أصبح تعبير « الحراك « متداولا عبر جميع وسائل الإعلام لظاهرة اكتساح المواطنين الشوارع تعبيرا عن رفضهم لسياسيات دولهم و المطالبة بإحداث التغيير ، و بين حراك و حراك تتبلور مطالب تنبع من الوضعية الاجتماعية لمواطني هذا البلد أو ذاك و بالتالي كان رد فعل أولئك المواطنين نابعا من التركيبة الاجتماعية المتحكمة في وعيهم ، و كذا مدى تعاطيهم مع فهم الديمقراطية التي تؤمن بإبداء الرأي وصولا إلى أقصى المطالب و لكن تكفر بوسائل العنف من أجل الوصول إلى المبتغى. و شاء الامتداد الطبيعي للعلاقات بين الجزائر و فرنسا ( و التي لا تكتبها الصدفة ) أن لحق الحراك الجزائري المندلع في فبراير الماضي بالمظاهرات العارمة للسترات الصفراء في فرنسا التي اندلعت في نوفمبر 2018 . و بما أنّ الحدثين تزاوجا في الوقت كان لابد من عقد المقارنات . الحركة الاحتجاجية في فرنسا و التي قادت المظاهرات جاءت للتنديد بارتفاع أسعار الوقود وكذلك ارتفاع تكاليف المعيشة ثم امتدت مطالِبها لتشملَ اسقاط الإصلاحات الضريبية التي سنّتها الحُكومة والتي ترى الحركة أنّها تستنزفُ الطبقتين العاملة والمتوسطة ، فدعت الحركة منذُ البِداية إلى تخفيض قيمةِ الضرائب على الوقود ، ورفع الحد الأدنى للأجور ثم تطوّرت الأمور لتصل إلى المناداة باستقالة الرئيس إيمانويل ماكرون ، و خرج المشهد الفرنسى عن السيطرة ما دفع الحكومة إلى تعليق قرارها بشأن ضرائب المحروقات (...) المطالب التي رفعها اليوم أصحاب السترات الصفراء كانت سياسية ، تمثلت في المطالبة باستقالة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وإنشاء هيئة تأسيسية وتعديل الدستور ، بالمقابل اختفت المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي كانت الدافع وراء الخروج إلى الشوارع . أوّل الفروق كان في التركيبة البشرية : السترات الصفراء قاد مظاهراتها في أول الأمر الطبقة العاملة التي نادت بمطالب اجتماعية أفرزتها اصلاحات ماكرون الاقتصادية في حين كانت التركيبة البشرية للحراك الجزائري قد ضمّت كل الفئات العمالية و الطبقات الاجتماعية في هبّة واحدة و مطلبها سياسي محض لا غبار عليه و هو رفض تقدم رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة لولاية جديدة و تطوّرت المطالب إلى ذهاب النظام و محاسبة المسؤولين على أوضاع البلاد في الجانب السياسي و المالي الاقتصادي . مظاهرات باريس تطوّرت سريعا نحو أعمال شغب و حراك الجزائر مستمر في الحفاظ على سلمية مسيراته و تأطيرها من طرف شباب يرفض رفضا مطلقا اندساس محاولات الشغب في وسطها مهما كانت الدوافع و تعمل على اختفاء النعرات الجهوية حكومة باريس أشهرت عصيّها في وجه المتظاهرين فأشبعتهم ضربا و قنابل مسيلة للدموع ، و هدّدت الجمعة بإخراج الجيش إلى الشوارع للتصدي لأعمال الشغب التي ألحقت الضرر في ممتلكات عامة و خاصة وسط باريس . مظاهرات السترات الصفراء عكّر جوّها اليمين و اليمين المتطرف و بعض من اليسار و هي الأجنحة التي كانت سريعة فى الانضمام على أمل أن تغذى العنف والفوضى .حكومة الجزائر لم تسجل أيّ تدخل للشرطة و لا قمع للمظاهرات باستثناء مناوشات .