يوارى الثرى غدا الأربعاء بمقبرة عين البيضاء بوهران، جثمان المجاهد محمد بوحفصي رئيس الجمعية الوطنية لكبار معطوبي حرب التحرير، الذي وافته المنية صباح أمس الإثنين عن عمر ناهز ال81 عاما بإحدى المستشفيات الفرنسية بباريس. ويعد الفقيد الذي ولد في 19 نوفمبر 1963 ببلدية السواني دائرة باب العسة ولاية تلمسان، من الشخصيات الثورية المشهود لها بالنضال والكفاح الوطني المرير ضد الاستدمار الفرنسي، فضلا عن دفاعه واهتمامه بفئة كبار معطوبي حرب التحرير، إذ وحسب ما رواه لنا المكلف بالإعلام لذات المنظمة، فإن الراحل ومنذ نعومة أظافره تربى على حب الوطن والذوذ عن حياضه، كما تنبأ له جده من أمه الشهيد بلمداني إبراهيم بمستقبل ثوري. وفي تلك الفترة كانت الحركة الوطنية ممثلة في "حركة انتصار الحريات الديموقراطية" تنشط بقوة وفعالية في المهجر، فانخرط بوحفصي في صفوفها لتسند إليه عدة مهام ومسؤوليات منها تنظيم وتأطير العمال، وبعد قيام الثورة التحريرية المظفرة شارك المرحوم في عدة عمليات أهمها حرق خزانات البترول في فرنسا فضلا عن عمليات أخرى ناجحة، ما دفع السلطات الاستدمارية إلى البحث عنه، لتقرر قيادة الثورة نقله إلى المغرب وبالضبط إلى مدينة وجدة، انطلاقا من ألمانيا الشرقية فإسبانيا، وهنا وجد والده الذي كان له هو الآخر دور كبير في دعم الكفاح المسلح، بعدما فتح أبواب مسكنه للفدائيين، ولما علم كذلك محمد بوحفصي بأن أخاه الصغير قد دعي للالتحاق بالثورة، طلب منه البقاء بجوار العائلة ليلتحق هو مكانه بالمجاهدين، وبالرغم من ذلك واصل شقيقه الطيب العمل ضمن وزارة التسليح والاتصالات العامة "المالق"، برفقة بوصوف، زرهوني، ولد قابلية ... كما أنه كان قريبا من الرائد رشيد المدعو مستغانمي والرائد موسى. وعندما التحق المجاهد بوحفصي محمد بالثورة شارك في عدة معارك منها بالخصوص "شك طكوك" في مطلع الستينات، المتخامة للحدود الجزائرية المغربية، حيث ولما كان يهم بالدخول إلى التراب الوطني، تعرض الفقيد إلى بتر رجله اليسرى وإصابة قدمه الثانية بجروح بليغة من جراء لغم زرعه الاستدمار الفرنسي على طول الشريط الحدودي بين البلدين، حيث أنقذه الضابط المرحوم بلعيد عوين الذي وافته المنية في 2011، لينقل إلى وجدة المغربية، حيث تلقى هناك الإسعافات الأولية، ثم بعدها إلى الدار البيضاء لمواصلة فترة النقاهة. وبخروج الاستدمار الفرنسي من بلادنا في 1962، زاول الفقيد نشاطه السياسي حيث انتخب في 1966 رئيسا لبلدية بوتليلس، ليفكر بعدها في كيفية الاهتمام بانشغالات كبار معطوبي حرب التحرير وأوضاعهم الصحية والنفسية المزرية، ليهتدي مع ثلة من زملائه إلى تكوين جمعية يوم 7 ماي 1991 حملت اسم الجمعية الوطنية لكبار معطوبي حرب التحرير، ومنذ سنة 1992 وهو رئيس لهذه المنظمة إلى أن وافته المنية أمس الإثنين بعد صراع مع مرض العضال. هذا وسادت أمس أجواء من الحزن والأسى على رحيل هذا الرجل الثوري والشخصية الوطنية، حيث أكد لنا الكثير من المجاهدين من كبار معطوبي حرب التحرير، أن الفقيد قدم خدمات جليلة للأسرة الثورية بصفة عامة والمعطوبين بصفة خاصة، كما تلقى ابنه بوحفصي مراد العديد من الاتصالات ورسائل التعزية من قبل العديد من المسؤولين وممثلي الكثير من المنظمات الثورية في الجزائر، للتعبير عن تضامنهم ومواساتهم مع عائلة الفقيد. رئيس الجمهورية يشيد بشجاعة وصبر الفقيد أثناء الثورة التحريرية هذا وبعث رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة برقية تعزية إلى أسرة المجاهد محمد بوحفصي أشاد من خلالها بشجاعته و صبره إبان الثورة التحريرية. وجاء في برقية التعزية "بلغني بعميق الأسى نبأ وفاة المجاهد ورئيس جمعية كبار معطوبي حرب التحرير المباركة, المغفور له بإذنه تعالى محمد بوحفصي, عطر المولى ثراه وأسكنه رحاب جناته مع من ارتضاهم إلى جواره ممن سبقوه من الشهداء والمجاهدين". وأضاف رئيس الجمهورية مؤكدا "إنه لخطب جلل أن يرحل واحدا من رعيل نوفمبر الذي افتدى بشبابه عزة الوطن وسؤدده, ونازل جحافل المحتل بصبر وشجاعة وثبات, وقد نالت منه أسلحة العدو فبترت جزءا من جسده, ولكنه تسامي على آلامه بالصبر وإيثاره الوطن عن نفسه, وتلك لعمري هي شيم الرجال على ما عاهدوا الله عليه". وذكر الرئيس بوتفليقة بمسار الفقيد أثناء سنوات الكفاح وعقب الاستقلال حيث أكد أنه "و كما كان المرحوم في جبهات الوغى يتقدم الصفوف, ظل في مرحلة بناء الدولة الوطنية بعد الإستقلال شهما مخلصا لقيم وطنه منافحا عن أمانة الشهداء, ومدافعا عن فئة النساء والرجال الذين نالوا شرف الإفتداء بالعديد من أعضاء أجسادهم وأقصد بهم كبار معطوبي حرب التحرير الظافرة"(...).