ما الفرق بين الاستهلاك،الحيازة وترويج المخدرات؟ بالرجوع إلى النصوص القانونية دائما سواء قانون العقوبات المعدل بالقانون 06-23 في نص المادة 22 أو بالقانون 04-10 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها الصادر سنة 2004 في المواد المشار إليها أعلاه، أو في نصوص قانون حماية الصحة وترقيتها 08-13 نجد أن المشرع ميز بين حالة التعاطي التي تخص الحيازة والاستهلاك الشخصي وقد طرحت في شأنه معاملة متراوحة بين الوقاية بالمعالجة ومن خلال اتخاذ تدابير الأمن بإصدار أمر أو حكم بالوضع القضائي في مؤسسة علاجية لشخص مصاب بإدمان اعتيادي ناتج عن تعاطي مخدرات أو مؤثرات عقلية ، إذا بدا أن السلوك الإجرامي للمعني مرتبط بالإدمان. والمسألة لا تتأكد إلا بشرط يؤكده الفحص الطبي ، مع ذلك وكما ناقشنا المسألة قبل حين فقد عالج المشرع القضية بكيفية مناقضة تماما للأسلوب الوقائي بفرض المتابعة الجزائية وإصدار عقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية ، ليبقى التساؤل عن وضعية الأشخاص محل المعالجة من الإدمان والذين تم ضبطهم، لأن النص يقول بأنه لا تمارس الدعوى العمومية ضد الأشخاص الذين امتثلوا للعلاج الطبي الذي وصف لهم لإزالة التسمم . بذلك تكون ضرورة الموازنة بين نصي المادة 7 و12 من القانون المذكور 04-10 أعلاه بمراعاة وترجيح العلاج بدلا عن العقاب ليس في مواجهة الجميع، بل نقصد بهذا شريحة بعينها تتطلب الحماية والعناية بالأخص لحديثي العهد بالإدمان من الأحداث ضمن سياسة للتوعية والوقاية بدل العقاب إذا ثبت ذلك بطبيعة الحال بالخبرة الطبية . أما الترويج والمتاجرة فقد كان المشرع، كما هو حال قواعد الاتفاقيات الدولية حازما بتشديد العقوبة للحد من الظاهرة لأن خطرها أكبر على المجتمع والاقتصاد معا.
مقارنة بالتشريعات العربية والدولية هل العقوبات الجزائية أكثر صرامة ؟
واقع الحال أن لكل نظام قانوني ظروفه المحيطة به وواقعه الذي يدفع به إلى اتخاذ التدابير المناسبة والتي من شأنها الحد من ظاهرة المخدرات، وان كانت الاتفاقيات الدولية سعت إلى تقريب آليات الوقاية والمكافحة، لكن يبقى الخطر متراوح الدرجة مقارنة بتلك الدول التي تعد مصدر إنتاج وترويج وتلك الدول التي تعد مناطق عبور للسموم، وبين تلك التي تعد مستهدفة في شبابها واقتصادها لتتخذ الأخيرة أقصى التدابير المتاحة والمبررة من أساليب الوقاية والمكافحة.
لماذا الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف مجالس قضاء الجزائر يوميا بسجن مروجي المخدرات لفترات طويلة لم تحد من الظاهرة ولم تردع المتورطين فيها؟
لا يمكن الجزم بأن الدور العقابي وما تبدله الدولة من مجهودات لم يحقق نتائجه، لأن العمليات التي تقوم بها كافة الأسلاك الأمنية سواء من شرطة أو درك أو جمارك تطيح بشبكات لها امتداداتها الإقليمية والأرقام التي تسجل سنويا تدل على أن مجهود معتبر يبدل ، لكن على الجميع أن يتجند لفعل المكافحة ووضع مصادر الإمداد بهذه السموم أمام أمرر الواقع، بالأخص حينما تكون هنالك اتفاقيات دولية تحظر المتاجرة غير المشروعة بالمخدرات ولنا في تصريح وزير الخارجية السيد عبد القادر مساهل شاهدا على خطورة الظاهرة التي تقف ورائها هيئات داعمة وان لم تكن كذلك فإنها لم تحرك ساكنا للقيام بواجبها في اجتثاث الظاهرة من المنبع بمنع زراعة هذه السموم وترويجها باعتبارها تجارة تذر أرباحا على أصحابها ، لهذا لا بد من التأكيد على أهمية التنسيق الدولي لتفعيل المكافحة حتى تحقق نتائجها المرجوة.
5-بصفتكم مختص في القانون هل من مقاربة عقابية جديدة تكون أكثر فعالية في ردع تجار السموم؟
إن موضوع المخدرات من أعقد القضايا التي تفتك بالمجتمعات أفرادا وجماعات وباقتصادياتها، لذلك توجب أن يكون هنالك تبني لسياسة محكمة تعتمد وسيلة الردع كما وسيلة الوقاية بحسب خطورة الأفعال وأثارها ، لأنه نجد من مفارقة عملية التصدي الانحياز إلى أسلوب الوقاية والعلاج الظاهر من خلال النصوص القانونية نفسها بالاعتماد على القانون 04-10 الذي يغلب على نصوص مواده جانب الوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية، في حين أن نصوص الأمر الملغى كان يستهدف التصدي للظاهرة بالقمع ونقصد بذلك الأمر 75-09 المتضمن قمع الاتجار والاستهلاك المحظورين للمواد والمخدرات. وليتحقق التوازن بين طريقتي المكافحة توجب إشراك جميع الفاعلين في هيئات الدولة من تربويين وجامعيين من خلال دراسات بأرقام تدق ناقوس الخطر عن تنامي بل وتفشي ظاهرة تعاطي المخدرات في المؤسسات التربوية والتعليمية وتقديم الجانب الإحصائي لما لذلك من خطورة على المنظومة الاجتماعية ولفت أنظار السلطات العمومية للتدخل المناسب بالطرق المتاحة ، ودور أخر تقوم به أجهزة القضاء بكل أسلاكه بغرض التدخل وإيجاد أنسب الحلول إن لم يكن للقضاء على الظاهرة بسلبياتها على الأقل الحد من مخاطرها.
6-ماهي اقتراحاتكم في هذا الشأن ؟ الاقتراحات على عمومها تصب في تجاه محاربة ظاهرة المخدرات بتجفيف منابعها من خلال التركيز على التجار الكبار وبارونات التمويل والمتاجرة بتنسيق بين مختلف القطاعات البنكية، الجمركية والضريبية، وكذا الأمنية الوطنية والدولية منها الأنتربول في عمليات التحقيق والمراقبة وتطوير آلية الاستعلام المالي حول الأموال المشتبه بها أنها محصلة من تجارة المخدرات، وكذا غلق بإحكام المنافذ التي تعبر منها السموم بالتنسيق الدولي مع الهيئات الدولية وجعلها شريكا للضغط على الهيئات الراعية والتي تحتضن زراعة المخدرات والتجارة بها والتي تجعل منها موردا مربحا يعود عليها بأموال طائلة. عملية لا تحقق نتائجها إلا من خلال التفعيل الميداني للقانون المتعلق بتبييض الأموال وسبل مكافحته 05-01 الصادر في 06-02-2005، وضرورة التنسيق الدولي لأنها أصبحت تجارة عابرة للحدود. هذا في الجانب المتعلق بالمخدر، أما المواد الأخرى الصيدلانية والتي قد تستعمل لنفس الأغراض لترويج الإدمان ، فانه يرجى اتخاذ التدابير الضرورية لتشديد الرقابة على مواد لا تقل خطورة وتكون سبيلا للانتقال من مخدر بشتى أصنافه إلى أخر تحت مسمى مختلف، الا أنه مخدر تحت غطاء الوصفة الطبية لغير مستحقيها أو محتاجيها. كما لاننسى أمر أخر لايقل أهمية بنشر الوعي بضرورة حماية المبلغين عند تواصلهم بالسلطات القضائية على هذا النوع من الجرائم. ما الذين تعيبونه عن المنظومة العقابية الحالية في هذا الجانب؟ -7 لا يمكن تحميل المنظومة العقابية لوحدها فشل سياسة مكافحة ظاهرة تفشي السموم التي تفتك بالأفراد واقتصاد البلد، لأن المسألة تعني الجميع بضرورة التصدي لها بدأ من الأسرة، إلى المدرسة إلى وسائل الإعلام من خلال واجب التوعية والتنبيه إلى مخاطرها، بل وأحيانا إلى مآسيها، والأمر لا يتوقف عند حدود المخدرات بل يشمل حتى باقي السموم الأخرى التي تغاضى عنها المشرع ونقصد بها تحديدا المشروبات الكحولية ألم ينطبق عليها وصف أم الخبائث ! فهي تعد حلقة وصل واتصال بعالم المخدرات من خلال التراخيص التي تمنح للحانات في تجارتها وتعاطيها .