يعود « سعيد خطيبي» ليسجل حضوره في الساحة الأدبية برواية «حطب سرايفو « بعد سنتين من ميلاد «أربعون سنة في انتظار ايزابيل»، والتي يستحضر فيها أطيافا من حياة الرحالة والأديبة السويسرية «ايزابيل ايبرهارت». عن طريق بطل الرواية الذي يبحث عن ما يجمعه بشخص ايزابيل من خلال يومياتها .أما في «حطب سراييفو»، فيشيد جسورا ليلاقي الجغرافيا والتاريخ ويجمع مصائر أناسٍ عاديين خرجوا منهكين من الحرب، يستجدون سبل حياة جديدة ومختلفة عن تشوهات الحرب الملاصقة لذواتهم وكيانهم، في محاولة لإعادة ترميمها. و في إحدى تصريحاته يشير «سعيد» أن الرواية لا تركز على الحرب في حد ذاتها، بل تجعل منها فقط خلفية ومطية لتتبع حيوات أشخاص عاديين تسحقهم الأحداث الدامية، تمحو ماضيهم وتنتزع عنهم هويتهم القديمة وتحولهم إلى أشخاص آخرين بهويات جديدة ومختلفة قرار الهروب من التهاوي لا يتخذ الكاتب مكانه كراوي، بل يتخذ مكانة الرائي الذي يضبط حيوات ومصائر شخوصه الذين يخرجهم من أتون الحرب إلى أفق جديد يعملون فيه على وأد جراحهم الدامية، بفتح صفحات جديدة ، فبطله «سليم» ابن أحد مجاهدي حرب التحرير الذي تعود أصوله إلي مدينة «بوسعادة» وصحفي في إحدى الجرائد المكتوبة و شاهدٌ أيضا على دموية تلك الحقبة بطبيعة عمله والتقارير التي كان يعدها عن النفاذ بنفسه وببعض أحلامه، بعد أن أغلقت الجريدة التي يعمل فيه بسبب إجراءه حوار مع أحد المعارضين في أوروبا وخيبته العاطفية بعد ابتعاد «مليكة» الغير مبرر عنه، فكان قرار السفر إلى «سلوفينيا» ضرورة حتمية للبحث عن ذاته واكتشاف أفق جديد ، هذه البلاد التي كانت خارجة لتوها من حرب إبادة أتت بالخراب على الأرواح والبلد ككل :« تمددت في السرير ككلب واهن، تفوح مني رائحة العرق، أغمضت عيني وطفت علي مخيلتي وجوه زملائي الشاحبة وتهجمهم بعد أن علموا بقرار وقف سحب الجريدة ، عزمت على الذهاب في اليوم الموالي إلى مقهى شعبي في ساحة الشهداء، عملاً بنصيحة «فتحي» لمقابلة واحد من «السماسرة «ومساومته في تأشيرة سفر مزيفة، فالخروج من هكذا بلدٍ مزيف، لم يعد لي رزق فيه يحتاج إلى تزييف جاد وصارم « ..الصفحة 69 السفر كمنفذ من تشظيات الماضي أما «ايفانا» الفتاة البوسنية تروي محطات مما مر عليها، وهي طالبة سابقة في أكاديمية الفنون، «ايفانا» كتلة من الطموح والأحلام الشامخة، تجدُ نفسها مهشمةً بعد الحرب وبعد سلسلة من الأحداث المريعة كانفصالها عن حبيبها «غوران «، ثم دخولها في علاقة مع شخص آخر يُدعى «بوريس» ، كان يساعدها في تدقيق نصها المسرحي، لأنها لم تكن جيدةً في اللغة الانكليزية ، لكنه اتضح في النهاية أنه شخص انتهازي عمل على استنزافها ماديا وجسديا، بالإضافة إلى تراكمات حياة عائلية قاسية ، مليئة بالخلافات والمشاكل بين والديها، كل هذا جعلها تصر على السفر إلى «سلوفينيا» كحل جذري، لما لحق بها من خسارات، وخاصة بعد قرار ربّ العمل بخفض راتبها الهزيل. السفر كان خيار» ايفانا « الأوحد»لتجمع شظايا أحلامها التي هشمتها الحرب وعلاقات استغلالية « : « حلمت بأن أصير كاتبة مسرحية أو ممثلة وفقط ، فوجدت نفسي من سراييفو إلي ليبولينا نادلة أمام بشر يفترسون جسدي ويحاولون استمالتي أو ترهيبي للخضوع لنزواتهم، ومهما بلغ بي الأمر لن أمنح جسدي لسِكير أو صعلوك أو أحمق «باباك» كما نقول في لهجتنا...»الصفحة 108 رواية الانشطارات واللامتوقع «حطب سراييفو» تجاوزت ما كتب عن العشرية بكثير، والذي يعتبره النقاد محض أعمال استعجاليه غير مكتملة أو حشدا من الشهادات التي تحمل تفاصيل مشتركة، بل كانت متناً مغرداً خارج سرب الأدب الاستعجالي، بتسليطها الضوء على عوالم أشخاص لم يكونوا أطرافاً في الحرب فقط ، كانوا يكابدون مشاق الحياة من أجل البقاء ويتلقون ضرباتها وتشوهاتها دون الانحدار في هوة مخلفاتها، لكن الأقدار كانت تعاندهم وتدير لهم ظهرها ، فيختارون السفر كحل جذري لما لاقوه في بلدانهم الأصلية ومن أجل شتات أحلامهم .هذه الرواية تفجر ألغام التاريخ وتنزع صفة القداسة عن الماضي الثوري بإسقاط أقنعة المحاربين المزيفين في حرب التحرير الجزائرية ، حين يتضح في النهاية أن عم»سليم «سي أحمد « لم يكن إلا عميلا للاحتلال الفرنسي ومرتزق حرب .