ما يلاحظ من تناقضات وتضارب في المواقف والآراء عند بعض السياسيين والإعلاميين ، والتحوّل من النقيض إلى النقيض وأحيانا بسرعة البرق ، وهي حال بعض «الوجوه» السياسية و«التنظيمات» الحزبية ، أقول الوجوه ، بالمعنى السطحي للوجه المكلّس الذي لا ملمح له و لا يعبّر عن المعنى الذي خلفه ، باعتبارنا حالة صورية شيئية لمّا نبلغ بعد عالم الفكرة و المعنى ، ولانشغالنا غالبا بالشكل على حساب السلوك والفكرة، وبالوسائل الظاهرة عن الأهداف الباطنة . هذه الحال مستغربة و مثيرة للكلام، و للإنكار عند العقلاء المتابعين. فهذا الإنقلاب الجذري و في وقت وجيز ، مدعاة للإستغراب و الإستنكار. و لكنها حال لا تقتصر على ممارسي السياسة فقط بل لها صور في عالم الثقافة و الأدب و الفن و الرياضة، وفي عالم الاقتصاد و المال ، و في حياة الناس ويومياتهم ، كما هي أيضا عند بعض أدعياء التدين و الفضيلة. هذه الحال المستغربة و المستنكرة ، رغم أن الشيء من منبعه لا يستغرب، والنتائج تتبع المعطيات، ففي الحقيقة أن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه : ماذا أعددنا حتى نتجنب هذه الحال المقززة و المستفزة سياسيا و اجتماعيا و تربويا و اقتصاديا ؟ هذا الانفصام الفظيع ، النفسي و التربوي و الاجتماعي والسياسي؟!. ، أين هي مؤسساتنا السياسية و الحزبية الحقيقية ، و أين هي « المدرسة التربوية والتعليمية»، و أين هي معاهد الجامعة و التعليم العالي والبحث العلمي، أين هي المؤسسة المسجدية الرسالية الواعية ؟، دون تعصب وتطرف أو غش، وأين هي مراكز الاستشراف و الدراسات؟. الملفت للإنتباه هو هبّة الشعب ضد الظلم والاستبداد واستنكاره تبديد المال العام والثروة الوطنية، وسوء استغلالها وتنميتها واستثمارها، ومطالبته تقاسم الأعباء والتكاليف كما العوائد والمنافع، وتكافؤ الفرص أمام الجميع وفق قيم العدل والمساواة والحرية، بعد ما ظن الكثير أنه يغط في نوم عميق، هذه الهبّة الشعبية للعارفين و بكل بساطة في الحقيقة منتظرة و غير مستغربة من حيث أنه لا دوام للحال المائل، رغم كل الأصباغ و الديكورات المزيّنة. بالتأكيد هناك حسابات بصرية ترتبط بالشروط والسنن البشرية الطبيعية في تفسير مختلف مظاهر الحياة، و التي يختلف الناس في معرفة كنهها والإحاطة بتفاصيلها وكيفيات التعامل معها ، والتوقّعات الأقرب ولكن لا أحد يملك زمام الأمر، و الجزم بالمحتمل والأكيد وفق تلك الحسابات والمعطيات أو ما يتوفر منها ، فليست كلها ظاهرة و محددة. وحيث أن مجتمعاتنا غالبا لا تقع ضمن عيّنات محددة قابلة للدرس و التحليل. مما يُصعّب القياس والاستنتاج. فقد تكون هناك عوامل جوهرية تتحكم و تؤثر في المعطيات و الإجراءات، ولكنها غائبة عن ذهن المحلّلين و الدارسين. و لا يلتفت إليها الإعلام بحسّ السبق ، فكثيرا ما يتبع الإعلام و التحليل النتيجةَ و لا يسهم في صناعتها، كمعلق الكرة الذي تخف وتشتد نبرته تبعا للنتيجة وهو قاعد على كرسي التعليق. فهذا الحراك المدهش وغير المنتظر والذي أبهر القريب والبعيد العدو والصديق. تطرح حوله الكثير من الأسئلة – غالبا هي للإعجاب وليست للاستنكار- لسبر أسبابه ومعرفة دوافعه ومحركاته و غاياته، ومدى الوعي الذي يسكن محركيه و قبوله لدى عموم الشعب.بسلمية و مطلبية واضحة و رؤى مستقبلية هادئة و صابرة ، ونفوس تتطلع للأفضل و الأجمل وتعرف في نفس الوقت بحق عبء ذلك وأثقاله.. فحيث أن المؤسسات المركزية في المجتمع مهتزة وتتحرك على رمال هشة سواء بفعل فاعل أو جهل جاهل و متخاذل لا مبال، كيف لوعي رصين و فهم سليم أن ينبلج وسط هذا الركام ، و يقود الحراك؟ حراك المجتمع بكل مكوناته ، دون تفريق بين سلطة و معارضة . سؤال جوهري تفرضه الحكمة والعقل لضمان سلامة الحراك وحسن النتيجة وفق سنن الطبيعة. لا شك أن وسائط التواصل وشبكات الإعلام المختلفة و المنفتحة على العالم كله، لها دور بارز في المنجز الصوري على حساب المعنى، والإمعان في تجاهل نداءات الإنسان المواطن البسيط الذي يخفي صراخه ، و يتألم في صمت لحال البلد كما لحاله. حياته محدودة حتى عند أكثر الناس تفاؤلا ، وهي صورة تغيب عن المشهد . ولكن إلى جانب كل التحاليل والتفسيرات لهذا الحراك الشعبي الجزائري، والتي تتخللها فراغات ومساحات بيضاء، و الذي يمكن أن يكون مثله في البلاد العربية أو غيرها. لابد أن هناك تفسيرا آخر خارج السياق المحدود بشكليات معينة في عالم الإنسان، ولكنه داخل السياق الإنساني الكوني التاريخي الرباني.لذلك فالنظرة الإيجابية الهادئة نحو مختلف المتغيرات والمطالب،بأفق مفتوح متطلع للمستقبل بصدق وصفاء ومسؤولية، هي المسلك الأسلم للجميع وسط ركام السلبيات وحظوظ النفسيات .