شارلي سوساي...العازف و المواطن منحازٌ في جوهره إلى الزمن الأول ... قيمة مجازية ترفعه إلى ما فوق الواقع العادي، يتحالف مع تأملاته كي يرتقي إلى درجة الإنسان الحقيقي... يتعامل مع الفن بحساسية العارف بمكنونات الشيء ، يستثمر جزالة اللحن فما تزال التفعيلات التي بدأ بها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن تقاوم في بلد معروف بفنه و ثقافته كفرنسا التي يصعب فيها نيل الفرص ... مشاكل إنتاجية و توزيعية و احتضان افتقد إليها صوته منذ البداية و لا يزال بعضها قائم إلى حد اللحظة التي تقرأون فيها عن الفنان الفرنسي الكلاسيكي . شارلي سوساي ... هو رجل مجنون لا يتردد في الإعلان عن أنه عجوز غدر به الزمن و تعاقبت على خضرمته الأجيال الكثيرة لكنه ظل متمسكا بمبادئ لا يمكن لها أن تهوى من على جبينه ، حين اعتمد بكل وضوح ألا تنازل يستحقه الوصول إلى القمة ...(وجب الوصول كما أنا ...كما كنتُ ... ذهبتُ الى أين شئتُ و لم أنسَ يوما من أين جئتُ ، ما زال مصّرا على أن الأغنية هي نص بالدرجة الأولى و أن الهيب هوب في زمن الصخب ... زمن كالغيمة، شريطة أن تمر دون أن تمطر ،يتجنب بهذا التهويم الغنائي ... يتجاوز كل ما يعرقل فنا يمشي على أرض الواقع ... فنان بعمر الألف تنوعّ و كأنه صنوبرة صامدة في صمت ... لا نحتاج إلى تدقيق عندما نطلع على ماضيه الفنيّ و نندهش حين نلمّ به عن سرّ إحباطه الكبير و شجنه و هروبه إلى ما خلف المدائن هائما .... شارلي المعروف بمعزوفته الشهيرة " لوسيتوايان" , له أكثر من موهبة تضاهي زمنا من العطاء , رفيق درب لبرال و ازنافور و غيرهم من أيقونات الوله الهادئة ... مفتون بالإيقاعات الارستقراطية كأنه خلق كي يكون ملكا على عروش النوتات ... يلتقي العالم بين شفاهه حين يغني بحميمية عذبة وينصهر التضاد و يرتفع حلم التعساء مقاوما بأظافره، بكل ما أوتيَ الوهن من قوة ... بحركات مطلقة كثيفة متتابعة تلقي بما في جعبته داخل صالة العرض ثم ينتهي كل شيء ... ! يرى أن الأغنية الفرنسية تطورت كثيرا ... أدخل عليها الكثير من الجديد ، من الأشياء و البشر ... بعيدة هي عنه أحيانا، يعتبرها غريبة ... مهولة بضعف نصها ... لا تحمل وجه بلاده الممتلئ ... يقول:"أنا العازف و المواطن ... انتمي إلى الأشقياء ،من هم على هذه الأرض مثلي ...لا أجد من هو مثلي ... الفن يتغير عندما يتغير المجتمع لكنه في نظري حديثا صعودٌ نحو الهاوية ،نحو منحدر عميق نصفق له جميعنا دون الإدراك : أين سوف نقبع يوما ....! يحلم بالعودة إلى الزمن الجميل و يراها كلما يجوب شوارع باريس و يصادف أجيالا من أولئك الذين فجرتهم أغاني الستينيات بشغفها الرهيب... يستفزه الترزق من الفن و يعتبر أن الفنانين الحقيقيين هم من قتلهم الفن و أفقرهم لحاجته و ليس العكس . .. يقول :"لا يمكن للكاتب ، أو الفنان أو الشاعر أن ينظر إلى حقيقة يجسدها من وراء زجاج ليموزين أو من على السجادة الحمراء بعد تكريمات كاذبة في مهرجانات أبلغ من فيها هو مجرد راكب للموجة , لا يختلف كثيرا عن تجارة الجسد أو الدين أو التلاعب بالمقدسات الأزلية ..."يتبع