لا يضيرني إذا كسب السلفيون أو الإخوان مرة، المهم أن تستمر العملية l المتصوفون هم القوة القادمة في مصر كشف عالم الاجتماع المصري والناشط في مجال حقوق الإنسان، البروفيسور سعد الدين ابراهيم، بأنه نصح الرئيس أوباما شخصيا بأن يتصل بهيئة الأركان في مصر ويقول لهم: ''لا تفتحوا النار على المحتجين''. وبخصوص الاستثناء الجزائري، قال: ''يبدو أن الثمن الكبير الذي دفعته الجزائر قبل عشرين سنة، أكسبها حصانة ضد استخدام العنف أو الإصرار على الثورة، لأنه إذا فتحت فتحة العنف، فلا تستطيع إيقافها بسهولة، وبالتالي لا نفتحها ولا نوقظ هذا البديل''. كما اعتبر سنة 2011 أهم حدث في العالم العربي منذ ظهور الإسلام. يثير ما اصطلح على تسميته ثورات الربيع العربي العديد من ردود الأفعال وتضاربت المفاهيم حوله، ما قراءتك كعالم اجتماع لهذا الحراك العربي؟ سقطت للأبد مقولة الاستثنائية الإسلامية أو العربية، وبأنها خارج التاريخ التي روّج لها برنارد لويس في البداية و''فوكوياما'' فيما بعد، في أعقاب الثورات التي شهدتها أمريكا اللاتينية، وآسيا، وأوروبا الشرقية. واتهم بعض المستشرقين بأن هناك تعارضا بين الإسلام والديمقراطية، لكن بعد قيام الثورة في أندونيسيا، قالوا بالاستثنائية العربية إلى غاية ظهور الثورات في تونس ومصر وصولا إلى سوريا. وبخصوص ما يحدث في تونس ومصر وسوريا والأردن، كتبت مقالات في ''الواشنطن بوست'' و''نيويورك تايمز''، بأنه ليس فقط الأنظمة هي التي سقطت، بل مقولات استشراقية عشعشت طويلا. وبالتالي، أعتبر سنة 2011 أهم عام في التاريخ العربي، ومنذ دخول الإسلام، لم يحدث أن عادت الشعوب إلى الساحة السياسية أو عادت السياسة إلى شعوبها، وهو أهم عام منذ ظهور الإسلام. هناك شيء فريد تتشارك فيه كل الشعوب العربية، وهو كسر جدار الخوف في العالم العربي. أعتقد أن العالم العربي سينطلق ولا رجعة في انطلاقته، رغم وجود بعض المطبات في طريقه، على الأقل لكون جوانبه ونهايته واضحة. وربما نسجل انتكاسات خفيفة هنا وهناك، مثلما يحدث في كل الثورات. في هذا الصدد، ألا تعتقد بأن المد السلفي والإسلاموي، وما يجري حاليا في ليبيا، ستكون له انعكاسات سلبية على هذه الثورات؟ أظن أن ما يحدث من تطور والموجة الديمقراطية ستغيّرهم، وهم الآن يقبلون الاحتكام للصندوق والضغط الانتخابي، بعد أن كانوا من قبل يطالبون بالخلافة. وحاليا، يتنافس الإسلاميون والسلفيون، وأعتقد أن الفريق الثالث القادم هم المتصوفون الذين يشكلون الأغلبية في مصر. أعتبر وجود هذه الكتل البشرية التي تهتم بالسياسة بعد أن غُيّبت لمدة 70 سنة، أكبر مكسب، ولا يضيرني إذا كسب السلفيون أو الإخوان مرة، المهم أن تستمر العملية. لكن، ألا تخشى استنساخ تجارب الحكم في الدول الخليجية، خاصة في ظل الترويج لفكرة أن الحراك العربي هو بإيعاز من قوى غربية ودولة قطر كمنفذة لأجندة معدّة مسبقا؟ أبدا، هذا أمر عار من الصحة. لماذا دائما يجب أن تكون للخارج يد فيما يحدث عندنا ووراء كل شيء؟ لماذا هذا التشكيك في قواتنا وقدراتنا، والتشكيك فيما يفعله الشباب في سوريا أو ليبيا. لكن، هذا لا يحجب مسألة وجود محاولات من طرف بلدان غربية لركوب موجة الحراك العربي، خدمة لأغراضها؟ طبعا، هذا صحيح. كل دولة صغيرة وكبيرة تحاول استغلال الوضع وإرساء علاقات مع أي نظام جديد، تؤثر في مسيرة الأحداث. ثم اسمح لي بطرح سؤال: لو لم يكن الاستبداد العربي ليحرك شباب هذه الأمة العربية وشعوبها، ماذا كان سيحركها؟ وهو ما يجعلني أتحفظ وأرفض تماما هذا الطرح. خلال اندلاع الثورة في مصر، بعد ثورة تونس، كنت في البيت الأبيض بعد أن ذهبت إلى هناك من ''نيوجرسي''، بدعوة من عدد من مستشاري الرئيس أوباما. كان هناك توجس شديد بالبيت الأبيض، لافتقادهم لأي فكرة عن الأطراف التي تقف وراء الأحداث، بعد انفجار الثورة في تونس ومصر. وتم جمع أكبر عدد من الخبراء الأمريكيين من أبناء هذه الدول كي يتحادثوا حول ما وقع، وينيروا صانع القرار الأمريكي حول ما يحدث. تصادف أن زوجتي كانت في مؤتمر بفندق يطل على النيل، وقالت لي إن شيئا جديدا يحدث، وكتلا بشرية تتوافد على ساحة التحرير، تختلف عما سبق. في نفس هذه الفترة، وصلت من ''نيوجرسي'' إلى واشنطن، فكان النقاش في البيت الأبيض حول الجهة التي كانت وراء الأحداث، هل هي قوة يسارية أم الإخوان المسلمون الذين لم يكونوا موجودين في اليوم الأول بل أتوا في اليوم الرابع، وهم شباب الإخوان وليس القيادة أو الكهول. وكان الرئيس أوباما يطل علينا بين الحين والآخر، وقلت للرئيس إن هؤلاء هم من انتخبوك، على غرار من انتخبوك في أمريكا، لأنهم شباب جامعي متعلم من الطبقة الوسطى، وأقل شيء أنهم المستقبل، وبركات الماضي حليفكم منذ ثلاثين سنة. وإذا كنت تريد صنع المستقبل، يجب تقديم السند لهؤلاء الشباب والوقوف مع الشعب المصري. ما مدى تأثير المدوّنات الاجتماعية، كالفايسبوك والتويتر، على مسار الأحداث؟ طبعا كان لها تأثير كبير. لكن كان هناك عنصر آخر، هو عمر عفيفي، وهو رجل شرطة سابق هارب من مصر نحو أمريكا، وألف كتابا بعنوان ''حتى لا تضرب على قفاك''، طبع منه مليوني نسخة، وهو عبارة عن نصائح للناس لمواجهة الشرطة، ونصح الشباب باختيار اليوم والأماكن، وحدّد لهم أربع نقاط مختلفة للزحف نحو ساحة التحرير ككتل، مع الانقسام إلى ورديات للتناوب على الاعتصام لأن الشرطة تتعب بعد نهاية كل يوم، كانت طريقة بديعة للتنظيم. من خلال ما قيل وكتب حول الثورة، تقول إنها ثورة دون قائد ولم تكتب مشروعها، وثورة تعيد النظر في مفهوم السيادة الوطنية، لأننا أمام نمط جديد باسم ثورة في ليبيا بالتعاون مع الناتو، عكس المفهوم التقليدي للسيادة، أم هي مجرد استباقات لأننا أمام أحداث لا نعرف تفسيرها؟ هذه أفكار مطروحة في عدة ملتقيات. أعتقد أن القول بأنها ثورة بلا قيادة، فهذا أحد أسباب قوتها وضعفها في نفس الوقت. في الأسبوع الثاني، وصلت إلى مصر، يوم تنحي مبارك. ومن المطار إلى ساحة التحرير مباشرة، كنت أبحث أيضا عن إجابات، واعتقدت أن القيادة موجودة ولا تعلن عن نفسها، خوفا من السجن والاغتيال. اتضح لي بعد الاستقصاء أنها ثورة بلا قيادة، واكتشفت أن مجموعة في الميدان تتشاور جماعيا وتقترح قرارات وتتفق عليها. كان هناك إنكار ذات غير مسبوق، وحرص على النجاح، وإعطاء كل ذي حق حقه، مع توافد أعداد كبيرة من المعتصمين، ولخصوا مشروعهم في سبعة مطالب أعلنوا عنها بعد بلورتها، وهي برنامج مرحلي لمدة ستة أشهر. تونس كانت ملهمة لمصر. ولاحظت اختفاء الشوفينية المصرية، وهذا مؤشر نضج سياسي إيجابي. حصل تواصل بين الثوار والتضامن في المنطقة كلها. قبل الثورة بسنتين، جرت انتخابات برلمانية في إيران ووقع تزوير، أو اعتقد الشباب بوقوعه، فتظاهر واحتج على الأنترنت، فقام النظام بقطع الأنترنت. ووضع الشباب المصري شبكتهم تحت تصرف الشباب الإيراني. كان هذا مظهر رائع من التعاون الإقليمي في الشرق الأوسط. ولهذا، لم أتعجب من التعاون مع الشباب التونسي. كلها مظاهر جديدة. تواجد شباب الطبقة الوسطى ظاهرة ومعظمهم طلاب وخرّيجو الجامعات، وانضمت إليهم شرائح أخرى، ليحدث تحالف غير طبقي طبيعي. أما الأنظمة المحافظة، كاليمن والمغرب ودول الخليج كالسعودية، فبدأت بتقوية بنيتها من الداخل، كالسعودية التي قدمت مرتب سنة، رشوة جماعية لكل واحد. ونفس الشيء في الكويت. كما بعثت السعودية ملايير الدولارات لتقوية بنية الأنظمة التي لم تسقط لتقوية حصانتها للثورة. هل تؤمن بوجود خصوصية أو استثناءات تجعل بلدانا، كالجزائر والمغرب، في منأى عن التغيير الحاصل حاليا؟ بالنسبة للجزائر، أعتبرها نظرية أو اجتهادا. أعتقد أن ما حدث في سنوات 1990, الثورة أو الانتفاضة، قامت مبكرا في الجزائر. وكالعادة، الجزائر تدفع ثمنا فادحا في كل شيء، حتى من أيام ثورات التحرّر المسلحة. يبدو أن مصير هذا البلد دائما دفع الثمن بالدم. ويبدو أن الثمن الكبير الذي دفعته الجزائر من عشرين سنة أكسبها حصانة ضد استخدام العنف أو الإصرار على الثورة، لأنه إذا فتحت فتحة العنف، فلا تستطيع إيقافها بسهولة، وبالتالي لا نفتحها ولا نوقظ هذا البديل المسلح. ولكم التقييم، هل هذه قراءة قريبة من الواقع أم لا؟