إذا سلمنا أن المسرح هو مرآة لأعراف المجتمع بكل أطيافه، فلا يمكن لهذه المرآة أن تعكس صورة ضبابية و غير واضحة ، و إذا كانت كذلك فلا حاجة للمجتمع بهذه المرآة. و بالتالي فهي جديرة بأن تنظف و إذا تعذر تنظيفها فهي إذن أجدر بأن ترمى مع باقي المهملات. وانتقالا من الرمزية إلى العلن فإن الصفاء الذي تحتاج إليه المرآة لإعطاء صورة واضحة المعالم هو عامل الحرية الذي يحتاج إليه المسرح لكشف الحقائق و التعبير عن طموحات الجماهير و رغباتها. و اعتبارا من أن الفعل المسرحي هو فعل حر ومقاومة ثقافية للاستبداد و الرداءة ، فإن هذا الفعل الذي هو المسرح لا يمكنه أن يكون هادفا إلا إذا كان يتمتع بالحرية، و إلا فهو مجرد ترف و تهريج لا غير. فالمسرح إما أن يكون حرا أو لا يكون أصلا. أنا أعلم أنني لا أضيف شيئا جديدا عما اتفق أن يكون عليه المسرح عند بزوغ فجره الأول، و هو أن يكون أداة نقد و رفض و جمع و فعل و تفاعل، وهذا ما كنا نشهده في الكثير من الأعمال التي كان يقدمها المسرح الهاوي بالرغم من الظروف التي لم تكن لتشجع على حرية التعبير آنذاك. لكن و للأسف الشديد عندما تدخلت المصالح انحرفت سكة أبي الفنون عند بعض المنعرجات وتاهت الجماهير بين ما هو أصيل و ما هو دخيل، و أصبحنا نشاهد أعمالا فنية ( الحمد له ليست كلها) أفرغتها الرقابة من محتواها الجاد و حولتها إلى مجرد تفاهات تضر برسالة المسرح و تنفع بعض القيمين عليه. في الوقت الذي رفضت فيه مشاريع لأعمال فنية قد لا تكون الأحسن لكنها كانت تتحلى بالشجاعة في انتقاد السلطة و كشف عيوبها، لا لأي شيء إلا لأنها كانت تؤمن في طرحها بحرية التعبير التي منحها إياها المسرح. غير أن العصبة التي كانت و لا تزال تسيطر على بعض المسارح كانت في خدمة العصابة التي أطاح بها الحراك الشعبي، تأمر بأوامرها و تنهي بنواهيها ،تمنع التعبير و تبارك «التبعرير» و لا مجال للحرية إذا أضرت بمصالح هذا أو ذاك المدير. لكن دوام الحال من المحال، و ها هو الحراك في طريقه لأن يعيد للمسرح كينونته و رسالته الهادفة. فإن نضج الجماهير لا يمكن أن يقابله ضعف في التقدير ، لذا فقد آن لنصوص مسرحية ظلت قابعة بأدراج المسارح أن ترى النور لتساير هذه الحركة الشعبية الهادفة و ترقى إلى طموحات الجماهير التي لم تعد تقبل بالرداءة. فالحراك المسرحي الحر هو جزء من الحراك الشعبي و مؤشر صحي يدل على انتعاش حرية التعبير.