هناك شبه إجماع لدى المؤرخين و الباحثين في تاريخ الثورة الجزائرية , على أن هذه الثورة الشعبية بامتياز , راهنت منذ اندلاعها على البعد الدولي الذي اشتمل على ثلاثة أهداف مقابل هدفين للبعد الداخلي , حيث نص بيان أول نوفمبر على تدويل القضية الجزائرية ؛ تحقيق وحدة شمال إفريقيا في إطارها العربي الإسلامي ؛ و تأكيد عطفها الفعال تجاه جميع الأمم التي تساند قضيتنا التحريرية في إطار ميثاق الأممالمتحدة. و هذا التوجه أكدته ذات الوثيقة عندما حددت المهمتين الأساسيتين لجبهة التحرير الوطني ,الأولى داخلية ؛تتمثل في العمل السياسي و الكفاح المسلح .و الثانية خارجية؛ و تسعى إلى "جعل القضية الجزائرية حقيقة واقعة في العالم كله و ذلك بمساندة كل حلفائنا الطبيعيين" . و هكذا لم يمر سوى اقل من 6 أشهر عن إعلان بيان نوفمبر و اندلاع الثورة , حتى جاء انعقاد مؤتمر باندونغ في الفترة الممتدة بين 18 و 25 أفريل 1955 باندونيسيا , ليمنح جبهة التحرير الوطني فرصة ذهبية لوضع أهدافها الخارجية موضع التنفيذ , فأوفدت ممثلين لها لحضور أشغال هذا المحفل الدولي كملاحظين إلى جانب ممثلين عن المغرب وتونس وقبرص و فلسطين , بعد أن أصر رئيس الوزراء الهندي نهرو أن يقتصر التمثيل الرسمي للدول الأسيوية الإفريقية المستقلة لضمان تأثير القرارات الصادرة عن المؤتمر الذي شارك فيه 600 مندوب يمثلون 29 دولة وهي ( الهند , باكستان , سيريلانكا ,برمانيا , أندونيسيا , أفغانستان , إيران , الفلبين, تركيا, تايلاند, العربية السعودية , و العراق, الأردن, لبنان ,سوريا ,اليمن,مصر,السودان , ليبيا , ليبيريا,إثيوبيا,غانا,كمبوديا,الصين,اليابان,لاووس ,النيبال و الفيتنام ).أما حركات التحرر فتمثلت وفودها في بلدان المغرب العربي الثلاث و قبرص و فلسطين. كما حضره حوالي 400 صحفي لتغطية وقائعه التي دامت أسبوعا كاملا . وهي المدة التي كانت بمثابة دورة تكوينية ميدانية لأعضاء الوفد الجزائري في مجال العلاقات الدبلوماسية بين دول يوحدها العداء للاستعمار, و تختلف في مواقفها من الغرب و الشيوعية . كلمات تردد صداها في كواليس المؤتمر و قد كان كل من محمد يزيد و حسين أيت أحمد موفدا جبهة التحرير إلى هذا المؤتمر ,في مستوى المهمة الموكلة لهما , حيث حرصا على إيصال القضية الجزائرية إلى كل المشاركين عبر المطبوعات و المناشير و المذكرات الموزعة على الحضور من رؤساء الوفود و البعثات الصحفية , أو من خلال المناورات الديبلوماسية التي برعا فيها و من ذلك أن محمد يزيد قام بإقناع المسؤول المكلف بتقديم التعريف بالوفود المشاركة في المؤتمر أن يردد ذكر اسم "الجزائر كل نصف ساعة" واستدعاء وفدها حتى يسمع اسم بلادنا في هذا المحفل وتترسخ حروفه في عقول من حضر اللقاء. و كان رحمه الله أحد أبرز قادة جبهة التحرير الوطني التي خاضت الحرب ضد فرنسا الاستعمارية، وكان أيضا أحد أعضاء الوفد الجزائري المشارك في المفاوضات مع الفرنسيين قبل أن تتوج تلك المحادثات باتفاقيات ايفيان. ويعد يزيد أول مؤسس لوكالة الأنباء الجزائرية سنة 1961وتقلد منصب وزير الأخبار في الحكومة الجزائرية المؤقتة والناطق الرسمي لها بين58و 62. و عن حنكته الدبلوماسية ذكر المرحوم عبد الحميد مهري عنه "أن امحمد يزيد كان يتمتع بقدرات "أكيدة" في مجال تسيير المناورات السياسية و الدبلوماسية. و ذكر على سبيل المثال بمشروع مذكرة قدمته جبهة التحرير الوطني و البلدان الصديقة للجمعية العامة لمنظمة الأممالمتحدة و التي تم تعديله من طرف فرنسا . و أضاف أن " يزيد طلب من البلدان الصديقة للثورة الجزائرية التصويت ضد مذكرته مما فاجأ ممثلي فرنسا الذين اعتقدوا أنهم انتصروا عليه". و أضاف أن يزيد كان بمثابة "مرجع" في العمل الدبلوماسي خلال فترة الكفاح من أجل استقلال الجزائر . و من ذلك أيضا حسب المطلعين على نشاطه الدبلوماسي " أنه تمكن من إقامة علاقات سياسيين أجانب إلى حد ضم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي إلى مناصري القضية الجزائرية". ممثلا الجزائر في لجنة الكبار و كان المرحوم حسين آيت أحمد في مؤتمر باندونغ لا يقل عنه نشاطا حيث تمكنا معا من فرض نفسيهما على اللجنة السياسية للمؤتمر إلى جانب زعماء العالم الثالث آنذاك ؛ جمال عبد الناصر ,و نهرو و شووانلاي . و بالتالي تمرير موقف جبهة التحرير في قرارات المؤتمر , و في مقدمتها الاعتراف للشعب الجزائري بحقه في تقرير المصير و بالحرية و الاستقلال في التصرف في شؤون بلاده , إلى جانب الاعتراف بالجبهة كممثل شرعي وحيد للحركة الوطنية الجزائرية , غلقا لباب ازدواجية التمثيل لهذه الحركة في المؤتمر الذي شارك فيه أيضا ممثل عن مصالي الحاج تحت مظلة مكتب المغرب العربي في القاهرة . و لذا يعتبر المؤرخون مؤتمر باندونغ بمثابة شهادة ميلاد لدبلوماسية جبهة التحرير الوطني . حيث سجلت الجبهة بمشاركتها للمؤتمر أول انتصار دولي لها ، فكانت على اتصال مع 29 بلد آفرو-أسيوي عبرت وفودها عن مساندة القضية الجزائرية ماديا وسياسيا.مما مهد الطريق نحو تدويل القضية الجزائرية , أحد أهم أهداف الجبهة على المستوى الخارجي . إذ بعد مرور ثلاثة أشهر من انعقاد مؤتمر باندونغ و بالضبط في 29 جويلية 1955 تقدمت 14 دولة مشاركة في هذا المؤتمر من أصل 29 برسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تطالب من خلالها إدراج القضية الجزائرية في الدورة العاشرة للجمعية العامة المنعقدة في سبتمبر 1955. و هو المطلب الذي عارضته بطبيعة الحال فرنسا و شنت ضده حملة دبلوماسية شعواء أدت إلى تأجيل طرح القضية الجزائرية على الجمعية العامة للأمم المتحدة للدورة ال11 المنعقدة سنة 1956 . ومن باندونغ ارتفع صوت الجزائر في كل الاجتماعات والمؤتمرات والتظاهرات العالمية , لفك العزلة التي فرضها الاستعمار الفرنسي على الشعب الجزائري طيلة القرن وربع القرن , لتحطيم خرافة الجزائر الفرنسية ،و الادعاء بأنها جزء لا يتجزأ من فرنسا , و أن قضيتها شأن فرنسي داخلي ...و هو الوهم الاستعماري الذي بدده طرح القضية الجزائرية على كل دورات الجمعية العامة الأممية التي تلت مؤتمر باندونغ الذي يقول عنه أحد الدبلوماسيي الجزائر المستقلة السفير مصطفى بوطوره في محاضرة له حول دبلوماسية الثورة :"لقد اكتسى مؤتمر باندونغ أهمية قصوى للجزائر حيث اعتبره الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأنه كان بمثابة أول نوفمبر جديد على المستوى الدولي وهو بحق كذلك، حيث أصدر بيانا أكد فيه حق الشعب الجزائري في تقرير المصير والاستقلال والأمر ذاته بالنسبة للمغرب وتونس، و كان بالتالي البوابة الأولى لتدويل القضية الجزائرية وبذل الجهود الجبارة لكسب التأييد لها والتعاطف معها ونتيجة لبيان هذا المؤتمر، وبجهود خارقة للعادة قام بها دبلوماسيو الثورة طرحت قضية الجزائر في شهر جويليه 1955 على الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها ال10 من طرف مجموعة دول أفر- آسياوية، ولكن لم يقبل تسجيلها رسميا، بعد انسحاب الوفد الفرنسي بحجة ان قضية الجزائر هي مسألة داخلية لفرنسا، ورغم عدم تسجيل القضية رسميا إلا أنها حظيت باهتمام كبير من طرف الوفود الدولية المشاركة، وشكل هذا الزخم انتصارا للقضية ولدبلوماسية الثورة وكانت خطوة مهمة بنى عليها أبطال دبلوماسية الثورة مدعومين بالأشقاء و الأصدقاء لخوض معارك كثيرة، إلى أن كللت جهودهم المباركة بتسجيل القضية رسميا على جدول الجمعية العامة ويمكن القول أن القضية كانت تحت الملاحظة والنضج في دورات الجمعية العامة اللاحقة ولا سيما منذ الدورتين الثالثة عشر والرابعة عشرة لعامي 1957، 1958 حيث بدأ يتبلور الاتجاه نحو تأكيد مسؤولية الاممالمتحدة في قضية الجزائر لا سيما بعد تسجيلها رسميا وخلال الدورتين الخامسة عشرة والسادسة عشرة لعامي 1960، 1961 تم تأكيد مسؤولية الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايجاد حل للقضية يمكن الشعب الجزائري من تقرير مصيره". و قد تواصل هذا التميز للدبلوماسية الثورة , بخوض مفاوضات إيفيان و ما سبقها بدعم الانتصارات العسكرية في ساحات المعارك و الانتصارات السياسية و الإعلامية في ساحات السجالات الدولية , إلى غاية فرض تسليم سلطات الاستعمار بحق الشعب الجزائري في تقرير المصير و اضطراره إلى طلب وقف إطلاق النار ابتداء من 19 مارس 1962 , الذي أنهى استعمارا استطانيا بغيضا دام 132 عاما . بعد نصف قرن من الاستقلال , الجزائر تتسلم وثائق مؤتمر باندونغ للإشارة , فإن الجزائر حصلت على أرشيف مؤتمر باندونغ بعد 50 عاما من الاستقلال بمبادرة من جمهورية أندونيسيا حيث تسلمت مؤسسة الارشيف الوطني الجزائري في 2012 و ثائق تاريخية حول المؤتمر ,خلال ندوة علمية نظمت بعنوان "خمسون سنة من العلاقات الدبلوماسية الجزائرية و آفاق تطويرها المستقبلية" بمبادرة من سفارة اندونيسيا بالتعاون مع الارشيف الوطني وذلك بمناسبة الذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية . وتضمنت الوثائق المسلمة الى الجزائر قرصا مضغوطا ونسخة مطبوعة لوثائق وصور تؤرخ لانعقاد مؤتمر باندونغ.