تم مساء أمس بالمسرح الجهوي عبد القادر علولة، عرض مسرحية "بهيجة" للمخرج زياني شريف عياد، عن نص أرزقي ملال المقتبس من رواية "من دون حجاب ومن دون ندم" لليلى عسلاوي. هذا العمل الدرامي المثير، يروي قصة أم وزوجة خلال العشرية السوداء، ألبست قسرا الجلباب الأسود، حيث تنقلت الأخيرة تنقلت إلى فرنسا للقاء ابنتها نورية التي تزوجت بالفرنسي توما، سيرا على درب عمتها المجاهدة (تحمل نفس الاسم نورية) والتي ارتبطت هي الأخرى بالفرنسي باتريك، وذات يوم وبينما هي في شوارع باريس تصلها رسالة من ابنها الذي انقطعت أخباره في أوروبا، يعلمها أنه سخر نفسه وحياته لمحاربة ما سماهم بالكفار في الأرض وأعداء الله. وفي المشهد الذي أثار إعجاب الحاضرين، الذين توافدوا على ركح عبد القادر علولة، حاول صاحب المسرحية، تقريب المشاهد من الأسى والمعاناة التي واجهت بهيجة، التي وبجلبابها الأسود الذي لم تظهر منه إلا أعينها التعيسة، مبرزا ومجسدا معاناة هذه المرأة الجزائرية، التي وجدت نفسها أسيرة للخطاب الديني المتعصب، الذي تنامى وعشش نهاية سنوات الثمانينات وبداية التسعينات، لتروي في حبكة فنية متميزة، ما كابدته من ويلات جراء تقييد وتراجع هامش حريتها، حيث حاول المخرج بطريقة فنية راقية، تمرير عدة رسائل منها إدانة هذا الجلباب الأسود واتخاذه رمزا للقمع والأسر، لينحاز بشكل كلي لفكرة النص الأصلي حين جسده ركحيا، ولم يتخذ عناء تلطيف ذلك الاتجاه، والخروج من دلالة أن لباس المرأة الشرعي ليس بالضرورة تقييد لحرياتها، من هذا المنطلق اتكأت المسرحية بشكل كلي على النص، وحوار الشخصيات خلال ما يقارب الساعة من عمر العمل. العمل الذي أنتجه المسرح الوطني الجزائري رفقة مسرح القوسطو، رافع للمرأة الجزائرية التي وجدت نفسها ضعيفة وخائرة القوى، في مجتمع غرق في العنف والقسوة والغلظة نتيجة التعصب والتطرف الديني، وفرقته الخلافات السياسية والعقائدية السلبية والمشينة، ووسط ديكور طغى عليه الأسود وإضاءة طفيفة، تأزمت الأحداث ومعها حياة بهيجة، لتصل إلى حد تساءلت فيه، هل هناك أمل، وفرصة حتى تزول هذه السحب السوداء المليئة بالحزن والفتنة والظلامية. مسلطة الضوء على تجار الدين، الذين تباينت مواقفهم بتغير المصالح، ووفقا لترمومتر المال والمادة. وحاول مخرج المسرحية، من خلال هذا العمل إسماع صرخة "بهيجة" المدينة للإرهاب، الذي يحكم على أي بلد يحل فيه، بتحول إيديولوجي مميت، يكرس الإقصاء والبربرية، لتستبدل الحياة بالموت ويتحول العنف بديلا عن الحكمة والتعقل، مبرزا من خلال هذا العمل ضرورة الاحتراس من هذه التركيبة ذات الإيديولوجية الرجعية المتخلفة والإرهابية، مع العمل على تجفيف منابعها ومحاربتها، لاسيما وأنها لا تضر فقط المهمشين والفقراء، بل تطال حتى ميسوري الحال والمثقفين والعائلات التي تربت على التسامح وفق القيم الإنسانية الحقيقية الوسطية يجدر الذكر أنه في هذه المسرحية، رافق الفنانة نضال التي لعبت دور "بهيجة"، في تجسيد الشخصيات كل من نسرين بلحاج، عباس إسلام، ومراد أوجيت، أما السينوغرافيا فأشرف عليها أرزقي العربي، مع إضاءة مختار موفق.