وفي الصَّحيحِ أيضًا: ((مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ)).
أيُّها المُسلِمونَ:
إذا أشرَقَ نورُ الإيمانِ في قَلبٍ ومُلِئَ بِاليَقينِ بِوعدِ اللهِ، وامتَلأ مِن مَحَبَّتِه وإجلالِه - فإنَّهُ يَرِقُّ ويَلينُ ويَخشَعُ، فلا تَراهُ إلا رَحيمًا رَفيقًا رَقيقًا، يَرحَمُ النَّملة في جُحرِها، والطَّيرَ في وكرِه، فضلاً عَن بَني جِنسِه مِنَ الآدَميينَ، فكَيف بِمَن لَهُ عَلَيهِ حَقٌّ مِن والِدٍ وولَدٍ، وأخٍ وقَريبٍ، وابنِ عَمٍّ وذي رَحِمٍ أو صَديقٍ، أو جارٍ أو صاحِبٍ أو رَفيقٍ؟! فهَذا أقرَبُ القُلوبِ مِنَ اللهِ، وأحراها بِرَحمَتِه وإجابة دَعوةِ صاحِبِه، وإنَّهُ ما مُنِعَ النّاسُ رَحمة رَبِّهم وأبطَأت إجابة دُعائِهم في كَثيرٍ مِنَ الأحيانِ، إلا يَومَ أن نُزِعَتِ الرَّحمة مِن قُلوبِهم، وأُلقي الشُّحُّ في نُفوسِهم، واتَّصَفوا بِالأثَرة واستِعلاءِ النُّفوسِ والانكِفاءِ على الذّاتِ، فتَرَكوا الأمرَ بِالمَعروفِ والنَّهيَ عن المُنكَرِ، وتَهاونوا بما يُمليهِ عليهِم واجِبُ الولاية لِلمُؤمِنينَ وأُخوَّتِهم، مِن مَحَبَّتِهم والنُّصحِ لهم؛ لَقَد قالَ - سُبحانَهُ - مُبَيِّنًا عِظَمَ ذَلِكَ الأمرِ، وعُلو شَأنِ أهلِه، وضَرورَتَهُ في تَنَزُّلِ الرَّحمة وشُمولِها: ﴿ وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ يَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرحمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 71].
وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَرَحمَتِي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ فَسَأَكتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكتُوبًا عِندَهُم في التَّورَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعرُوفِ وَيَنهَاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلاَلَ الَّتِي كَانَت عَلَيهِم فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 156، 157].
فهَذِه صِفاتُ مَن تَشمَلُهم رَحمة اللهِ: إيمانٌ بِاللهِ وتَقوى، ومَحَبّة لِلمُؤمِنينَ ووِلاية لهم، وأمرٌ بِالمَعروفِ ونَهيٌ عَنِ المُنكَرِ، وإقامة لِلصَّلاةِ وإيتاءٌ لِلزَّكاةِ، وطاعة للهِ ولِرَسولِه، وتَناوُلٌ لِلطَّيِّباتِ واجتِنابٌ لِلخَبائِثِ، فمَتى تَحَقَّقَت هَذِه الصِّفاتُ الكَريمة في مُجتَمَعِ المُسلِمينَ فلْيَرتَقِبوا رَحمة اللهِ، ولْيَنتَظِروها فإنَّها قَريبة، وما لم يُحَقِّقوها وعَمِلوا بِضِدِّها، فلا يَلوموا إلا أنفُسَهُم، إذا ارتَفعَتِ الرَّحمة عَنهُم، وحَلَّ بِهمُ الشَّقاءُ، ألا فلْنَتَّقِ اللهَ - إخوةَ الإسلامِ – ولْنَتَراحَمْ، ولْنَفعَلِ الخَيرَ، ولْنَصنَعِ المَعروف، ولْنُفرِّجِ الكُرُباتِ، ولْنُكثِرْ مِنَ الصَّدَقاتِ، ولْنَشكُرِ اللهَ على ما في أيدينا، ولْنُحسِنْ، يُبارِكْ لَنا فيهِ ويَزِدْنا، ويَرحَمْنا ويُفرِّجْ عَنّا؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَلَو أَنَّ أَهلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحنَا عَلَيهِم بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ ﴾ [الأعراف: 96].
وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لأَزِيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذَابي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وقالَ - جَلَّ وعَلا -: ﴿ إِنَّ رَحمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]، وقالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَابتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنيَا وَأَحسِنْ كَمَا أَحسَنَ اللهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسَادَ في الأَرضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، وقالَ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((مَن نَفَّسَ عَن مُؤمِنٍ كُربة مِن كُرَبِ الدُّنيا، نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربة مِن كُرَبِ يَومِ القيامة، ومَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللهُ عليْه في الدُّنيا والآخِرة، ومَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيا والآخِرة، واللهُ في عَونِ العَبدِ ما كانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ)).
الخطبة الثانية
أمّا بَعدُ:
فاتَّقوا اللهَ - تَعالى - وأطيعوهُ ولا تَعصوهُ؛ ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِن حَيثُ لا يَحتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
أيُّها المُسلِمونَ:
يَقولُ - سُبحانَهُ - واصِفًا نَبيهُ الكَريمَ وصَحبَهُ المُؤمِنينَ: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاء بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ اللهِ وَرِضوَانًا سِيمَاهُم في وُجُوهِهِم مِن أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُم في التَّورَاةِ وَمَثَلُهُم في الإِنجِيلِ كَزَرعٍ أَخرَجَ شَطأَهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاستَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29].
تَأمَّلوا - يا رَعاكُمُ اللهُ - بِمَ وصَفهُمُ اللهُ؟! إنَّهُم رُكَّعٌ سُجَّدٌ، مُقيمونَ لِلصَّلاةِ مُحافِظونَ عَلَيها، يَبتَغونَ فضلَ اللهِ ورِضوانَهُ، طالِبينَ جودَهُ ورَحمتَهُ وإحسانَهُ، ولَكِنْ، هَلْ تَأمَّلَ مِنّا مُتَأمِّلٌ في بِداية صِفاتِهم الَّتي وصَفهُم بها رَبُّهم؟! إنَّها لم تَكُنِ الصَّلاةَ عَلَى أهَمّيتِها وعِظَمِ شَأنِها وجَلالة قَدرِها، فبِماذا بَدَأت إذًا؟!
لَقَد بَدَأت صِفاتُهم بِأن وسَمهُمُ اللهُ بأنَّهُم رُحَماءُ بَينَهُم، الله أكبَرُ، إنَّهُم رُحَماءُ، رَفيقو القُلوبِ، رَقيقو الأفئِدة، هَيِّنونَ لَيِّنونَ مُتَواضِعونَ، موطَّؤو الأكنافِ، سَمحة وُجوهُهم، يُشفِقُ بَعضُهم عَلَى بَعضٍ، ويَرحَمُ بَعضُهم بَعضًا.
فهَل رَأيتُم مَدحًا لِلتَّراحُمِ أعظَمَ مِن هَذا؟!
اللهُ - سُبحانَهُ - يُقَدِّمُ الوصف بِالتَّراحُمِ عَلَى الوصفِ بِالرُّكوعِ والسُّجودِ، فلِماذا يا أُمّة الإسلامِ والإيمانِ؟ لماذا يا أُمّة الصَّلاةِ والقُرآنِ؟ ليبَيِّنَ لِلأُمّة أن لا خَيرَ في أُناسٍ يَركَعونَ ويَسجُدونَ، فإذا خَرَجوا مِن مَساجِدِهم تَشاحّوا وتَظالَموا، ولم يَتَسامَحوا بَينَهُم ولم يَتَراحَموا، إنَّ مَن يَفعَلُ هَذا فلَيسَ عَلَى طَريقة محمدٍ وأصحابِه، إنَّ مَن يَتَّصِفُ بهذا فلَيسَ عَلَى هَديِهم ولا سَبيلِهم، يُؤَكِّدُ هَذا الأمرَ الحَبيبُ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ويُصَرِّحُ بِه حَيثُ يَقولُ: ((لَيسَ مِنّا مَن لم يَرحَمْ صَغيرَنا ويَعرِفْ حَقَّ كَبيرِنا)).
وإنَّكَ لَتَرَى في مُجتَمَعاتِنا اليَومَ مِن ذَلِكَ عَجَبًا عُجابًا، وتَتَمَلَّكُكَ الدَّهشة وأنتَ تَرَى أُناسًا يُصَلّونَ ويَركَعونَ ويَسجُدونَ، ويُحافِظونَ عَلَى الصَّلَواتِ والجُمَعِ والجَماعاتِ، ثم تَرَى مِنهُم بَعدَ ذَلِكَ مَن يَظلِمُ ويعتَدي، تَرَى مِنهُم مَن يَأكُلُ حَقَّ غَيرِه ولا يَنتَهي، تَرَى مَن يَشهَدُ بِالزّورِ ويَرتَشي، تَرَى القاطِعَ لِرَحِمِه الهاجِرَ لِقَراباتِه، تَرَى العاقَّ لِوالِدَيهِ المُسيءَ إلى مَن لَهُ حَقٌّ عليهِ، فلا إلَهَ إلا اللهُ! أينَ التَّراحُمُ الَّذي هو أثَرٌ مِن آثارِ الصَّلاةِ؟! أينَ أثَرُ الرُّكوعِ والسُّجودِ؟! إنَّ مَن يَحني ظَهرَهُ للهِ راكِعًا، ويُعَفِّرُ جَبهَتَهُ لِمَولاهُ ساجِدًا، إنَّ مَن يَفعَلُ ذَلِكَ وهو مُخلِصٌ صادِقٌ، فقَد سَلَكَ سَبيلَ الخُشوعِ والخُضوعِ للهِ، وحَقَّقَ العُبودية في أكمَلِ صورِها وأبهاها، وسَيَظهَرُ أثَرُ ذَلِكَ في مَلامِحِ وجهِه وفي سُلوكِه ولا بُدَّ، حَيثُ تَتَوارَى الخُيَلاءُ والكِبرياءُ والاستِعلاءُ، ويَحِلُّ مَحَلَّها التَّواضُعُ والتَّطامُنُ والشَّفقة، ومَحَبّة الخَلقِ والإحسانُ إلَيهِم والرَّحمة بهم، وإذا هو فعَلَ ذَلِكَ فلَن يُخزيهُ اللهُ أبَدًا، لَن يتَخلَّى عَنهُ رَبُّه، ألا فلْنَتَّقِ اللهَ - أيُّها المُسلِمونَ - ولْنَقتَدِ بِخَيرِ الأُمّة وأعلَمِها بِاللهِ، ولْنَتَراحَمْ ولَيُحسِنْ غَنيُّنا لِفقيرِنا، ولْيَرحَمْ قَوينا ضَعيفنا، فإنَّ الإحسانَ فوزٌ ونَجاةٌ، وتَركَهُ خَسارة وهَلَكة؛ قالَ - سُبحانَهُ -: ﴿ وَأَنفِقُوا في سَبِيلِ اللهِ وَلاَ تُلقُوا بِأَيدِيكُم إِلى التَّهلُكَةِ وَأَحْسِنُوَا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].
وإنَّهُ لَمّا كانَ محمدُ بنُ عَبدِاللهِ - صلَواتُ رَبي عليْه وسَلامُه - مِن أكثَرِ النّاسِ إحسانًا، فقَد عَرَف مُعاصِروهُ مِمَّن رُزِقوا الفِراسة قَبلَ الإيمانَ، أنَّهُ لَيسَ بِخائِبٍ ولا مُخزًى أبَدًا؛ ففي البُخاري: أنَّهُ لَمّا أتاهُ النّاموسُ في غارِ حِراءٍ، ورَجَعَ إلى بَيتِه يَرتَجِفُ فُؤادُه، وقالَ لِزَوجِه خَديجة - رَضي اللهُ عَنها -: ((لَقَد خَشيتُ عَلَى نَفسي))، وأخبَرَها الخَبَرَ - قالَت: كَلا، أبشِرْ؛ فواللهِ لا يُخزيكَ اللهُ أبَدًا؛ فواللهِ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصدُقُ الحَديثَ، وتَحمِلُ الكَلَّ، وتَكسِبُ المَعدومَ، وتَقري الضَّيف، وتُعينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ.
وقَد كانَ مِن أمرِه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - ما كانَ، وصَدَقَت فِراسة تِلكَ المُؤمِنة الطّاهِرة، فلَم يُخزِه اللهُ في الدُّنيا، ولَن يُخزيهُ في الآخِرة. ألا فاتَّقوا اللهَ وأحسِنوا؛ فإنَّ اللهَ لا يُضيعُ أجرَ المُحسِنينَ.
المصدر / الشيخ عبدالله بن محمد البصري
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
هل الذنوب تسبب محق البركة؟
صنائع المعروف تقي مصارع السوء
صلة الأرحام الكنز المفقود
ما بعد رمضان
أحبُّ الخلق إلى اللّه أنفعهم لعياله
أبلغ عن إشهار غير لائق