ستدهشكم غزة بقدرتها على الحياة... وبخروجها من جسد الموت نحو ابتكار وقتها الخاص من وجع أبنائها الممتد على كامل الجغرافيا ... ستدهشكم غزة بقدرتها على ترميم جدرانها بكل ما سجلته في كتب التاريخ القديم والتاريخ المعاصر عن معنى الكبرياء ... وفيما تطالعون نشرات الأخبار باعتياد يومي ستطل غزة من اللا اعتياد بسواعد لم تعرف الهزيمة أو السقوط في ماء المستنقع ... تنتشل جثث الغرقى من الصمت الراكد والعتمة ... لا تعجبوا كثيراً من هذا المجاز - الحقيقة فلغزة القدرة أيضاً أن تكون الجريحة والمنقذة ... ستدهشكم غزة وهي تجدد مفردات الصمود الوطني بكل ثقة وصلابة ... تضع بصمتها على كل شيء قد يبدو مألوفاً في الحرب بقايا الطرقات المدمرة وبقايا البيوت المهدمة وبقايا الشرفات وبقايا النوافذ وبقايا الأجساد وبقايا الوجوه التي تخرج من تحت الأنقاض بكل كبرياء يجعل من هذه المدينة المحاصرة نموذجاً عصرياً لمفهوم المعجزة ... إنها غزة معجزة الوقت الفلسطيني في الزمن الذي تهاوى على قارعة الطرقات ... فكانت غزة مريمنا المقدسة التي أنجبت رسالة الضوء السماوي وروح الفداء والخلاص من وحشية الاضطهاد والمُستعمِر ... وكانت غزة يد هاشم بن عبد مناف الذي غرس اسماً في المدينة القديمة فأصبحت غزة هاشم عنواناً متجدداً لمعنى الحياة فيها صار للمساجد والقباب والحارات والأزقة دلالات صنعت للمدينة حضوراً في الذاكرة والوقت المعاصر ... ستدهشكم غزة رغم كل النار والألم الذي أشعله شمشون في حقول أبنائها بقدرتها على الاقتصاص من القاتل ... وإعادة مزج حقولها بالضوء بدلاً من لهيب القنابل ستدهشكم غزة بكل هذا وأكثر حين تطل علينا كما في كل مرة من رماد بكل شموخ وعزة ... المجد لغزة وهي تعبر بنا نحو القدس العاصمة ... ترفعنا من جسد متهالك لتحيا ونحيا ... المجد لكل الشهداء والجرحى ...