الحمد لله و الصلاة والسلام على رسول الله و على آله و صحبه و من ولاه أما بعد: تكلمنا في المقال السابق عن الغضب و ما يجر لصاحبه من خزي و بلاء، قد يصل في بعض الأحيان ليذهب عنه لذة العبادة و أجرها، و المؤمن لا ينفك طالبا للعبادة بغية الأجر و الثواب، ومتى ذهب الثواب ذهبت معه لذة التمتع بالطاعة، تلك الطاعة التي ينبغي الإجتهاد فيها و حمايتها من كل ما ينقصها أو يحبطها، ومن هنا ينبغي لكل مؤمن أن يحذر من الذنوب والآثام صغيرها وكبيرها، فإنها بئس زاد المرء يقدم به على ربه،وهي سبب كل شر وداء في الدنيا والآخرة،ومن شؤمها وسوء عاقبتها أن منها ما يحبط العمل ويبطل السعي ويبدد الجهد ولهذا الله تعالى أمر المؤمنين بطاعة الله ورسوله ونهاهم عن إبطال أعمالهم بمعصية الله ورسوله فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ﴾. إن من المعاصي من يعاقب مرتكبها عاجلا، ومنها من يعاقب آجلا، ومنها من يكون العقاب بها في الدنيا والآخرة،وإن من المعاصي والذنوب من توبق الدنيا والآخرة،وإن منها من تُبطلُ الأعمال وتُذهبُ السعي، ولئن كانت التوبة تجب وتمحو ما قبلها،فإن بعض الذنوب تبطل ما قبلها من الطاعات،وتحبط ما كان من أعمال، وهذا أمر خطير جدا ينبغي على كل مسلم أن يعرف هذه المحبطات لتمكن من اجتنابها والبعد عنها. إن من أعظم ما يبطل الأعمال ويحبطها بالكلية، الارتداد عن دين الله،والكفر بعد الإيمان قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾وقال سبحانه:﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾وقال جل وعلا عن أعمال الكفار والمكذبين:﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾. والارتداد عن دين الله تعالى والكفر بالله جل وعلا يكون بأمور عديدة منها: الشرك بالله تعالى، و الشرك لا تنفع معه حسنة كما قال الله تعالى:﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ﴾بل إن الله جل وعلا خاطب نبيه عليه الصلاة والسلام قائلا:﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. والشرك الذي يحبط العمل بالكلية، أن تجعل لله نداً وهو خلقك وذلك بأن تصرف العبادة أو نوعاً منها لغير الله تعالى كأن تحب غير الله أو تحب معه غيره أو تعظم غير الله أو تتوكل على غيره أو تدعو غيره أو تذبح لغيره أو تنذر لغيره أو تطيع غيره في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله تعالى.ومن الشرك المحبط للعمل اعتقاد العبد النفع والضر بغير الله تعالى وأن غيره سبحانه قادر على جلب المنافع ودفع المضار استقلالاً. ومن الشرك أيضاً جحد شيء من أسمائه وصفاته نعوذ بالله من ذلك. ومن الذنوب التي تحبط الأعمال، بغض شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ فمن كره تحريم الربا أو وجوب الصلاة مثلاً فقد حبط عمله،ومما يحبط الأعمال أيضا الاستهزاء بشيء من دين الله تعالى أو ثوابه أو عقابه أو ما يتعلق بذلك قال الله تعالى:﴿قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ ومنها جحد شيء مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم. ومنها سب الله تعالى أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإن هذه الأمور مما تكفر صاحبها وتحبط طاعته نعوذ بالله من ذلك. ومما يحبط أعمال العاملين ويخيب سعيهم الرياء في العمل وهو أن يطلب العبد بعمله ثناء الناس ومدحهم وذكرهم قال الله تعالى في حق المرائين بنفاقهم:﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ وفي حديث أبي أمامة قال:جاء رجل فقال:يا رسول الله أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال:لاشيء له.فأعاده عليه ثلاثاً كل ذلك يقول:لاشيء له. ثم قال:(إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه). ومما يحبط العمل ويجعله هباء منثوراً انتهاك حرمات الله تعالى في الخلوات روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن ثوبان رضي الله عنه مرفوعاً:(لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً يجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل ما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). ومما يبطل العمل المن والأذى بالطاعات قال تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى﴾ فمَنْ مَنَّ بصدقته وطاعته فقد حبط عمله وخاب سعيه وأوجب ذلك عقوبته فعن أبي ذر مرفوعاً:(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم)كررها ثلاثاً قال أبو ذر: خابوا وخسروا من هم يا رسول الله؟ قال:(المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) مما يحبط العمل ترك الصلاة المفروضة فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) قال صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقد جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من ترك صلاة العصر حبط عمله).وإن مما يحبط العمل ويفسد السعي التألي على الله تعالى المصاحب للعجب فعن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان وإن الله تعالى قال:(من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟ قد غفرت لفلان وأحبطت عملك). ومما يحبط العمل التعامل بالربا واستدلوا لذلك بما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لما أخبرت بأن زيد بن أرقم باع عبداً بثمانمائة نسيئة واشتراه بستمائة نقداً قالت للتي أخبرتها: أبلغي زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب. هذه بعض مبطلات الأعمال فاحذر أن تأتي واحدة منها فتكون من الخاسرين .. و حافظ على عبادتك فما في الدنيا أعز من عمل تبتغي به مرضاة ربك، تجده يوم القيامة في ميزان حسناتك.