يتوجه الشعب الجزائري إلى صناديق الاقتراع لإقرار الدستور الجديد في 01 نوفمبر 2020 الهدف الاستراتيجي هو إصلاح الدولة والتنمية والتماسك الاجتماعي في مواجهة التغيرات الداخلية والعالمية الجديدة أهدافا إستراتيجية يجب أن يقوم عليها الدستور" لاسيما "إعادة بناء الدولة الجزائرية، والتوفيق بين الحداثة والاصالة، والكفاءة الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية العميقة، لاستعادة الثقة المنهارة بين الدولة والمواطنين من خلال حوار منتج ومثمر. 1. رؤيتنا لاقتصاد السوق
إنّ المؤسسات العمومية أو الخاصّة يجب أن تعامل على قدم المساواة في مواجهة الفضاء الاجتماعي- الاقتصادي للسوق لتسهيل المرونة التنظيمية في المنافسة الدّولية مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجديدة لأنّ الشركات الكبرى تعرف توسعا وانفجارا تنتج عنه شبكات مركبة غير مركزية بالعالم تعمل مع مصالح تتدعم بالتكنولوجيات الجديدة، ولهذا فإنّه إزاء هذا التغير العالمي يجب على المصالح الجماعية، بما فيها بعض قطاعات التسويق، أن تخضع للاختلاط من أجل منافسة جيّدة وتحكم كبير في التكاليف ممّا يجعل أي احتكار غير فعال في هذا المجال لأنّ إدخال أبعاد التسويق يكشف عن نجاعة المصالح الجماعية كما يجنب تبذير الموارد من أجل تسيير جيد للقطاعات التابعة للدّولة. وعلى خلاف الرؤية الليبرالية الكبيرة فإنّ الدّولة ستلعب دورا هامّا كجهاز ضابط عبر قنوات التوزيع المتخصصة لحماية القطاعات الحساسة في مجال التوفيق والمصالحة بين التكاليف الاجتماعية والتكاليف الخاصّة للوصول إلى الذروة الاقتصادية. في هذا الإطار نشير إلى أنّ مناهضي العولمة يرفضون العودة إلى اقتصاد دولة بيروقراطية وإلى الأنظمة الشمولية فيما تؤيد قوى مضادة للسلطة ينشط فيها المجتمع المدني بفعالية أكثر وتسمح بإعادة توزيع للثروة وطنيا ودوليا وعدالة اجتماعية أكبر تحرّكها تكتلات خاصّة مع المحافظة على طابع وخصائص الخدمة العمومية. وانطلاقا من هذا يمكننا التفريق بين أنصار الرّأسمالية التقليدية الذين يثقون ثقة كبيرة في اقتصاد السوق وأنصار الاشتراكية (الاشتراكيين) الذين يتخوفون من الأسواق ويراهنون على ملكية الدّولة لوسائل الإنتاج. يبرز هذا في وعي الشعب مفهومان هما: اقتصاد سوق يعني الرّأسمالية واقتصاد مسير ومخطط يعني الاشتراكية فيما يسبب شعار اقتصاد اجتماعي تابع للدولة نظرة أكثر تعتيما. ويبقى اقتصاد السوق لا يتناقض، لا مع الاشتراكية ولا مع الرّأسمالية التقليدية، لا بل فإنّ اقتصاد السوق يدمج بين رأس المال والعمل ويرتبط بالليبرالية التي تنتهي إلى أهداف اجتماعية وهكذا يمكننا تعريف اقتصاد السوق بأنّه تنظيم اجتماعي الذي يعطي دورا أساسيا لقواعد وقوانين السوق من أجل التكيف وتصحيح المسار الاقتصادي. يرتبط اقتصاد السوق مع اتّجاه ثالث بين الرّأسمالية المتوحشة واشتراكية الدّولة يجمع بين النجاعة الاقتصادية بتحرير الطاقات المبدعة من جهة والعدالة الاجتماعية بفضل دور الدّولة المنظم كما أنّ اقتصاد السوق يعيد الاعتبار للعمل والعبقرية المبدعة ويكون بذلك مصدرا لإنتاج الثروات، ويعرف اقتصاد السوق أيضا بأنّه مجموعة من النساء والرّجال الذين يجدون في المساهمة في نفس النشاط التسويقي والتجاري وسيلة لتحقيق طموحات مختلفة. 2. إقتصاد سوق يشجع مجتمعا متعددا
وعلى خلاف الرّأسمالية المتوحشة واقتصاد الدولة الاحتكاري، فإنّ اقتصاد السوق يرتكز على المنافسة التي بدونها لا يمكن أن يكون هناك اقتصاد سوق حقيقي مما يبعد ويلغي كل إشكال الاحتكار والكارتلات. في هذا الإطار يبقى على الدّولة الدّور المنظم لحراسة المواقع المسيطرة وفرض إذا اقتضت الحاجة عمليات التفكيك، لأنّه داخل اقتصاد السوق لا يوجد للسلطات العمومية دورا تلعبه في التسيير الدّاخلي للمؤسسات لكن دورها يشمل تأطير المجموعة الاقتصادية باعتبارها منظمة لتسيير النقد ومراقبة القروض في الاستثمارات وعمل الهياكل القاعدية وفي التربية من أجل تأمين وتكوين يستجيب لاحتياجات المؤسسات والشروع في سياسة تهيئة للتراب الوطني ترتكز على لا مركزية حقيقية واقعية تساهم فيها الجماعات المحلية وشبكات مجتمع المدني. وهكذا فإنّ الأمر يتعلّق بتشجيع المجتمع المدني حتّى يعبر عن أفكاره وآرائه مثل النقابات سواء العمّال التابعين للباترونا (أرباب العمل) التي يجب على العملية أن تتمّ عبر الفروع وفيما يخص العمال يتم العمل النقابي داخل المؤسسة لكن دون المساس بوحدة مديرية المؤسسة وبشكل شامل يجب أن يتوفر تعايش بين مختلف الشركاء الاجتماعيين داخل المؤسسة لأنّه يرجى دائما أن تندمج المؤسسة في مجتمع ديمقراطي. 3. أهميّة الدّولة المنظمة
تلعب الدّولة المنظمة دورا أساسيا في التوظيف وفي الأسعار والمداخيل والسياسة النقدية وتتمثل خصائص سوق الوظائف في الاستجابة لقانون العرض والطلب، وفي هذا المجال مع أنّنا نشهد إشكالات جديدة للتوظيف، تماشيا مع التغيرات الدّولية والعالمية خاصة في مجال التسويق والتجارة مما يفرض تكيف وتأقلم جهاز التكوين لزيادة المرونة من خلال تكوين دائم، كما أنّ تشريع العمل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار هذه التغيرات والتحولات والدولة عليها بالمساهمة. وفي مجال مراقبة الأسعار والمداخيل تساهم الدولة من خلال مراكز التحليل والمراقبة في توجيه سياسة الأجور ونسب الفائدة والأسواق النقدية والمالية عبر تأطيرات مرنة بعيدة عن أيّة نظرة بيروقراطية ويبقى الهدف الأساسي هو التوفيق بين النمو والعدالة من خلال سياسات إعادة توزيع المداخيل عبر الميزانية كما أنّ محاربة الإقصاء والفقر ستدعم الالتحام الاجتماعي والنجاعة الاقتصادية التي تضمن أخلاق الدّولة ذاتها وبهذا تستجيب التدخلات العمومية إلى عدّة أهداف منها : - تسيير النقد والعمل. - تأمين التضامن بكل أشكاله المختلفة مع أنّ هناك دور مهم تلعبه مؤسسات التعليم الخاصة وشركات التأمين الخاصة لتجسيد هذه التضامنات. - توزيع التكاليف المشتركة عبر سياسة ضريبية نشطة. - تحديد وفرض احترام قواعد اللعبة بفضل لجان أخلاقية مثل مجالس مراقبة البورصة (لحماية أصحاب الأسهم) والمنظمات غير الحكومية. – كبح الحركات المشوشة، فالدّولة مطالبة هنا بإصدار العملة المستقرة وتقديم خدمات جيّدة خاصة في مجال التربية والصرف. 4. الدّيمقراطية واقتصاد السوق كأولويات
إنّ كل سياسة اقتصادية واجتماعية مستقبلية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار التحولات والتغيرات التي يشهدها العالم حتى نتأقلم مع هذا العالم الدائم التغيير والحركة ومن أجل تجنب أن نهمش، لأنّه في هذه الحالة لا يمكننا تجنب تدعيم الفضاءات الاقتصادية سواء كان ذلك في آسيا (أبيك) وإفريقيا ; في أمريكا (ألينا) أو في أوربا التي تتوسع شرقا وجنوبا من خلال الخارطة الأورومتوسطية المستقبلية، حيث أنّ عملنا باتّجاه الخارج من خلال تشجيع إنشاء مركز ثقافي وجامعة أورومتوسطية يكونا مقرا للحوار بين الحضارات وتلاقح الثقافات وإنشاء بنك وبورصة أورومتوسطية في آفاق 2020 - 2025 لتسهيل انتقال الأملاك والأشخاص والاستثمار في هذا الفضاء الأورومتوسطي. وفي مرحلة إنتقالية فإنّ العمل الإستراتيجي سيتمثل في دعم الفضاء الأورومتوسطي لأنّ محاولة العمل فرديا يعد إنتحارا وتكون نتيجة هذا الدعم تنسيق للسياسات الاجتماعية التربوية والاقتصادية والضريبية والجمركية والمالية من خلال عملة وبنك مركزي مع الأخذ بعين الاعتبار الامتيازات الخاصّة بكل بلد. أنّ المؤسسات تتركز في الأماكن التي تكون فيها المصلحة الأكبر. ففي منطق الأعمال لا يوجد مكان للمشاعر خاصة أنّ القرن الواحد والعشرين يشهد سيادة وغلبة الشبكات المتقاطعة في العلاقات الدّولية مما يتطلب سياسة خارجية متميزة بإعادة تكيف لدبلوماسيتنا.وحتى تصبح أكثر نشاط فعليها أن تعتمد بشكل كبير على المنظمات غير الحكومية لاستعادة الجزائر لصورتها وسمعتها وتشجيع الأعمال. على الصعيد الدّاخلي، يتعلّق الأمر بإعادة بناء الثقة بفضل دولة القانون وتطبيق قرارات التقرير الخاص بإصلاح هياكل الدّولة ووضع حد للانطلاق الذي يحكم العلاقة بين المواطن والدّولة الذي تتمثل أسبابه في عدم احترام السلطات العمومية لالتزاماتها منذ عقود طويلة، وكذلك تدهور ظروف حياة المواطن الذي تزيد من معاناته السياسات الاقتصادية والاجتماعية غير المناسبة والفوضوية التي تتسبب في التبذير المتزايد للموارد الضعيفة المتوفرة. وهكذا فإنّ اللّغة الحقيقة بواسطة إعلام نشط يتبنى لغة يفهما الشعب خاصّة وأنّ العالم قد أصبح منزلا من زجاج بسبب ثورة عالم الاتصالات هذه اللّغة يجب أن تظل انشغالا دائما للدّولة. ويدخل تحرير وسائل الإعلام والفن والتسلية والثقافة في إطار تفتح الطاقات المبدعة إذ يتعلّق الأمر بإعطاء الأمل من جديد للشعب كما أنّ إقامة دولة القانون المرتكز على العود إلى الأمل، تتطلب أعمال مجسدة في مكافحة الرشوة والمحاباة والجهوية وعلاقات العمل التي ابتعدت كثيرا عن الشفافية. ومن ثمّ فإنّ تجسيد طموحات المواطنين الجزائريين يستلزم وضع ميكانيزمات جديدة لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية، باشتراك المجتمع المدني وتوفير استقلال واقعي وحقيقي للجهاز القضائي بإعادة النظر ومراجعة عمل المفتشيات العامّة للمالية وكذا محكمة الحسابات وأنّ هذه الأعمال تبقى مرتبطة بحماية الأملاك والأشخاص واشتراك المجتمع المدني، في ذلك لتجنب التصادم المباشر بين الدّولة والمواطن ويضاف إلى هذا ضرورة عصرنة وتحديث جيشنا الوطني وقوات الأمن عندنا بإعطائهم الوسائل اللاّزمة لأداء مهامهم بدون عقد، مثلما يجري في كل إصقاع العالم. وهكذا فإنّه من المرجو أن يوضع قانون حول الأمن وهو متوقع في الدّستور ويكون ثمرة تشاور واسع بين الهيئات المعنية الأساسية ويأخذ بعين الاعتبار الوضع الدّاخلي بالجزائر وكذا التطوّرات الدّولية. ومن أجل السماح بعمل منظم ومنسق في الزمن يجب وضع قانون برمجة مدّته خمس سنوات لضمان تجنيد الوسائل المالية والبشرية وتخطيط إستراتيجي لعصرنة الجيش وقوات الأمن كما يحدث في أي بلد ديمقراطي بالتناغم والتنسيق مع إقامة دولة القانون. إنّ العلاقات بين الجزائر وحلف الشمال الأطلسي (ناتو NATO) واللّجنة الأوروبية للدّفاع والاقتصاد يجب أن تتدعم من أجل جعل حوض المتوسط منطقة سلام ورفاهية لصالح شعوب المنطقة ودائما في مجال إقامة دولة القانون ونظرا لما يشهد من خلل في مجال التشريعات نقترح ما يلي: - إعادة التفكير في مجموع النصوص التشريعية خاصّة منها قانون الولاية لتحقيق لامركزية وجهوية القرارات الاقتصادية التي تعتبر أساس اقتصاد السوق، ويتمّ ذلك على خمس مستويات. - اللاّمركزية على مستوى المجالس البلدية وإلغاء الهياكل الإدارية الوسيطة مع الأخذ بعين الإعتبار خصوصيات مناطق الجنوب. - تقليص العدد المتزايد لشركات تسيير المساهمات وكذا شركات المساهمات وكل الهياكل الإدارية المشابهة (كالهولدينغ الشركات القابضة مثلا) التي تحد من التسيير الذاتي واستقلالية المؤسسات العمومية وحركة رؤوس الأموال إذ تعتبر عائقا أمام تحرير هذه المؤسسات. - إنشاء مجالس جهوية تفتح ملف التسيير الجهوي الذي لا يجب دمجه في مصطلح الجهوية وهذه المجالس عليها أن تنشط في مختلف القطاعات في إطار تعاون وثيق بين غرف التجارة الجهوية. بما فيها رجال الأعمال الخواص أو العموميين ويشمل هذا التعاون والتنسيق البنوك ووكالات التأمين والجامعات ومخابر البحث والإدارة المحلية ويبقى الهدف هو إتاحة مشاركة الشعب في صنع مصيره دون إنتظار الهيئات الإدارية العليا. ومعلوم بأنّ المجالس الجهوية سوف تعمل في إطار الامتيازات التي تخص كل جهة من خلال توجيه انتقائي بحيث يكون الاستثمار لا مركزي على مستوى العملاء الاقتصاديين ويكون الوالي باعتباره ممثل الدّولة مكلفا بالهياكل الإدارية، والذي له صلاحية التدخّل في الجانب الاقتصادي. - التأمين للدّولة مهمّة التنظيم (الضبط) الشامل وإعفائها من وظيفة المالك المسير، وبهذا تعمل الدّولة كهيئة منظمة في إطار تهيئة الإقليم بالمحافظة على البيئة بمساعدة المجالس الجهوية من خلال سياسة نشطة لمكافحة التصحر بالتشجير والتوجيه عبر نسب الربح والضرائب والتعريفات الجمركية. - إنشاء مختبر كبير لتلقي ومعالجة وتحليل المعلومات المتخصصة مستقل عن الحكومة لتفادي المناورات الحزبية بحيث تكون الجامعة طرفا فعّالا في هذا المختبر.
5. إصلاح العدالة و القانون إنّ إصلاح العدالة مرتبط بإقامة دولة القانون والأمن وعليه أن يستجيب لمطالب وطموحات المواطنين وهذا الإصلاح للعدالة يجب أن يوفق بين تسيير جيّد يأخذ بعين الاعتبار القانون الدّولي وبين اندماج المجتمع الجزائري في العولمة وفي الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجديد خاصّة في مجال إقامة قواعد اقتصاد السوق المرتكزة على احترام العقد وإعطائه طابعا إنسانيا لتفادي صعوبات الولوج إلى هذا الاقتصاد. إنّ دعم استقلالية القضاء يجب أن يؤسس لمصداقية الدّولة في نظر المواطن، والعدالة في إطار تعاون وثيق بين مجموع المجتمع على أسس التشاور والحوار من خلال العائلات ومنظمات المجتمع المدني والمختصين في عدّة مجالات، كما أنّه يجب الاهتمام بالطموحات المشروعة للمواطن وهذا لمواجهة الانحراف لتسهيل إعادة اندماج السجناء في المجتمع،و يتطلب أيضا تعاون كبير بين مختلف مصالح العدالة والشرطة وقوى الأمن المختلفة لمكافحة الآفات الاجتماعية كعصابات الأشرار وتهريب المخدّرات والاختلاسات المالية، ممّا يستلزم إقامة هياكل جديدة وتكوين متطور يتماشى مع التكنولوجيا والقواعد القانونية الدّولية. 6. مكافحة الرّشوة بميكانيزمات شفافة إنّ مكافحة الرّشوة تتمّ من خلال التنسيق بين المفتشيات العامّة خاصة المالية ومحكمة المحاسبة وتنصيب شبكات الإعلام الآلي للربط بين الجمارك والضرائب وإدخال الإعلام الآلي لدى الجمارك والموانئ والمطارات والمؤسسات من أجل شفافية أكبر. ويضاف إلى هذا التخفيف من الإجراءات القانونية للحصول على السجل التجاري ممّا يتطلب تظافر جهود عدّة جهات في الختام: الجزائر لاعب رئيسي في استقرار البحر الأبيض المتوسط والمنطقة الأفريقية. هناك ارتباط ديالكتيكي بين التنمية والأمن فلنأمل بمستقبل أفضل لوطننا. [email protected]