كنت أنوي الكتابة في واحد من أعمدة الإعلام الأدبي الراحل بلقاسم بن عبد الله ، مهندس النادي الأدبي ليومية « الجمهورية «،..كنت منشغلا في البحث عن كل معلومة توصلني إليه ، فهو إعلامي وأديب كان يكتب للناس كي ينسى نفسه ، عرف كي يؤسس عبر الإعلام المكتوب والمسموع لغة تنافس كل ركود وسكون ونكوص....نعم ..جئت أبحث عن تراجم ترصد الحكاية والسيرة للراحل بلقاسم بن عبد الله ..وأنا أبحث وجدت ومضة كتبها الإعلامي الأديب أحمد ختاوي، فرُحت أقرأ ما كتب ..، لتقع عيني على اسم « أم سهام «، ومن القصص العجيبة التي حدثت لي أنني بعثت لها طلبا للصداقة يوم وفاتها .. كانت أم سهام تعرفني منذ الأيام الأدبية للعلمة عام 2016.، بعثت لها دعوة صداقة كي أذكرها، فإذا بي أجدها قد ماتت للأسف ..، كان تحك يدوما عن رفيقها في النادي الأدبي لجريدة الجمهورية الصادرة بوهران، الراحل بلقاسم بن عبد الله، وقد قرأت تعليقها الموثق في صفحة أحمد ختاوي، عندما كانت تحكي عن واقع مر وعن ملابسات وحقرة ، وعن تجاهل تتعامل به المؤسسات الثقافية عندنا اتجاه المثقفين .. فإذا بها تصطدم بواقع ملتو وجاف ، ينتج ألما ونكوصا وغصة ..بعثت وكتبت تلك الكلمات لزميلها في النادي الأدبي للجمهورية تخبره على أنها ستبقى على صلة بروحه الطاهرة، تجاوره كي تنشغل ببرمجة أركان أخرى ومواضيع أخرى من صنف اليأس و المرارة .. كانت « أم سهام « تريد أن تمرر فكرة موجعة، فلم تجد غير الموت لتعبر عن فواصلها، ولتمحي من ذاكرتها ذلك التهافت الخيري الذي كانت تشتهر به ،كي تصل إلى ترسيم وعي الإضافات،كانت تقول لمن رافقها في النادي الأدبي ليومية الجمهورية المرحوم بلقاسم بن عبد الله : « يا زميلي في النادي الأدبي ..أنا من كنت فراشة الملتقيات الأدبية أجوب الوطن، وأجوب المدن، كي أزكي تلك النقلة التي تركتها يوم كتبت أنت فيهم جميعا ، ..في عمار بلحسن وأبو القاسم سعد الله ومفدي زكرياء،.. وقتها يا زميلي كنت تحيلنا على البعث الآخر، وعلى معنى رصدته معانيك طيلة 40 عاما من الكتابة « ،كانت أم سهام تؤشر له على جحود من عرفناهم في الدفة الثقافية من أسماء ارتقت ولم تلتفت للأصدقاء ، أناس يكذبون على من كانوا لهم زملاء في أركان الصحف والمجلات، ويكذبون على الزميل المثقف ، يتذكرونه بشهادة شرفية وبوعد من أجل طبع ديوان هارب من صاحبه.... « أم سهام « بعثتُ لها طلب صداقة يوم رحيلها،كم أنا حزين .. !!، فهي التي كانت تهندس لمخطط ثقافي شامل، وعرفت طيلة حياتها كيف ترصد الظواهر والمعاني والدلالات، وترسم عبر ذبذبات صوتها الأثيري مملكتها الهاربة، كانت تعزي في زميلها بلقاسم بن عبد الله ، لترحل هي الأخرى إلى الأبد .. أم سهام... كانت تحب الناس وترسم كل لمسة خير ..عندما التقيتها في العلمة كانت سعيدة بالملتقى الذي أشاد بتجربة الراحل بختي بن عودة ، .. سعيدة وهي مع ابنته اسمهان ترسمان معا محبة كبيرة وحريرية لبختي بن عودة ..، « أم سهام « كانت تزور بختي بن عودة في حصصها الإذاعية ، وفي مقالاتها وفي محاضراتها وفي تنقلها مثل الفراشة... كما كانت تزوره دائما في المقبرة .. في العلمة تملكتني حسرة كيف لم ألتقيها من قبل؟ ...كيف لم تسمح لي الظروف أن أعايش حرفها ؟، وأستمع إليها وأرسم عنها حكاية وسيرة ، كم كنت مندهشا وحزينا وأنا أقرأ ما كتبه الشاعر الدكتور عمر عاشور أو ابن الزيبان بالبنط العريض «رحلت أم سهام»، وكتبت ربيعة جلطي أيضا عن رحيلها، ويوسف وغليسي، وأحمد ختاوي، و عبد العزيز بوباكير، والإعلامية علياء بوخاري، وأيضا حبيبة محمدي و سهيلة بورزق ومبروكة بوساحة وأحمد فريد الأطرش وجمال فوغالي وأمين الزاوي، وزينب الأعوج ومشري بن خليفة وسليمان جوادي وواسيني الأعرج ، ونورا تومي وأم رفيق و أيضا نادية نواصر .. كل الناس كتبوا عن فقدانها وتحسروا على رحيلها .. يبكون ويقاومون ويحيلوننا على فرح الحياة التي كانت تلون مشهد هذه المرأة التي رسم لها شاعر الرومانسية والحب نزار قباني هويتها الأدبية ، لتكون « أم سهام « لمسة من عرف شامي خالص ..أم سهام أو « بلال العمارية» ودعتنا في وقت كنا نحتاجها فيه كي نقاوم معها أكثر، كي نلتفت للآخرين ونبقى على العهد الجميل .. لن أكتب اليوم تراجما عنها ومحطات عنها، سأكتفي بهذا الوجع، ..أحيل ذاتي على واقعنا المرّ، ..واقع ثقافي لم يكن ولا مرة في صالح من يكافحون لأجل تلك النهضة التراثية والثقافية والإبداعية الواعدة، هؤلاء الذين كتبهم التاريخ بلغة حضارية وإنسانية، لازالت إلى اليوم تلون المشهد الثقافي عبر رسائل ضاربة في عمق التاريخ المعاصر ، التاريخ لن يرحم من تلاعب بهؤلاء الكبار الذي كانوا صمّام الأمان للذاكرة الشعبية و التراثية والإبداعية ..وسيبقى المثقف الحقيقي يكافح لآخر يوم من حياته، كي يحمي هذا الرصيد ويعيش لأجل مناعة كاملة لحماية هذا التراث الذي ارتبط بالمنحى الثقافي والإبداعي الرصين . سيرافقني هذا المعنى عبر مقالاتي «هؤلاء هم في القلب»، كي أقلب صفحات التاريخ ، و أذكر كل اسم ترك بصماته في المشهد الإبداعي والفكري والإعلامي، واليوم من خلال حلقتي هذه نترحم على « أم سهام « ونتحدث عن الحب الذي كانت تهندسه طيلة حياتها، من خلال تجربتها الأدبية والإعلامية والإبداعية، ..أم سهام شاعرة كبيرة ، أتمنى أن يكون طلبي لصداقتها بمثابة الدعوات لها بالرحمة ، ومضة مني كي نترحم عليها جميعا وعلى تلك الإضافات الخالدة التي عايشناها من خلال رؤاها الإنسانية الثاقبة..أم سهام التي تجمع ولا تفرق ..رحمة الله على واحدة من عائلتي.... واحدة مني.... واحدة سجلتها الفواصل والمعاني..فهي من قبيلتي.... واحدة كما ترون... هي في القلب ..