السياسة علم يدرس في المعاهد والجامعات له قواعده وقوانينه ونظرياته وليست كلاما فارغا ووعودا كاذبة وخطبا جوفاء وبرامج بلا محتوى وشعارات ومشاريع وهمية تقدم للشعب في الانتخابات والمناسبات والزيارات كما هو الحال عندنا حيث تغيب الحقائق وتزيف وتغطى العيوب والنقائص وتكمم الأفواه وتكثر الدعاية لواقع مشوه ومجتمع مغيب عن القرار السياسي والاقتصادي وجهاز بيروقراطي خاضع للأوامر الفوقية يعطل كل حركة ويضغط على المواطن بقوة فيكره له حياته ويحولها إلى سواد ويزرع فيه اليأس والقنوط والإحباط لقد عشنا الكثير من التناقض في سياستنا الداخلية المتصفة بالغموض وازدواجية الخطاب وغياب المصارحة والمكاشفة وانعدام المراقبة والمحاسبة على الأقوال والأفعال فالنظام يتحكم في كل مؤسسات الدولة ويخضعها لإرادته ورغباته طوعا أو كرها وكل من يحاول الخروج عن سيطرته يعاقب ويحرم ويبعد ويتهم في شرفه ووطنيته فلا مجال للنقد الذي لا يرضى عنه السيد الحاكم بأمره فالحاكم لجمهوريتنا يتمتع بصلاحيات لم يحظ بها ملوك القرون الوسطى والدستور طوع بنانه ووفق إرادته المطلقة التي لا حدود لها يفعل به ما يشاء ويغيره والانتخابات نتائجها معروفة سلفا والمرشحون مع سيادته مجرد أرانب سباق وهو غير مكلف بإجراء الحملة الانتخابية وصورته تغني عن وجوده والبرلمان المكون من المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة مهمة أعضائه الراتب الشهري الكبير والامتيازات والحصانة الشاملة التي تسمح للنائب البرلماني أن يضرب وينهب ويغتصب لهذا كانت العهدة البرلمانية والشكارة حاضرة في انتخاباتنا ولجنة مراقبة الانتخابات مثل شاهد الزور ترى وتسمع ولا تنطق بكلمة والمجلس الدستوري يوافق وعيون أعضائه مغمضة وأحزاب الموالاة باعت نفسها للشيطان تأكل من مائدة السلطة وتكيل لها المديح وتتغنى بانجازاتها العظيمة التي ليس لها وحتى المهبول لا يصدق أقوال بعض السياسيين الذين قالوا أن الجزائر خير من سويسرا ومن دولة السويد وكم سمعنا وكم قرأنا من أخبار عن تلك الانجازات التي اعتبروها الأولى من نوعها في أفريقيا والعالم العربي قبل أن نفيق من الغيبوبة ونسترجع الوعي وقد كانوا يدرسوننا عن محسان الاشتراكية ومساوئ الرأسمالية التي اكتشفوا فجأة أنها جميلة ومفيدة فتخلصوا من مؤسسات القطاع العمومي من مزارع ومصانع ومنحوها للمحظوظين من الخواص وزادوهم القروض بالملايير والإعانات المالية والإعفاءات الضريبية والجمركية وفتحوا لهم التجارة الخارجية لتهريب العملة الصعبة واستيراد السلع الرخيصة والفاسدة والمنتهية الصلاحية وادعوا التعريب واحتكروا الفرنسية لهم ولأقاربهم وأصلحوا التعليم بإفساده وإضعافه كما أصلحوا العدالة بمنعها من ملاحقة اللصوص الكبار والفاسدين وحولوا جناية اختلاس الأموال العمومية إلى جنحة تبديد المال العام فسرقة الملايير مثل سرقة هاتف نقال بسيط وتكلموا كثيرا على تشجيع الاستثمار الخاص والأجنبي فأهدوا للخواص العقارات الكبيرة والقروض البنكية الضخمة وأعفوهم من الضرائب ومنحوهم الصفقات العمومية بمبالغ مالية خيالية وكانوا لهم حماة وشركاء في الغنيمة وسموهم رجال المال والأعمال وكونوا لهم نقابة وبالنسبة للاستثمار الأجنبي فقد منحوه الأرض والقروض بالدينار والدولار و الأورو وسموا حدائق التسلية والألعاب استثمارا أيضا ونفخ العجلات مصانع لتركيب السيارات واستهلكوا مساحات كبيرة من الأراضي الفلاحة الخصبة في الشمال فحولوا سهول متيجة الخصبة التي كانت تعطي ثلاث غلات أو أكثر في السنة الواحدة إلى اسمنت في الوقت الذي كانوا يتحدثون فيه صباح مساء عن دعم الفلاحة واستصلاح الأراضي وتحول أرباب العمل و(أرباب الجزائر) إلى ملاك للأراضي لآلاف الهكتارات من الأراضي الفلاحية الخصبة وشركاء في المؤسسات مع جزائريين وأجانب وإذا مرضوا فمستشفيات فرنسا المدنية والعسكرية فيها الشفاء ويا فرنسا قد مضى وقت العتاب فاستعدي وخذي منا الجواب فأعطنا التأشيرة وافتحي لنا الأبواب والثورة والتاريخ والوطنية للبسطاء والكادحين الملتصقين بتراب هذه الأرض الطيبة الصابرين على ظلم الطغاة الفاسدين الذين كشفهم الحراك الشعبي السلمي وهم يقادون إلى المحاكم فرادى وجماعات والذي أكل يدفع الثمن.