أدى تراجع الطلب على بعض منتوجات الصناعات التقليدية خلال السنوات الأخيرة بالوادي (جنوب شرق البلاد) إلى تسجيل " قلق" في أوساط الحرفيين بخصوص بروز تهديد حقيقي إزاء صمود الحرف المرتبطة بها. وتشكلت لدى هذه الفئة ومع مرور الوقت حسب عدد من الحرفيين- شبه قناعة بأن تراجع الطلب على أصناف من الصناعات التقليدية أدى لتناقص مستمر لها بالرغم أنهم لا زالوا يمارسون هذه الحرف المنتجة لهذه الأنواع لكن بشئ من الخوف بعيدا عن الحماس المألوف. وخلال عقود طويلة من الزمن عرفت الوادي فيها عصرها الذهبي فيما يتعلق بتوافد السياح الأجانب على المنطقة خاصة خلال سبعينات و ثمانينات القرن الماضي عندما كانت بعض المنتوجات التقليدية و الحرف المرتبطة بها تنتشر وتروج بشكل واسع في المنطقة على غرار "العفان" و هو حذاء جلدي تقليدي و الأواني الفخارية و "القشابية" والبرنوس وكذا الصناعات التقليدية التي تعتمد على جريد النخيل مثل السلال التقليدية. ويرى المدير الولائى للصناعات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات التقليدية السيد حسين عمير " أن عدة عوامل قد ساهمت في تراجع الطلب على العديد من المنتوجات التقليدية وبالتالي زعزعة مكانة الحرف التقليدية المرتبطة بها وخاصة تلك التي لم يستفد القائمون عليها من الدعم". ولئن كانت الصناعات التقليدية النسيجيةحسب ذات المسئول-- قد صمدت قليلا في وجه هذا الوضع لكونها استفادت من دعم الدولة ولكونها أيضا بقيت مرتبطة بإصرار مواطني المنطقة على ارتداء الهندام التقليدي إلا أن الأمر لا ينطبق بنفس الدرجة من " الصمود "على منتوجات تقليدية أخرى موغلة في الطابع الفني مثل الأواني الفخارية و الآلات الموسيقية الوترية وهي منتوجات يمكن وضعها ضمن المستوى " المترف " من الاستهلاك بعيدا عن الحاجات اليومية للمواطن ولا يقبل عليها في الغالب سوى تاجر تحف بارع أو سائح أجنبي مهووس بالمنتوجات التقليدية ذات الخصوصيات الفنية العالية. ومن المؤكد أن جملة من المعطيات من بينها " تراجع" عدد السياح الأجانب وفق نفس المصدر-- قد أثرت على معادلة العرض و الطلب المرتبطة بالمنتوجات التقليدية ولئن كانت تلك الصناعات التي تعتمد على النسيج أساسا لها قد استفاد حرفيوها من مزايا صندوق دعم النشاطات التقليدية إلا أن باقي الصناعات الأخرى لم تكن في نفس المستوى من " وفرة الحظ" حيث بقيت وضعيتها تراوح مكانها . هذا ما يؤكده على الأقل رئيس مصلحة الصناعات التقليدية بالمديرية الولائية للصناعات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات التقليدية السيد عمر مدلل عندما يقول أنه إلى غاية سنة 2006 كانت صناعة النسيج مهددة فعلا لكن دعم الدولة من خلال الصندوق المذكور "أزال عنها مخاطر الإندثار" حيث استفاد حرفيو هذا الصنف من الصناعات التقليدية من تجهيزات ووسائل عمل خاصة بالصناعات النسيجية التقليدية وفرتها لهم الدولة". ويشير السيد مدلل إلى كون الصناعات التقليدية المهددة بالزوال في الوادي هي تلك الموسومة بالطابع الفني معددا إياها بقوله " أنها تشمل كل الصناعات التي تعتمد على جريد النخيل مثل القفة و مختلف الأطباق ذات الصنع التقليدي وكذا السلال التي تعد أوفر حظا من منتوجات تقليدية أخرى من نفس الفئة كونها تملك سوقا أكبر". وفضلا عن ذلك تحدث نفس المصدر في نفس السياق عن صناعة الآلات الموسيقية الوترية مثل" العود" و"القانون " التي يقول بشأنها " أن حرفيا واحدا فقط بالوادي لا يزال يهتم بصناعتها و هو نفس العدد من الحرفيين - أي حرفي واحد فقط بالنسبة لأولئك الذين لا يزالون -- حسبه -- يمارسون صناعة الأواني الفخارية. ويبدي السيد أحمد قريشة وهو حرفي صناعات تقليدية ينشط وسط مدينة الوادي الكثير من "القلق" إزاء مستقبل نشاطه الحرفي الذي يعتمد أساسا على صناعة النسيج التقليدي مثل الزرابي و الأفرشة و " القشابية " و " البرنوس " فتسويق هذه المنتوجات حسب السيد اقريشة غدا أمرا " نادرا" بفعل ارتباط نشاط تسويق مثل هذه المنتوجات بحركية السياح الأجانب. ربما كانت مثل هذه الصعوبات وغيرها هي التي أدت بهذا الحرفي الذي يمارس نشاطه وسط مدينة الألف قبة إلى الإستغناء عن صناعة الفخار علما بأن هذه الصناعة كانت تشكل جزءا من نشاطه العام لكنه اضطر - و كما يقول " إلى سحبها من قائمة منتوجاته فالدورة الإنتاجية التي يمارس هذا الحرفي نشاطه بموجبها " غير مريحة " تماما وضيق المحل " زاد من تعقيد الأوضاع كثيرا" كما يؤكد السيد قريشة. وعندما يتحدث هذا الحرفي عن الدورة الإنتاجية المتذبذبة لنشاطه الحرفي فهو يعطي جزءا كبيرا من حديثه لمسألة شراء المواد الأولية مقابل الصعوبات التي يجدها في تسويق منتوجاته التقليدية - أو ما بقي منها على الأقل - مشيرا إلى غلاء هذه المواد مثل" الوبر" و" الصوف " التي يعتمد عليها في صناعته و خاصة إذا كانت مستوردة من الخارج حيث يقول في هذا الشأن أن الكيلوغرام الواحد من الصوف قد يصل إلى حدود 1.500 دينار. ومع كل هذه النزعة التشاؤمية التي تظهر على هذا الحرفي الموغل في التجربة فان السيد قريشة يعول على ابتسامة القدر يوما ما من أجل بيع مخزونه الحالي من السلع التقليدية و الدخول في مرحلة أخرى من النشاط و إعادة صناعة منتوجات تقليدية جديدة تكون حلقة أخرى في مسار " النضال " للحفاظ على هذا النوع من الصناعات التقليدية المحلية. وفي الواقع فان" العصامية " التي يتمتع بها هذا الحرفي الذي جاوز الخمسين من عمره تجعله واثقا من النجاح يوما ما فهو يؤكد أنه لم يستفد من أي دعم مالي مؤسساتي لأنه يملك آلات العمل مند سنوات طويلة وقناعته تكمن في " أن العمل و الصبر أمران متلازمان وضروريان لتجاوز الظروف الصعبة و الوصول إلى بر الأمان". وتبدو وضعية السيد محمد بوطيب و هو صانع وحرفي في مجال الآلات الموسيقية الوترية أكثر تعقيدا نوعا ما قياسا إلى حالات حرفيين آخرين وهذا الحرفي كما يقول - يضطر في الغالب إلى العمل 15 يوما كاملة من أجل انتاج آلة " عود " أو " قانون " أو حتى إصلاح آلات موسيقية أخرى مثل " الكمان " و " القيتارة". ويقول هذا الحرفي الذي يمارس نشاطه في حي " النور " بالوادي " أنه إضافة إلى تواضع الطلب الفردي على صناعة الآلات الموسيقية الوترية بفعل عدة عوامل فان مثل هذه الصناعات تعطي منتوجات " فنية " بامتياز يتم الاعتماد فيها على المهارة الفائقة وعادة ما تكون باهضة الثمن مما يزيد الأمر سوءا من حيث تسويقها". ورغم كل هذه التعقيدات المحيطة بالحرف التقليدية في الوادي و خاصة منها تلك التي تتسم بالطابع الفني فان المدير الولائى للصناعات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات التقليدية يعطي بعض "التطمينات" التي من شأنها أن تبدد "الحلقة المفرغة" التي يتخبط فيها هؤلاء الحرفيون ونظرائهم و تساهم بقوة -حسبه- في الحفاظ على الحرف التقليدية المهددة بالإندثار وذلك بمساهمة فعالة من الغرفة الولائية للصناعات التقليدية. وأشار السيد عمير حسين في هذا الإطار أنه سيتم مستقبلا إنجاز " مركز شراء "في الوادي يكون تحت إشراف الغرفة الولائية للصناعات التقليدية وتتمثل مهمته في شراء المواد الأولية بأسعار الجملة ثم إعادة بيعها للحرفيين بنفس الأسعار على أن تقوم هذه الهيئة فيما بعد بشراء منتوجات هؤلاء الحرفيين من أجل تسويقها وطنيا و يتم ذلك من خلال توزيعها على مختلف الغرف المماثلة وكذا ضمن التظاهرات المقامة لفائدة الصناعات التقليدية خارج التراب الوطني. وأوضح ذات المسئول بأن غرفة الصناعات التقليدية والحرف بالوادي سوف تمنح لهؤلاء الحرفيين الذين اشترت منهم منتوجاتهم زيادة تتراوح بين 3 و 5 بالمائة من السعر الأصلي لبيع هذه المنتوجات فضلا عن تغطيتها للتكاليف المرتبطة بنقل هذه المنتوجات وذلك بعد تسويقها وذلك بغرض تشجيع هؤلاء الحرفيين و تمكينهم من الحفاظ على حرفهم التقليدية المهددة بالزوال. ويذهب المدير الولائى إلى أبعد من هذه " التطمينات" عندما يشير إلى أن قانون المالية التكميلي لسنة 2009 سوف يمكن هؤلاء الحرفيين التقليديين المعنيين بمثل هذه المنتوجات من إعفاء ضريبي لمدة عشرة سنوات كاملة كخطوة إضافية من أجل مساعدتهم على الحفاظ على نشاطهم الحرفي و ما يرمز إليه من قيم فنية. وكان المنسق الولائى للوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر بالوادي السيد نبيلي وكيل قد أشار بدوره في وقت سابق إلى أن اتفاقية مرتقبة بين الهيئة الولائية التي يشرف عليها و بين المديرية الولائية للصناعات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات التقليدية سوف تمكن حرفيي النشاطات التقليدية المهددة بالإندثار من الإستفادة من صيغ القرض المصغر من أجل تمويل نشاطاتهم و الحفاظ عليها على أن تقوم المديرية الولائية للصناعات الصغيرة و المتوسطة و الصناعات التقليدية بتحديد هذه الحرف و التحقق من جدواها الاقتصادية.