في قراءة موضوعية لمواد دستور الجزائر الجديدة الذي سيعرض للاستفتاء في الفاتح نوفمبر القادم أكد أستاذ القانون بجامعة تيارت الدكتورعيسى على المزايا التي يحملها في ثنايا مواده سيما ما تعلق بالعدالة الإجتماعة والمساواة بين الجزائريين من خلال هذا الحوار الذي خص به جريدة الجمهورية: حسب الباحث فإن قيام الدولة الجزائرية الحديثة كان مبني اساسا على مبدأ التكافل الاجتماعي منذ عهد الأمير عبد القادر وقبله ، واستمد بيان الفاتح من نوفمبر 1954 هذه المبادئ و كرسها خلال الثورة التحريرية وبعدها ، وكان خيار الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية الطابع الاجتماعي للدولة مهما كانت الايديولوجيا و التوجه السياسي الذي عرفته البلاد ، و بالعودة الى القانون الاسمى في الدولى دساتير الجمهورية الجزائرية لم تخلو من التنصيص على الطابع الاجتماعي للدولة، وما كان للتعديل المدرج على دستور 2016 و الذي يعتبر مرحلة مهمة في تطبيق برنامج رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون الهادف الى التغيير الجذري و بلوغ الجزائر الجديدة المنشودة ان يخرج عن السياق الذي ناضل و يناضل من اجله الشعب الجزائري وهو تحقيق العدالة الاجتماعية بمفهومها العام دون ربطها بالمفاهيم السياسية أو القانونية أو الاجتماعية وهي تتركز في اربع محاور اساسية و هي : المساواة وعدم التمييز و تكافؤ الفرص هذا بالاضافة الى الدلائل السياسية و التنظيمية التي تدل على تبني الدولة في نظامها الاساسي العدالة الاجتماعية كخيار اساسي ، وانطلاقا مما سبق يمكننا الخوض في الاحكام التي تضمنها دستور 2020 و التي ترجمت الارادة السياسية للدولة في تكريس المبادئ العامة للدولة بما في ذلك ضمان تحقيق العدالة الاجتماعية ، فانطلاقا من نص ديباجة الدستور و التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من احكام الدستور نجد ان خيار الطابع الاجتماعي للدولة يظهر جليا بداية بالتأسيس على بيان أول نوفمبر 1954 و جعله خيارا لا بديل عنه في الفقرة الرابعة من الديباجة ، و اعادة التذكير بالتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري من أجل التكفل بمصيره الجماعي في كنف الحرية و الهوية الوطنية و استرجاع السيادة على ثرواته لوضعها في خدمته طبقا لما ورد في الفقرة الخامسة و السابعة من الديباجة ، و انتهت الفقرة العاشرة و الحادية عشر ،الى التأكيد على ان الشعب حريص على ترجمة طموحاته من خلال إحداث التحولات الاجتماعية و السياسية لبلوغ الجزائر الجديدة تلبية لمطالب الحراك الشعبي الاصيىل ل 22 فبراير 2019 ، هذا الشعب الذي ناضل و يناضل في سبيل الحرية و بناء مؤسسات دستورية اساسها مشاركة المواطنين و المجتمع المدني لتسيير الشؤون العمومية الضمان الاجتماعي وفي معرض حديثه عن الضمان الاجتماعي كشف الباحث في القانون أنه من بين أهم الأساسيات التي يبنى عليها النشاط الاقتصادي بما يكفل كرامة المواطن وسلامته الصحية و الاجتماعية ، ويكفل حماية للفئات المحرومة من طرف الدولة في شقه الثاني ولقد كرس دستور 2020 ذلك انطلاقا من نص المادة 66 التي كرست الحق في العمل ضمن الاطر القانونية و التنظيمية و واجب تفعيل حق الضمان الاجتماعي للعمال و في ذات السياق تعمل الدولة على ضمان الماء الصالح للشرب و الرعاية الصحية و الوقاية من الأمراض المعدية و الوبائية و مكافحتها ، و تمكين الفئات المحرومة من الحصول على سكن لائق طبقا للمادة 63 من الدستور و تؤكد المواد 26 ,27 , 28 ,29 على واجب المرافق العمومية على خدمة المواطن وتطبيق مبدأ المساواه و ضمان خدماته دون تمييز أو تحيز و بمشاركة المواطن في اتخاذ القرار. التوزيع العادل للموارد ان فكرة التوزيع العادل للموارد يمكن قراءتها ضمن مضامين مختلفة تستشف من مقاصدها يمكن الاشارة الى بعض منها فضمان الدولة لحرية التجارة و الاستثمار و المقاولة و ممارستها في اطار القانون تكرس حرية الوصول الى الموارد و استغلالها طبقا للقانون كما اكدت عليه المادة 9 من الدستور في فقرتها السادسة بنصها على واجب الدولة في القضاء على التفاوت الجهوي في مجال التنمية و دعم سياسة التوازن الجهوي و توزيع الانفاق العام من خلال التحويلات الاجتماعية بعدالة على مختلف مناطق الوطن لبلوغ التنمية الشاملة ،وايضا يمكن ان يستشف من خيار اللامركزية وعدم التركيز الاداري في تسيير الشأن العام و علاقة الادارة بالمواطن والدمقراطية التشاركية المكرسة من خلال المواد16,17,18 كما تؤكد المادة 20 على ان الملكية العامة تتضمن اغلب الموارد من المعادن و الموارد الطبيعية و الطاقوية و المياه والغابات تبقى تحت تصرف الدولة وحدها وضمن ملكيتها و هي من يكفل استغلالها بما يضمن اعادة توزيع مواردها بما يكفل خدمة المواطن . مكافحة الفساد وختم الدكتور علي عيسى تشريحه لمواد الدستور بالحديث عن مكافحة الفساد والذي يهدف الى تحقيق الاهداف الاساسية للعدالة الاجتماعية و أسسها التي بنيت عليها لا يمكن أن يتأتى الا ضمن وسط صالح خال من الفساد و المفسدين و لا يقل خطورة الفساد الاجتماعي عنه من الفساد المالي ، ومن ثم اكد دستور 2020 على ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية و السياسية و المالية لمواجهة ظاهرة الفساد ومكافحتها ، واظهر نيته في ذلك انطلاقا من ديباجة الدستور في فقرتها الثانية عشر و التي اكد من خلالها المؤسس الدستوري على تمسك الجزائر شعبا و دولة بالعمل على الوقاية من الفساد و مكافحته ، بل وخصص لها مؤسسات دستورية تكفل العمل الرقابي و محاربة الفساد و التي جاءت ضمن المواد 199 و ما يليها بالنسبة لمجلس المحاسبة ، والمواد 204 ,205 بالنسبة للسلطة العليا للشفافية و الوقاية من الفساد و مكافحته ، و هيئات استشارية عديدة يمكن ان نذكر منها المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي و المجلس الوطني لحقوق الانسان.