التراث الشعبي هو ذلك المخزون الثقافي و المعرفي و الاجتماعي الذي اصطلح على تسميته باسم الفلكلور أو "المأثورات" والذي يعني "حكمة الشعب" ، و هو عنوان عام لكل الدراسات التي تتناول مظاهر الثقافة الشعبية. وقد صنف الباحثون الدراسات الفولكلورية إلى خمس تصنيفات و هي: العادات والتقاليد والمعتقدات و الخرافات الشعبية و الحرف التقليدية والفنون الشعبية و الأدب الشعبي، و تشمل هذه الدراسات التراث المادي و اللامادي. و من التراث المادي هندسة أضرحة أولياء الله الصالحين الذين ارتبطت بهم مدينة وهران كغيرها من المدن و القرى الجزائرية، نذكر منهم على سبيل المثال : سيدي الهواري و مولاي عبد القادر الجيلاني (الكيلاني) المعروف شعبيا بمول المايدة و سيدي الحسني و سيدي بلال و سيدي السنوسي و سيدي البشير و سيدي غالم و غيرهم... زيادة على هذه الدلالات الدينية هناك رموز أخرى تتداخل فيما بينها لتعطي مدينة وهرانالقدسية و القوة التي يدل عليها " الأسد " فهي مدينة الأسود، و هي الأسطورة التي تأسست عليها المدينة " وهران " بكسر حرف " الواو"، و الوهر يعني الأسد و هو مفرد للمثنى " وهران ". و هناك رواية تمتد جذورها إلى ولي الله الصالح " سيدي امحمد بن عودة " دفين نفس القرية التي تحمل اسمه بولاية " غيليزان " يقال أنه كان مروضا للأسود عندما كان مرابطا في ثغور وهران، و كانت إذا رأته تنحي له، و إلى هذه الأسود تنسب تسمية المدينة، مع وجود دليل مادي يحمل اسم الولي وهو " سيدي امحمد " بمزار " قبة " مقابل واجهة البحر. ربما يكون اسم وهران بربريا " إفري " بمعنى الكهوف، ونسبها البعض إلى واد هاران، أو أسود الأطلس كان آخرها أسدان اصطادهما الولي الصالح " سيدي المعقود المهاجي بجبل معروف باسم جبل الأسود. هذه الروايات هي مدعمة بمراجع تشير للأسود منها " طلوع سعد السعود في أخبار وهران ومخزنها الأسود" تأليف: الآغا بن عودة المزاري الوهراني، تحقيق يحي بوعزيز. تعود المدينة من الناحية الحضارية إلى مرحلة ما قبل التالريخ، أرسى بها الفينيقيون أول مرة بالمكان المسمى " الأندلسيات " و كان عبارة عن خليج. و على مقربة منه توجد مقبرة تعود إلى الفترة القرطاجية " ما بين القرن الرابع و الأول قبل الميلاد" و اتخذ الفينيقيون من شاطئ مداغ محطة تجارية. أما الرومان فنزلوا ب " بطيوة " التي كانت تسمى " بورتيس ماغنيس" Portus Magnus و أطلقوا على ميناء وهران و مرسى الكبير اسم الميناء الإلهي و سميت وهران " يونيكا كولونيا" "Unica Colonia " بمعنى المستعمرة الفريدة، ثم غزاها الوندال و البيزنطيون و فتحها المسلمون، ويرجع تأسيسها إلى عام 290ه/903م، من قبل بحارة أندلسيين على الأرجح بقيادة محمد بن عون ومحمد بن عبدون، كانوا ينتجعون مرسى المدينة، بموافقة من قبيلتي نفزة وبني مسقن المغراويتين المجاورتين للمدينة في عهد الخليفة الأموي ألأندلسي أبو محمد عبد الله بن محمد ابن عبد الرحمن. وقد تبنى هذا الرأي العديد من المؤرخين والرحالة والجغرافيين ومنهم الحموي والبكري وابن خلكان وابن خلدون...تقع المدينة التاريخية الإسلامية على تلّتين يفصل بينها وادي الرحي التي كانت تكثر الطواحين على طول مجراه، و سمي أيضا بواد رأس العين و واد إبن الخير نسبة إلى أحد الحكام الأوائل إبن الخير الخزري. و بعد حكم الأتراك لمدينة وهران غزاها الأسبان مرارا و لم يتمكنوا من إخضاعها ثم احتلها الفرنسيون بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. و من الحي العتيق ( سيدي الهوا ري) مركز وهران قديما خلال القرن الرابع عشر الميلادي ، تأسست المدينة الحديثة على المنوال العربي الإسلامي من طرف الباي ( محمد بن عثمان الكبير ) سنة 1792 حيث شُيدت في تلك الحقبة مساجد منها مسجد الباشا و مسجد محمد بن عثمان الكبير بسيدي الهواري. تتميّز وهران بعدة معالم و شواهد تاريخية يعود بعضها إلي الفترة الرومانية و الإسبانية ثم المرحلة العربية الإسلامية ( الفتوحات و الحكم العثماني) و ينقسم التراث المادي المعماري إلي ثلاثة أصناف و هي المباني أو العمارة العسكرية كالحصون و القلاع و العمارة الدينية كالمساجد و الزوايا و الكنائس ثم العمارة المدنية الممثلة في المباني و مساكن العامة. إن الأضرحة و مزارات أولياء الله الصالحين تندرج في صنف العمارة الدينية، حيث تنتشر ظاهرة الولي الصالح عبر أرجاء الجزائر حتى أصبحت كل منطقة مرتبطة بضريح، و هناك بعض العائلات التي تركز علي انتمائها إلي ولي و تفتخر بذلك علي كونها عائلة شريفة. الولي بين اللغة و المعتقد الشعبي: الولي في اللغة هو كل من تولى أمرا و قام به أما في المعتقد الشعبي فهو الوساطة بينه و بين الله، و قد ورد اللفظ كثيرا في القرآن الكريم منه قوله تعالى : " ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم و لا هم يحزنون، الذين آمنوا و كانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة، لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم " سورة يونس إن الاعتقاد بالأولياء و زيارة الأضرحة ، ظاهرة اجتماعية ترعرعت على وجه الخصوص بين الفترتين العثمانية و الفرنسية كنتيجة للتسلط و الظلم الذي مارسه المستعمر على الأهالي، فالتجأ الناس إليها طلبا للاطمئنان و راحة النفس. كما أن الأولياء يتفاوتون في الدرجات و الاختصاص، أي الكرامات و العلاج من المس و الأمراض النفسية. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المقام " و من أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء و ما يجري على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم و المكاشفات و أنواع القدرة و التأثيرات ". أما الولي في الفكر الصوفي فيراد به الولاية و لها خمس مراتب و هي: الأقطاب و الأبدال و الأوتاد و النقباء و النجباء ، والقطب أو الغوث "الغوثانية " ، و هي أعلى مرتبة يصل إليها الصوفي كما قال محي الدين ابن عربي. ثم انتقل هذا المصطلح من القدسية إلي الفضاء الشعبي ، فصار لصاحبه قبر يطلق عليه اسمه بعد موته و يشيّد له ضريح ليتخذه الناس مزارا إكراما لمقامه، و هناك كثير من المزارات بُنيت للولي و لو مكث بالمكان مدة قصيرة قد تحسب بالمرور عليه . و للإشارة فإن التصوف السني يقوم على 3 عناصر و هي: الشريعة و هي الالتزام بالأحكام التي شرعها الله، و الامتثال لأوامره و نواهيه و ما أوجبه على المكلفين من معتقدات و عبادات و معاملات، و الطريقة و هي العمل بالشريعة و أحكامها، و الحقيقة: و هي فهم أسرار الأشياء و إدراك حقائقها و هي خاصية القلة من الناس الزاهدين، لقول الرسول صلى الله عليه و سلم : " من عمِل بما علِم ورثه الله علمَ ما لم يعلم. " رواه أبو نعيم في الحلية، عن أنس بن مالك. يقوم المريدون للزوايا التي ينتمون إليها بتخصيص أيام لإقامة الوعدة التي هي فرجة شعبية شكلت جزءا من الواقع الإجتماعي و التقاليد، تقام عند قبة أو زاوية الولي الصالح و عادة ما تكون في فصل الصيف و الخريف و هي عبارة عن إطعام جماعي مصحوب بألعاب الفروسية يلتقي خلالها أتباع الطريقة سنويا قادمين من كل حدب و صوب، طلبا لبركة الولي الصالح و مقدم زاويته. إن الثقافة المادية أو التراث المادي هو صنف مكمل لمجموع التراث المعنوي أو اللامادي الذي يندرج تحت علم الفولكلور و من هذا المنطلق تأتي دراسة الولي الصالح سيدي الهواري دراسة فولكلورية بكل أبعادها الطقوسية و الشعبية و الفنية "هو الهواري أبو عبد الله بن عمر، فقيه مالكي متصوف زاهد ذائع الصيت في المغرب العربي، ولد في قبيلة مغراوة 1350م، شرق مدينة مستغانم و تربي بمنطقة ( هوارة )، و يقال أنه في سن العاشرة كان يلازم شيخا متعبدا اسمه " علي بن عيسى " فنال سره و حفظ القرآن الكريم. و له ابن يدعى ( هائج ) و له شقيق و من الرواة من يقول أنه تلميذه و مساعده " سيدي سعيد " مدفون بحاسي الغلة من ولاية عين تموشنت. انتقل من مازونة إلى بجاية و أقام بفاس خلال عهد الأدارسة و زاول جامعة القرويين مرورا بتلمسان التي أسس بها المدرسة الهوارية على منوال أبي مدين شعيب و المدرسة الخلدونية بالعباد. و رحل إلى المشرق و القدس و دمشق...تتلمذ على يد الشيوخ بن سعد الشريف نور الدين و موسى العبدوس من المغرب الأقصى و أحمد بن إدريس من علماء بجاية و عبد الرحمن الواغليسي صاحب المقدمة الواغليسية في الفقه، و هما أستاذي عبد الرحمن بن خلدون. كما حفظ كتاب المدونة الكبرى للإمام مالك رضي الله عنه. من مؤلفاته: السهو و التنبيه في الطهارة و الصلاة ( بالعامية ) و منظومة التسهيل و شرح المنفرجة و تبصرة السائل و التبيان و البستان و تعريف الخلف و الضوء اللآمع و الأعلام و شجرة النور و درة الحجال، و هي مراجع فقهية". تتلمذ عليه الشيخ علامة عصره إبراهيم التازي الذي قام بتوسيع الزاوية الهوارية حيث أنشأ مسجدا و مدرسة قرآنية و منزلا لإيواء الطلبة " حفظة القرآن الكريم "، و أضحت هذه الزاوية منارة علمية بامتياز للعلوم الفقهية و التصوف. يتفق جل المؤرخين على أن مدينة وهران حظيت بمكانة علمية مرموقة بفضل الإمامين سيدي الهواري وإبراهيم التازي. توفي عن عمر يناهز 89 سنة و حول مكان دفنه تضاربت الروايات : البعض يقول في وهران و هناك من يقول في حاسي الغلة بجوار الفقيه سيدي سعيد. و الرواية الثالثة تؤكد على أنه مدفون بقصر أغلاد بتيميمون ببلدية أولاد سعيد. و بالمناسبة فقد احتفظت الذاكرة الجماعية الوهرانية بأهازيج شعبية حول ورع و كرامات ( سيدي الهواري ) منها علي سبيل المثال: سيدي الهواري جانِي ابْعيدْ... حُبَّهْ في قلبي اشْدِيدْ الهواري سِيدْ المْلاحْ ... اعْجَبْنِي ادَّالِي قلبي وْ رَاحْ هندسة الأضرحة : يتميز الفضاء الداخلي و الخارجي للولي بطلاء أبيض علي جدران الضريح و أخضر علي قبته التي هي رمز للإمتداد الديني و هي مبنية بمواد بسيطة من خشب و حجارة و إسمنت و عادة ما يستعمل التراب أو الطين المبلل بالماء لبناء الجدران بدل الإسمنت. كما أن اللونين الأبيض و الأخضر يحملان دلالات قدسية حيث نجدهما أي اللونين مرتبطان بالإيمان و التقوى و الخير ( عاليهم ثيابُ سُندُس خُضرٌ) سورة الإنسان، و ( يومَ تبيضُّ وجوه و تسوَدُّ وجوه فأما الذينَ اسودّتْ وجُوهُهمْ أكَفَرْتُم بعد إيمَانكُم فذُوقُوا العذابَ بما كنتم تكْفُرُونَ) سورة آل عمران. و لذلك كانت أغلب الرايات و لأعلام الإسلامية مشكلة من هذين اللونين الأبيض و الأخضر و منه الراية الوطنية الجزائرية و الرايات الخاصة بأولياء الله الصالحين و قباب المساجد و عمائم الشيوخ بين البيضاء و الخضراء. ففي الثقافة العربية الإسلامية تحيل الألوان إلى رموز و دلالات متأثرة بالفكر الإعتقادي للناس حيث يرمز اللون الأبيض إلى السلام و الطهارة فهو لون رداء الإحرام و الطواف و الطيبة، في حين يرمز اللون الأخضر للخير و الإيمان و النماء. ينبغي الاهتمام بالتراث المعنوي و المادي وتأهيله من الناحية السياحيّة حتى يصير من نقاط الجذب السياحية الهامة في الدولة، و أن تكون هذه العناية على مدار السنة بعيدا عن المناسبتية التي و بشهادة الجميع تفرغ التراث من قيمته و جوهره الحقيقي. و لا تقتصر المحافظة على الموروث الثقافي على الدولة فقط بل هي مسؤولية الجميع أفرادا و جماعات تسهر على ترقيته و رعايته. و يفترض على المصالح المعنية أن تعاين واقع الموروث التراثي و الحضاري لصيانته و منع تخريبه لضمان ديمومة وجوده باعتباره عنوان هويتنا و رمز شخصيتنا.