زارت أمس جريدة " الجمهورية " شجرة الدردارة موقع مبايعة الأمير عبد القادر بتاريخ 27 نوفمبر 1832، بسهل غريس ولاية معسكر، هذه الشجرة المباركة، التي بويع تحتها عبد القادر الجزائري، أميرا يقود الحرب ويعلن المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي الغاشم، الزائر لهذا المكان التاريخي، يشعر منذ الوهلة الأولى بعظمة هذا الموقع، الذي انطلقت منه شعلة الكفاح تحت راية واحدة تجمع عدة قبائل من مختلف ربوع الوطن، يقودها ويسوسها قائد واحد، تسلم له هذه القبائل مشعل الجهاد وبناء الدولة وتنظيم الجيوش وتوزيعها، والتخطيط للمعارك ورسم الاستيراتيجيات، ووضع التكتيكات المناسبة لمقارعة الغزاة الفرنسيين، والأكيد أن شخصية مثل عبد القادر بن محيي الدين، لم تكن لتبايع لولا جمعها لكل صفات القيادة والورع والذكاء والصبر والحكمة والحنكة السياسية والعسكرية، حيث أن فرنسا كانت تراهن كثيرا على تقسيم الجزائريين، وزرع الفتن والقلاقل بين مختلف القبائل، والعمل على إجهاض المقاومات الشعبية، وترويع الناس بالقتل والترهيب وسياسة الأرض المحروقة، للاستسلام والاعتراف ومهادنة العدو الفرنسي، حتى ينجح هذا الأخير في بسط سيطرته على مختلف ربوع الوطن، ولكن شجاعة الجزائريين وإيمانهم بعدالة قضيتهم جعلهم، ينظمون صفوفهم ويبحثون عن الأيقونة الحربية والعسكرية، التي بإمكانها جمع شملهم وتوحيد كلمتهم، وصنع ملاحمهم وانتصاراتهم، وقد سمحت لنا فرصة زيارة هذا الموقع التاريخي والسياحي الهام، من التمتع بجمالية الجدارية، التي يروي الرسم، حكاية اجتماع عدة قبائل جزائرية بوادي فروحة في سهل غريس قرب معسكر (غرب البلاد) وبايعت الأمير عبد القادر. كما توجد جدارية كبيرة تتضمن أسماء القبائل التي حضرت البعية على غرار أهل غريس والزلامطةومغراوة وبني سيدي يخلف وأهل وادي الحمام.. إلخ، فضلا عن جدارية فرعية بعنوان خلفاء الأمير عبد القادر على رأس مقاطعة تلمسان ومعسكر ومليانةوالتيطري ومجانة والزيبان والصحراء الشرقية، وجدارية أخرى تتضمن حكومة دولة الأمير، دون أن ننسى جدارية أخرى مكتوب عليها نسب مؤسس الدولة الجزائرية، وزين الموقع مقولة خالدة للأمير قال فيها :« لو جمعت فرنسا سائر أموالها ثم خيرتني بين أخذها وأكون عبدا وبين أن أكون حرا فقيرا ومعدوما لاخترت أن أكون حرا فقيرا، زيادة على قصائد من إلياذة الجزائر للشاعر الكبير مفدي زكريا، كما يوجد في هذا الموقع جدارية أخرى أقصى اليسار، لجانب من معركة المقطع بتاريخ 28 جوان 1835، وقد تم اختيار شجرة الدردارة تيمنا ببيعة الرسول تحت الشجرة، حيث وقعت المبايعة يوم 3 رجب 1248 الموافق ل 27 نوفمبر 1832. تمت البيعة العامة، ولقبه والده ب "ناصر الدين" واقترحوا عليه أن يكون سلطانا ولكنه اختار لقب الأمير. حيث جاء في نص البيعة :« اعلموا معاشر العرب والبربر أن الإمارة الإسلامية والقيام بشعائر الملة، المحمدية قد آل أمرها الآن الى ناصر الدين، السيد عبد القادر ابن محي الدين وجرت مبايعتهم على ذلك، من العلماء والأشراف والأعيان في معسكر، وصار أميرا لنا ومتكفلا بإقامة الحدود الشرعية. وهو لا يقتفي آثار غيره، لا يحذوا حذوهم، ولا يخصص لذاته مصاريف زائدة من الحاجة،كما الغير يفعله، ولا يكلف الراعية شيئا لم تأمر به الشريعة المطهرة ولا يصرف شيئا إلا بوجه الحق، وقد نشر راية الجهاد وشمر على ساعد الجد لنفع العباد وعمران البلاد. فمن سمع النداء فعليه بالسعي لتقديم الطاعة وأداء البيعة لإمام منكم، فاعلموا ذلك، وبادروا بامتثاله، ولا تشقوا العصا ويذهب بكم الخلاف إلى ما لا خير لكم فيه دينا وأخرى."