المغرب: لوبي الفساد يتجه نحو تسييج المجتمع بالخوف ويسعى لفرض الامر الواقع    بورصة: مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    الوقاية من أخطار الغاز: تركيب كواشف غاز أحادي أوكسيد الكربون بولايتي ورقلة وتوقرت    أدرار.. أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى عدة ولايات بالجنوب    مستغانم.. توزيع مفاتيح 280 مسكن عمومي إيجاري بعين تادلس    تيسمسيلت..اختتام فعاليات الطبعة الثالثة للمنتدى الوطني للريشة الذهبي    الصالون الدولي للتمور: تنوع الأصناف في قلب المنتوج المحلي الاصلي الجزائري    سباق الأبطال البليدة-الشريعة: مشاركة أكثر من 600 متسابق من 27 ولاية ومن دول اجنبية    جبهة المستقبل تؤكد على ضرورة تعزيز الوعي والتعبئة الوطنية لمواجهة التحديات التي تواجهها الجزائر    المغرب: المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع انتقاما لتضامنهم مع الشعب الفلسطيني    بطولة افريقيا للأمم لكرة اليد/سيدات: تحقيق نتيجة أفضل من النسخة الماضية    وزيرة التضامن ترافق الفرق المختصة في البحث والتكفل بالأشخاص دون مأوى    غرس 70 شجرة بصفة رمزية بالجزائر العاصمة تكريما لأصدقاء الثورة الجزائرية    النعامة: ملتقى حول "دور المؤسسات ذات الاختصاص في النهوض باللغة العربية"    وزير الاتصال يعزي في فقيد الإعلام محمد إسماعين    البطولة العربية للكانوي كاياك والباراكانوي: الثنائي والح وبختاوي يهديان الجزائر أول ميدالية ذهبية    العدوان الصهيوني: الأوضاع الإنسانية في غزة تزداد سوء والكارثة تجاوزت التوقعات    استراتيجية ب4 محاور لرفع الصادرات خارج المحروقات    غايتنا بناء جيش احترافي قوي ومهاب الجانب    قرار الجنائية الدولية ينهي عقودا للإفلات من العقاب    صنصال.. دمية التيار التحريفي المعادي للجزائر    الجنائية الدولية تصدر مذكرة توقيف بحق نتنياهو وغالانت    إيمان خليف وكيليا نمور وجها لوجه    دورة استثنائية للمجلس الشعبي الولائي للجزائر العاصمة    استكمال مشروع الرصيف البحري الاصطناعي بوهران    3مناطق نشاطات جديدة وتهيئة 7 أخرى    مجلس الأمة يشارك في الدورة البرلمانية لحلف شمال الأطلسي بمونتريال    المرافقة النفسية للمريض جزء من العلاج    وفاة طفل تعرض لتسمم غذائي    ضبط مخدرات بالكرط    "السياسي" يطيح بسوسطارة ويعتلي الصدارة    السداسي الجزائري يستهل تدريباته بمحطة الشلف    دعوة إلى إنقاذ تراث بسكرة الأشم    نحو تفكيك الخطاب النيوكولونيالي ومقاومة العولمة الشرسة    4معالم تاريخية جديدة تخليدا لأبطال ثورة نوفمبر    تنظيم الطبعة ال20 للصالون الدولي للأشغال العمومية من 24 إلى 27 نوفمبر    الذكرى 70 لاندلاع الثورة: تقديم العرض الأولي لمسرحية "تهاقرت .. ملحمة الرمال" بالجزائر العاصمة    مولي: الاجتماع المخصص للصادرات برئاسة رئيس الجمهورية كان مهما ومثمرا    الرئاسة الفلسطينية تؤكد ضرورة قيام المجتمع الدولي بالعمل الفوري على وقف العدوان الصهيوني المتواصل عل الفلسطينيين    بنك الجزائر يحدد الشروط الخاصة بتأسيس البنوك الرقمية    أوبرا الجزائر تحتضن العرض الشرفي الأول للعمل الفني التاريخي ملحمة الرمال " تاهقارت"    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    انطلاق الدورة ال38 للجنة نقاط الاتصال للآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء بالجزائر    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نسقية الكتابة لدى أحلام مستغانمي
نشر في الجمهورية يوم 22 - 10 - 2018

بعد اطّلاعي على خبر صدور كتاب جديد للكاتبة الجزائرية *أحلام مستغانمي* تحت عنوان [شهيّا كفراق]، ووضعِها على صفحاتها بمواقع التواصل الاجتماعي بعض المقتطفات منه، تعِنّ لي مجموعة تساؤلات من باب فتح النقاش حول منجزنا الأدبي: لماذا تعدّ السيدّة أحلام من الكتّاب الذين يكرّرون أنفسهم مع كلّ نصّ؟ ولماذا لم تستطع الخروج من نمط واحد للكتابة به تهويمات مجازية كثيرة ولغة شعرية طافحة؟ ولماذا لم تستطع التخلّص والفِكاك من شرنقة تيمات واضحة ومعينة تتكرّر تقريبا عبر كلّ كتاباتها؟ وماذا ينقصها لتتخلّص من كل ذلك؟
أحلام مستغانمي تمارس الكتابة منذ فترة طويلة؛ بدأت شاعرة تكتب القصائد الشعرية وتصدر الدواوين، ثمّ دخلت ميدان السرد فأصدرت فيه ثلاثية *ذاكرة الجسد – فوضى الحواس – عابر سرير* إضافة إلى رواية *الأسود يليق بك*، ورغم ذلك لم تجدّد وتطوّر أدواتها السردية بشكل كافٍ يليق بقلم كاتبة تملك كل المؤهّلات الفنية والجمالية التي تتيح لها ذلك. وقد أنجزتُ سابقا بحثا حول النسق الثقافي في ثلاثيتها المذكورة خلُصتُ فيه من خلال القراءة لها إلى تصوّر يفيد بأنّ مضامين نصوصها تتكرّر وأساليبها لم تتطوّر كثيرا وعباراتها وجُملها تنتج تقريبا وفق قالب لغوي واحد لكن بصيغ مختلفة تتردّد عبر مختلف نصوصها، وكذلك نفس النسق الذي يوجّه كتاباتها من الداخل؛ نسق التأنيث بشكل يُسيّر نصوصها ضمن مجال فكريّ ونسق ثقافيّ واحد يُظهرها بمثابة النصّ الواحد المتكرّر، بل يمكن القول بأنّنا نجد شيئا من التراجع الملموس والواضح في مستوى الكتابة بين *ذاكرة الجسد*، التي هي في نظري أفضل نصوصها، وبين ما تلاها من نصوص سردية.
هذه الملاحظات تدفعني إلى أن أتساءل أيضا كيف أنّ أحلام مستغانمي لم تستغلّ ملكة اللغة وجمال الأسلوب لديها فتنتج لنا نصوصا من وحي التجارب الإنسانية العميقة؛ نصوصا حبلى بالأفكار والمعرفة الفلسفية والإنسانية. وعلى الرغم من أنّها قد درست علم الاجتماع وتخصّصت فيه لكنّ القارئ لها لا يجد أبدا تمثّلا لمقولات وأفكار كان بالإمكان أن تؤثِّث بها نصوصها مثلما نجد، على سبيل التمثيل، تمثُّلا للأفكار الفلسفية في نصوص كاتب مثل *رشيد بوجدرة* الذي اشتغل في وقت مضى أستاذا للفلسفة مكّنه تخصّصه من أن يستثمر هذه الميزة المعرفية لديه في مجمل نصوصه.
فماذا ينقص أحلام حتى تكون مثل الكاتبات الغربيات اللواتي تخلّصن حاليا من التأثير المباشر لنسق التأنيث والكتابة المؤنَّثة التي ليست لديها سوى جمعٍ لمؤنَّثٍ في صيغة مفرد؟
ماذا ينقصها من أدوات حتى تقدّم نصوصا تكتبها كاتبات مثل *إيزابيل الليندي* التي خلفت أستاذها *غابرييل غارسيا ماركيز* في واقعيته السحرية، أو غيرها من الكاتبات؟
نسق التأنيث اليوم نسق متجاوَزٌ جدّا في الأوساط الثقافية الغربية، والكاتبات يتطرّقن إلى مواضيع إنسانية وآنية أكثر عمقا من خلال طرح الأسئلة وفتح النقاشات.
اليوم في إيطاليا لا يشغل وسائل الإعلام والصحفيين والوسط الثقافي إلا لغز أدبي واحد؛ وهو معرفة الشخصية الحقيقية للكاتبة *إيلينا فيرّانتي* صاحبة رواية *صديقتي المذهلة* الجزء الأوّل من *رباعية نابولي*، والتي لا يعرف من تكون إلا الزوجان الناشران *ساندرو فيري* و*ساندرا أوزولا فيري* صاحبا دار [إديزيوني إي/أو] الإيطالية التي تنشر كتبها. تركت فيرّانتي خلفها كل هذه الشهرة التي اكتسبتها في السنوات الأخيرة وانزوت بعيدا بعد أن قدّمت نصوصا سردية باذخة ومدهشة حول المجتمع النابوليتاني. أستطيع القول، بحكم قراءتي لشيء من الأدب الإيطالي المعاصر، إنّي قد عرفتُ العوالم السفلية وأحياء وشوارع نابولي ومجتمعها من إيلينا ومن روايات الكاتب *نيكّولو أمّانيتي* أكثر من أي مصدر تاريخي أو اجتماعي آخر. تقول إيلينا في أحد حواراتها الإعلامية النادرة والقليلة جدّا: (اليوم لديّ إحساس أنّ العالم بأكمله هو نابولي). فيرّانتي جعلت من نابولي مركزا للعالم وبؤرة أدبيّة استثنائية من خلال نصوصها، فللأدب والسرد، تحديدا، علاقة وشيجة بالمكان. وقد استطاع الأديب المصري الراحل *نجيب محفوظ* تصوير المجتمع القاهري والتعريف به وبأزقّته وحاراته بشكل منقطع النظير. وقد ترفع النصوص مكانا من الدنيا مغمورا إلى مستوى الرمز الأدبي، وأستحضر هنا قرية بدر شاكر السيّاب *جيكور* من باب التمثيل، كما قد يكون هذا المكان خياليا لكنّ الكاتب المتمكّن من أدواته يتمكّن من إيهام القارئ بواقعيته، وأستحضر من باب التمثيل أيضا قرية *ماكوندو* مع ماركيز في روايته *مائة عام من العزلة*. فلماذا لم تستطع أحلام، وهي التي تناولت ذاكرة مدينتها الأصلية قسنطينة كثيرا في نصوصها، أن تجعل من هذه المدينة مركزا ورمزا تقدّمه للقارئ غير الجزائري وتعرّف به؟ وهي المدينة التاريخية ذات الفضاء السحري الأسطوري والواقعي الجاهز للاستثمار والاشتغال السردي.
هذا المطبّ والمأزق الكتابي لا تنفرد به أحلام مستغانمي لوحدها في الوسط الأدبي بالجزائر اليوم، حيث نجد كتّابا، ومن المكرّسين تحديدا، لم يستطيعوا إحداث لحظة التجاوز والمنعطَف بالأخصّ في نصوصهم الصادرة خلال السنوات الأخيرة. نفس التيمات تتكرّر ونفس الهواجس كلّ سنة مع اقتراب موعد الدخول الأدبي فيما يبدو إصرارا متسرّعا على النشر، بل من هؤلاء الكتّاب من لم يتفطّن بعد إلى أنّه قد أصبح متجاوَزًا بكثير وبجانبه أقلام شابة تنمو وتقدّم نصوصا ممتازة في الرواية التاريخية والفلسفية...وغيرها، فيها اشتغال سرديّ كبير وحفر معرفي وبحث. ما زال هؤلاء الكتّاب يظنّون بأن الاسم الكبير ينتج، بالضرورة، نصّا عظيما، في حين أنّ الكتابة صَنعة ودُربة وتطوّر مستمرّ تؤثّثها مجموعة قراءات واسعة، وليست مجرّد نسج ورصف لجمل وعبارات إنشائية، ثمّ العمل على سترها بلباس كسر الطابوهات والعناوين البرّاقة. فقط ما ألومه على أحلام مستغانمي هو أنّ استمرارها على نفس منوال الكتابة لسنوات له تأثير مباشر على المشهد الأدبي والأقلام الشابة تحديدا لما لها من ميزة التأثير الكبير على شريحة واسعة منهم ترى فيها نموذجا يُقتدى به في مجال الكتابة، وهذا حقّ مشروع لهم. فلا يمكن إنكار ميزة الجماهيرية التي تنفرد بها، والتي اكتسبتها بفضل نصوصها وثقافة الوسائط وتَقاسُم الشباب لأقوالها وعباراتها، ممّا يُمَكِّن لها من التأثير في الوعي الجَمْعيّ الثقافي بشكل تتسرّب من خلاله الأنساق الثقافية المؤسِّسة لصورة الكاتب الإمبراطوري الذي لديه، حسب وجهة نظري، قدرةٌ كبيرة على الانتشار والتأثير أثناء فعل الاستقبال. فلو أنّها استثمرت هذه الميزة الإيجابية بإنتاج نصوص وفق نمط كتابة مُتجاوَز ومختلف عمّا درجت عليه لكانت بذلك قد دفعت جيلا من الكتّاب الشباب إلى القراءة والحفر والاشتغال العميق على نصوصهم بدل الوقوف عند عتبات اللغة الشعرية الإنشائية التي ترهق كاهل النصوص الأدبية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.