تمر اليوم الذكرى ال 26 على رحيل أسطورة الأغنية العاطفية الشاب حسني الذي اغتيل يوم 29 سبتمبر 1994 من طرف مجهولين. إلا أن ذكرى الرجل وأعماله الفنية ما تزال تشكل جزءا لا يتجزأ من يوميات الجزائريين .كما ظلت حكاية اغتيال الشاب حسني من أكثر الحكايات المثيرة للجدل ...هكذا لا يزال المرحوم حسني يصنع الحدث بأغانيه وأخباره على الرغم من مرور 26 عاما على اغتياله. و الشاب حسني شقرون ابن حي الصديقية " قمبيطة " عاش عاشق لفن الراي والأغنية الوهرانية العاطفية و عاشق لوطنه واستطاع بفنه أن يقدم رسالة أمل في الحياة عندما كانت البلاد تعيش عشرية حمراء و خلدته مدينته وهران بإطلاق اسمه على مسرح الهواء حسني شقرون ، و حسني من مواليد الفاتح من فيفري 1968 ، ينتمي إلى عائلة بسيطة ، إذ أن والده كان يمتهن الحدادة وطالما حلم بأن يصبح أصغر أبنائه طبيبا أو محاميا لكن حسني كان دائما يحلم بأن يصبح أحد نجوم كرة القدم بل مارسها بإحدى الفرق بمدينة وهران المنتمية للقسم الثاني من الدوري الجزائري ثم اعتزل عقب إصابته في الذقن على مستوى الفك السفلي، في إحدى المباريات مع فريقه حيث كانوا يلعبون في ملعب ذات أرضية غير معشوشبة، ومكث أسابيع في المستشفى وهناك كان يستمع لأغاني فريد الأطرش، وحين خرج من المستشفى زاد وزنه كثيرا وانخفض مستواه كثيرا في مجال كرة القدم، فقرر الاعتزال وبدأ حلم الغناء ليصبح بعد ذلك فنان الأغنية العاطفية ولقب بعندليب الراي جزائري والشاب حسنى انضم لإحدى الفرق الفلكلورية في صغره -فرقة قادة ناوي- وشارك في حفلات الزفاف والسهرات المنظمة بمدينة وهران وذاع صيته خاصة بأدائه لأغاني التراث الجزائري كأغنية «يا ذا المرسم عيد لي ما كان... فيك أنا والريم تلاقينا»، المعروفة والمحفوظة لدى أغلب الجزائريين إذ أداها قبله كل من الشابة الزهوانية، الشاب نصرو، الشاب خالد، الشاب مامي وبلاوي الهواري وغيرهم من نجوم الأغنية الجزائرية، وبذلك بدأ في إنتاج الأشرطة بالإنتاج بأول ألبوم في ثنائي مع الشابة الزهوانية سنة 1986 بعنوان البرّاكة ،ثم بدأ في صنع طابع راي خاص به، مثل أغاني:ما تبكيش، قولي ذا مكتوبي، قاع النساء (كل النساء) ،طال غيابك يا غزالي. أما عن ألبومه " راني خليتهالك أمانة" ، فلقد بيع منه مليون نسخة و أغنية الفيزا: وبيع من هذا الألبوم 250 ألف نسخة عند صدوره سنة 1991.تغنى حسنى بمشاكل الشباب وبالحب رابطا تلك الأغاني بمشاكله الخاصة، وكثيرا ما روى في أغانيه علاقته بابنه الوحيد عبد الله المولود سنة 1991 وعن قصة الفراق منذ 1991 مع زوجته المقيمة بليون الفرنسية، حيث تعرف عليها في إحدى جولاته الفنية وتزوجها في سن العشرين. وسنة 1992 غنى "صرات بيّا قصة" (أي: حدثت معي قصة) والتي تروى حكايته عندما تعرض له شبان بأسلحة بيضاء وشعر بأن حياته في خطر . وأغنية قالوا حسنى مات عندما نشرت إشاعة من طرف مجهولين بوهران تتحدث عن موت الشاب حسني بحادث مرور عندما كان في زيارة لكندا. أعاد الشاب حسنى ألحان بعض من نجوم الأغنية الجزائرية والعالمية بطريقته الخاصة، ولاقى نجاحا بإدخال الألحان الشرقية في موسيقى الراي الجزائرية ، سافر إلى أوروبا وكان أول من أوصل أغاني الراي إلى الدول الاسكندنافية وأمريكا، وأوصل عديد الرسائل للجالية العربية وخاصة أغنية: ما بقاتش الهدة، غير هنا نديرو القلب، نحمل نهمل في بلادي، ولا هم الغربة، ديرو النيف، كيما دارو جدودنا، الشرف عنده قيمة، تحيا بلادنا. أما أنجح حفلاته كانت آخر حفلة في حياته يوم 5 جويلية 1994 بالملعب الأولمبي 5 جويلية بالجزائر العاصمة في إطار الاحتفالات بالذكرى 32 للاستقلال. كما تعرضت ألبومات الشاب حسني للقرصنة وإعادة الطبع بطرق غير شرعية في بلدان مجاورة للجزائر لكن من أكثر الألبومات مبيعا هي: **البيضا مون آمور** 120 مليون نسخة، رغم أنه كان غزير الإنتاج في السوق إذ أن المدة الزمنية بين البوم وآخر لا تتجاوز شهر وأحيانا أسابيع وأيام وتباع كلها بطريقة منتظمة. لقد عرف حسني ببساطته وطيبته وحبه للفقراء والمساكين وهو السر الأكبر في النبرة الحزينة جدا لأغانيه التي عكست أحاسيس وأحلام الشباب الجزائري الغارق آنذاك في براثن أزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية خانقة كادت أن تعصف بالجزائر ، أطلق عليها فيما بعد العشرية السوداء. خصاله الحميدة زادت نجوميته يقول الفنان التشكيلي توفيق علي شاوش عن المرحوم في تصريح خص به أمس الجمهورية : " كان المرحوم حسني إنسانا متواضعا جدا مع جميع الناس ... أتذكر في أحد الأيام كنت أقود سيارتي في شارع العربي بن مهيدي وسط مدينة وهران و رأيت سيارة حسني بجواري ، فناديته و ما إن سمع النداء تتوقف و سلم... فرآه عامة الناس، فسرعان ما عرفوه و تسارع الجميع للتسليم عليه و تقبيله.. حتى أنه لم يستطع المرور و سد كل الشارع بأكمله ، لقد كان محبوب الجماهير خاصة النساء ربي يرحمه " . أما المايسترو باي بكاي فقال عنه : الشاب حسني رحمه الله ، كان أول من سجل عن طريق الكومبيوتر،كان يمتاز بغزارة الإنتاج، ظهر في الساحة الفنية منذ سنة 1986،و بقي 8 سنوات كاملة قدم فيها ، أروع الأغاني العاطفية التي تجاوزت إنتاجات باقي الفنانين الذين تواجدوا في عهده، وسر نجاح المرحوم حسني هو اقترابه من المواضيع الاجتماعية التي تلامس قلوب الشباب إلى جانب العاطفية التي عرف بها، خصوصا أنه كان من عشاق عبد الحليم حافظ، جورج وسوف ووردة الجزائرية ،وهو ما جعل الطرب المشرقي يؤثر كثيرا على توجهه الغنائي، ونجم عنه ظهور لون غنائي جديد وهو" الراي العاطفي" ، أما فيما يخص مخارج الصوت ، فقد كانت مسالكه صحيحة و يغني المقام العربي دون أخطاء ، كما عرف بالارتجالية و كان من الأوائل في استخدام الطريقة التي كان يغني بها مطربي الجاز السود في أمريكا ، أذكر أن أول لقائي لي معه كان سنة 1978 ، وعمره لم يتجاوز 8 سنوات، وبالتحديد عندما كان في المخيم الصيفي و كان يغني في الكورال، وأنا كنت حينها منشطا رئيسيا، حيث أنه تدرّب عندي، وبعد سنوات قدم إلى محطة التلفزيون بوهران 1985 من أجل المشاركة في حصة قوس قزح، وعرفني وقتها بنفسه، لحنت له العديد من الأغاني ، لقد رحل الشاب حسني منذ 26 عاما ومازالت أغانيه تصدح بين جميع الأجيال، ومشاكل الحاضر عبّر عنها الفنان الجزائري في الماضي بطريقة أصدق بكثير ، فنان عشقه الشباب و لازال لحد الآن يردد أغانيه.