لا تزال ظاهرة وآفة "الحرقة" تخلف المزيد من الضحايا و المآسي في المجتمع الجزائري ، وتطالعنا الأخبار يوميا بإفشال الجهات المختصة محاولات الحرقة الجماعية على طول الساحل الجزائري ، فضلا عن فقدان الكثير من الشباب الذين أبحروا على متن زوارق الموت ليموتوا في عرض البحر و يعدون في عداد المفقودين ، هي إذن مأساة الجزائر والمجتمع الجزائري و أسر جزائرية حكم عليها القدر أن تفقد فلذات أكبادها في البحر من شباب و مراهقين في عمر الزهور ركبوا موجة الحرقة بحثا عن حياة أفضل بعد ما فقدوا الأمل في تحقيق أحلامهم في وطنهم ففضلوا عبور البحر ،والمجازفة بحياتهم للوصول إلى الضفة الأخرى في مواسم الهجرة إلى الشمال المتتالية التي هي موعد محقق مع الموت غرقا في البحر بالنسبة للكثيرين من المرشحين للهجرة السرية ،بل الأدهى والأمر في هذا كله هو إقبال عائلات على هذا الموت المحقق الذي يتمثل في الهجرة السرية تضم أمهات وأبناء وبنات ورضع ،فعلا هي مأساة وتراجيديا تعيشها فئات من الشعب الجزائري التي ضاقت ذرعا بواقعها المر وآفاق المستقبل المسدودة في وجهها و أكثر من ذلك جازفت وغامرت بحياة أبنائها في رحلات الموت تلك لمجهولة النهاية . إن الجزائر في حاجة ماسة إلى شبابها وشعبها ليساهم في إعادة بناء دولة و بلاد عانت الأمرين من سنوات الحكم الفاسد التي همشت فئات واسعة من الجزائريين ،و حكمت على الكثيرين منهم بسلوك درب الهجرة السرية والحرقة، و من المؤسف حقا أن هذه الآفة الاجتماعية ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية لا تزال قائمة تتحدى الجميع مع أن وطأتها قد خفت قليلا منذ بداية الحراك الشعبي يوم 22 فبراير عندما بزغ في سماء الجزائر بصيص للأمل و قبس من نور و تطلع إلى تغيير يبهج حياة الجزائريين ، لكن سرعان ما خفت قبس النور عندما دخلت الجزائر في دهاليز ومتاهة أزمة وانسداد سياسيين ، وتعود من جديد زوارق الموت تلوح في الأفق محملة بجزائريين حملوا أحلامهم بحياة أفضل إلى الضفة الشمالية للبحر المتوسط في رحلات عرفت بدايتها و بقيت نهايتها مجهولة الملامح والمعالم بين أمواج الحرقة المميتة القاتلة والغادرة .