رغم قلة أعماله التي قدمها للمسرح إلا أن اسمه يذكره الجميع والجميع يتذكر أعماله .. من الأسماء المتميزة في حركة المسرح في الجزائر، .له رؤيته الخاصة ، كما أن له أسلوبه الخاص في الإخراج، استطاع في فترة قصيرة إثبات قدراته وتأكيد رؤيته وتميزه ، رحل عن عالمنا واسمه يحمله الآن أحد المسارح الجهوية .. أعني المخرج عبد المالك بوقرموح ابن " ايفري ازلاغن " ، شهد النور وأطلق صرخة الحياة فيها سنة 1946 ، فيها عاش طفولته، تشبّع بروحها بعاداتها بثقافتها الشعبية ، وفيها بدأ فكّ الحروف ثم انتقل إلى سطيف ، ليواصل رحلة التعليم وتحصيل المعرفة واكتشاف عالم آخر غير قريته .بعدها كانت الجزائر العاصمة ومرحلة التعليم العالي. وعالم يختلف عن قريته " ازلاغن " عن سطيف. طموحه كان كبيرا ، لقد كان أكبر من شهادة التعليم العالي.، فكانت الرحلة إلى الخارج بحثا عن المزيد من العلم والمعرفة ، كانت رحلة إلى الاتحاد السوفياتي سابقا، حيث اختار دراسة الفنون الدرامية رحلة طويلة من الجزائر إلى موسكو. في موسكو درس فن المسرح على يد فنانين كبار وتفتحت مداركه وتعمقت معلوماته وتجذرت خبرته، اختار تخصص الإخراج فكان له ذلك ، ليتخرج سنة1973 ، ومن ثمّة عاد إلى الجزائر ليبدأ رحلة العمل، بدأت رحلته من المركز الثقافي بالعاصمة أين عمل على تكوين الشباب الراغب في دخول عالم المسرح ودنياه العجيبة ، و مع الشباب في هذا المركز كانت أولى تجاربه في الإخراج و " كان يا مكان" هو أول عمل له ،ثم بعدها " القرار" عن نص لبرتولد بريخت، وهنا بدأ الوسط المسرحي في ترديد اسمه والحديث عنه وعن أسلوبه. في سنة1878 منحت له فرصة في مسرح عنابة الجهوي ، وكان يومها سليمان بن عيسي هو مديره ، قدم مع مسرح عنابة نصا من المسرح السوفياتي وهو " المحقور" الذي كان أول إخراج له غي عالم الاحتراف، نجح العمل وجلب الأنظار أكثر لبوقرموح،ولكن قيل بعدها أن بوقرموح لم يتخلص من تأثير سنوات الدراسة عليه، إلا أن الأمر طبيعي، فهو قد درس هناك وقرأ، و أكثر ما قرأ هي أعمال من المسرح الروسي . من عنابة انتقل إلى بجاية مدينته، ومع مسرح بجاية قدم مسرحية " حزام الغولة" المأخوذة من نص سوفياتي، أعتقد أنه "دائرة التربيع" للكاتب" اندريه كتاييف"، وقد جزأره عمر فطموش، أما " حزام الغولة" هو العمل الذي عرف به بوقرموح أكثر في الوسط المسرحي، وبه شارك مسرح بجاية في مهرجان المسرح المحترف سنة 1986. كان " حزام الغولة" عرضا متميزا ، حيث أبان بوقرموح عن توجهه وأسلوبه الذي يسلك مسلك الواقعية العبثية، وكان موضوع العمل من المواضيع التي تطرح لأول مرة في عمل مسرحي في الجزائر ، وكذلك مشكل السكن ، كل ذلك بطريقة عبثية واقعية، بعدها تولى بوقرموح إدارة مسرح بجاية ، فحاول زرع دماء جديدة فيه باستقدامه لعناصر شابة للعمل في فرقته وبقي على رأس إدارة مسرح بجاية من 1987 إلى 1989 ، وهي السنة التي توفي فيها اثر حادث مرور. أغلب العناصر التي جلبها بوقرموح في بجاية برزت في حركة مسرح الهواة الذين قدم معهم أولى أعماله " رجال ياحلالف" عن نص الكاتب الروماني الفرنسي" يوجين يونيسكو" ، الروسيرينوس" أو " الخرتيت" من اقتباس بين قوسين طبعا عمر فطموش. وقد شارك به في أيام عنابة المسرحية ، وهو آخر عمل قدمه بوقرموح الذي لم يمهله الموت ليؤكد قدرته ويحقق حلمه في المسرح. في دورة عنابة كانت أغلب المسارح تعاني من أزمة مادية وأزمة توزيع إنتاجها كذلك ، والوصول به إلى القرى والمداشر التي تعيش خارج مجال التغطية المسرحية، في هذه الدورة وخلال المناقشات يفاجئ بوقرموح الجميع باقتراح طريف ، لكنه ظريف وجدي وعملي، ولربما لو تم العمل به كان يمكن الوصول فعلا إلى نقاط عرض لم يسبق أن وصلها المسرح. عبد المالك اقترح على الجميع التخلي عن الإنتاج الضخم والتوجه نحو إنتاج أسماه مسرح " النيفا"، و" النيفا " هو اسم سيارة سوفياتية صغيرة يمكنها الوصول إلى الأماكن التي لا تصلها السيارات العادية، زيادة عن كونها سيارة تسلقية، وكانت الجزائر قد استوردت منها الكثير ووزعتها على الإدارات والمؤسسات، ما كان يهدف إليه بوقرموح هو الابتعاد عن الأعمال التي تكلف الكثير واعتماد النصوص، أما الديودراما أو ما لا يتعدى عدد شخصياتها الأربعة شخصيات، بحيث يكون إنتاجها غير مكلف، كما أن توزيعها لا يحتاج إلى وسيلة نقل كبيرة، بحيث تكفي سيارة " النيفا " التي يمكنها الوصول إلى أصعب المناطق الريفية والجبلية ، كما أن العروض من هذا النوع لا تحتاج إلى قاعة كبيرة، بل تكفي الساحات لذلك، باختصار نقول إن بوقرموح كان يدعو إلى اعتماد الاقتصاد في المصاريف وترشيدها وإيصال المسرح إلى أبعد نقطة توزيع، فكرة جديدة وعملية، لكن القدر لم يمهل بوقرموح لتحقيقها، لاسيما في ظل الأزمة التي بات تعصف بالحركة المسرحية عندنا ، وظل السياسة المنتهجة حاليا ، فحبذا لو يتم إحياء فكرة بوقرموح فيما يخص مسرح" النيفا "، ولا أشك لحظة في أنها ستكون عملية ومفيدة وتساهم في إدخال المسرح إلى مناطق ريفية لم تعرفه من قبل.