رغم تعدد القراءات التي رافقت المسيرات الشعبية في الجزائر بداية من 22 فبراير الماضي، واختلاف التأويلات بشأن الحراك السلمي المطالب بتغيير سياسي، أهم الاستنتاجات التي خرجت من هذا المسير أنّها كانت عفوية، لم يؤطرها حزب ولا تجمع سياسي ولا مجتمع مدني ولا منظمة جماهيرية وبالتالي لا يحق لأيّ كان تبنيها و لو أمضى في الساحة السياسية و الجماهيرية ردحا من الزمن . ولم تختلف القراءات في كون الأمر انفلت انفلاتا تاما من كل الأحزاب موالية ومعارضة رغم أنّها في كل المواعيد الانتخابية والحاسمة في التاريخ السياسي للجزائر لم تتوقف عن السعي وراء جعل القواعد الشعبية تنقاد وراءها، فالنيّة غير الصادقة للوسط الحزبي الذي يرى في الجزائري ورقة انتخاب تؤذي مهمّة حصرية في زمن قياسي أفسدت على الطبقة السياسية ربط علاقة الود والاحترام مع القاعدة الشعبية وهو أمر لا يختلف حوله كثيرون ، ومن غير المقبول أن يعتقد بعضهم أنّ القاعدة الشعبية التي تغذي الموعد الانتخابي (عندما تريد) يمكن اجترار مواقفها في ساعات الحسم، بل إنّها الطبقة الأكثر وعيا والأكثر تريثا وتقرأ الأحداث بتروي ولا تنقاد إلّا وراء ما يمليه ضميرها خاصة عندما تختنق من مخلفات الترسبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأيضا الفكرية . واتفقت القراءات غير المندفعة و التي لم تصدر أحكاما على التحرك الشعبي أن الوعي بمصلحة الوطن أكبر إرث يحافظ عليه الجزائريون من منطلق الاكتواء بسنوات الجمر و الدم ، و بالتالي لا يمكن لأيّ كان أنّ يضع مصير أمن و استقرار الجزائر شمّاعة في وجه الجزائريين لأنّه عندما يتعلّق الأمر باستقرار البلاد فإنّ أبناءه أكثر الواعيين بضرورة الخط الأحمر الذي لا يجب لأيّ كان تجاوزه أو تسخيره سلبيا للنيل من شرعية المطالب التي رفعها الشعب و يصر على الذهاب بها إلى نقطة التنفيذ و بالتالي بين القراءة السياسية للمسير الشعبي و القراءة السياساوية فرق بيّن. ومهما بلغت الأحداث في تسارعها فكل الطبقات شعبية و سياسية و بكل أطيافها لا تريد الوصول بالبلاد إلى المأزق- و لكن كلّ واحدة بوسيلة وصوله - وللوصول إلى فكرة إعادة إجماع كل الجزائريين بكل أطيافهم حول مشروع لإنقاذ الجزائر من مأزقها ، لنعود و نقول أنّ الدور الأكبر لتجنب انزلاق الحراك مصدره الحياة السياسية التي لا تزال مغلقة ومجتمع مدني لهيكلة الشارع.