إقترح أمس الأستاذ صايفي بن زيان أن يتم في المستقبل القريب التأسيس لجائزة في الأدب والشعر باسم الباحث الأكاديمي الراحل حاج ملياني، الذي غادر عالمنا هذا بغتة في يوم الجمعة، الثاني من جويلية الماضي، على أن تمنح للشباب المثابر في هذا المجال، إقتداء بالأستاذ ملياني الذي كان يشجع كثيرا هذه الفئة ويحاول إخراج أقصى وأحلى ما فيها من شغف علمي. جاء هذا في الشهادة التي أدلى بها الأستاد صايفي خلال الندوة النقاشية التي أقامها أمس مركز البحث العلمي والتقني في علم الإنسان الاجتماعي والثقافي "كراسك" بوهران، وهذا تحت عنوان "الممارسات الثقافية في الجزائر... المخيال وسيرورات الإنتاج"، وذلك تكريما لروح الباحث الأكاديمي الراحل "حاج ملياني" رحمه الله. وأكدت الدكتورة مولوجي صورية مديرة "كراسك" وهران خلال إفتتاحها للندوة التكريمية، بأن تنظيمها هو بمثابة وقفة إعتراف بباحث مختص، ومرجع في مجال البحوث الأنثروبولوجية الثقافية، حيث تنوعت إسهاماته بين الدراسات الميدانية حول التراث الفني والموسيقي، المسرح والسينما، ناهيك عن دراساته المؤطرة للغة، ومنهجية تحليل التراث اللامادي. وحسب السيدة برونة قيطوني كريمة المكلفة بالإعلام على مستوى المركز، فقد أكدت بأن اللقاء التكريمي هذا تم تقسيم زمنه إلى لحظتين، الأولى معرفية لتقديم أوراق بحثية حول مسار الراحل ومنتوجه الأكاديمي، ولحظة تأبينية تم خلالها تقديم شهادات حول حاج ملياني، كإنسان وباحث وأستاذ، بمشاركة أصدقائه وزملائه وطلبته وأفراد من عائلته. يذكر أن الجلسة الأولى التي أدارها الأستاذ محمد حيرش بغداد من مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، كانت بدايتها بالمداخلة التي قدمها الأستاذ أحمد أمين دلاي من نفس المركز، وهو رفيق المرحوم وعاش معه فترات مهمة من البحث العلمي، حيث تطرق إلى مسار بحث الفقيد في التراث المادي واللامادي، فيما قدم الأستاذ برايك سعدان من المركز الجامعي النعامة، مداخلة حول المسار المهني للمرحوم من أجل ترقية طلبة ما بعد التدرج، في المدرسة الدكتورالية للغة الفرنسية"القطب الغربي أنموذجا. وجه نقدي واحد... وتخصصات متنوعة أما الأستاذ محمد قادة من جامعة مستغانم فقد أبرز في مداخلته حاج ملياني الناقد، بوجه نقدي واحد لتخصصات متنوعة، وقدم الكاتب بوزيان بن عاشور قراءة في آخر مؤلفاته الموسومة ب«الممارسة المسرحية في زمن الحرب، الجزائر 1950 – 1962"، وتردده الدائم على جريدة الجمهورية التي كان صديقا لها ويعتمد على أرشيفها في معظم أبحاثه، وأيضا الأستاذ محمد داود من جامعة وهران الذي إعتبر المرحوم بمثابة القاطرة التي كانت تقود العربة، لأنه كان دائما يبادر معددا خصاله النبيلة، ليكون ختام المداخلات بالشهادة الإنسانية والأكاديمية التي قدمها الأستاذ محمد ملياني من جامعة وهران 2، وهو في نفس الوقت أخ المرحوم ملياني الحاج، والذي أبرز في كلمته المرتجلة السمات التي كان يتميز بها الفقيد كأستاذ جامعي بين الأكاديمي والإداري، والجانب الإنساني فيه الذي كان يثور للحق وللصالح العام، ولا يخاف في ذلك لومة لائم، لدرجة أن الراحل المعروف عنه نضاله النقابي، وشارك في كل جمعات الحراك المبارك، وقف ذات يوم بندية للمتحدث الذي كان مديرا وقتها، مدافعا عن حقوق زملائه دون أن يهادن أخاه، وهو الأمر الذي جعله محل إحترام وتقدير الجميع. خسارة كبيرة للجزائر وللبحث والدراسات الأكاديمية. في الندوة كانت هناك أيضا مداخلات عبر تقنية الزوم لكل من الأستاذ واسيني الأعرج والأستاذ فرانسيسكو لجيو من جامعة روما بإيطاليا، اللذان أكدا من خلالها على العلاقة الأكاديمية والإنسانية التي جمعتهما بالمرحوم، وإعتبرا رحيله المبكر خسارة كبيرة للجزائر وللبحث والدراسات الأكاديمية. الجلسة الثانية التي أدارها الأستاذ كريم وراس من جامعة وهران 2، خصص لشهادات الأصدقاء وطلبة المرحوم منها السيدة فار الذهب التي عملت معه وتحدثت عنه بشجن كبير، مؤكدة أنها إلى يومنا هذا وعلى الرغم من مرور 4 أشهر على رحيله، لا تصدق أنه غادر هذه الدنيا، وهو نفس ما ذهبت إليه الأستاذة مقدم خديجة التي تحدثت عن تجربتها مع المرحوم في تونس عندما كانت في منحة دراسية لإستكمال دراساتها في الدكتوراه، أين إكتشفت فيه الجانب المرح ولمست فيه الطيبة، مؤكدة أن علاقتهما توطدت أكثر عندما إلتحق بالكراسك، فيما تحدثت عنه الأستاذة سميرة بوشلاغم من جانبين، الأول عندما كانت طالبة عنده في 1987، وكانت تلمس فيه شراسة الأستاذ الذي ينبغي للطالب أن يجتهد ويكل للحصول على النقطة التي تؤهله للنجاح عن جدارة، وجانب الزمالة عندما أصبحت بعد ذلك أستاذة، تحضر معه مداولات نهاية السنة والإجتماعات التي تخص الطلبة، حيث إكتشفت فيه الجانب الثاني المدافع عن كل ماهو في صالح الطالب وما يعود عليه بالنفع، ومن أجل ترقية الجامعة وحقوق الطالب. مدافع شرس عن حقوق الطالب والأستاذ وباحث نهم أما السيد مراد سنوسي مدير المسرح الجهوي عبد القادر علولة فقد ذكر هو الآخر تجربته مع الرجل، الذي عرفه في مدرجات الجامعة، وعندما أصبح إعلاميا في الإذاعة وبعدها التلفزيون، محاولا إبراز للجمهور، أن المظاهر كثيرا ما تخدعنا ومنها ما عاشه هو شخصيا مع حاج ملياني الذي لم يكن يلتقي معه في الكثير من الأفكار قبل أن يعرفه عن قرب، لكن إنبهر بطاقته في العطاء وفي فكره، مؤكدا أن ما قيل فيه قليل من كثير فيه، ولهذا سيتم تنظيم يوم خاص لحاج ملياني بمسرح وهران في 13 نوفمبر المقبل. وتوالت الشهادات التي أجمعت كلها على نبل أخلاق الرجل وكرمه، فيما تم أيضا عرض فيلم وثائقي من تنظيم المركز حول النشاط العلمي والنقابي للراحل، لتختتم الندوة بتكريم من مركز البحث العلمي والتقني في علم الإنسان الاجتماعي لعائلة المرحوم. للتذكير فإن الراحل حاج ملياني هو من مواليد 1951، وهو واحد من أهم باحثي "الكراسك" منذ نشأته، وهو أستاذ للأدب الفرنسي بجامعة مستغانم، وعضو في المجلس الوطني الإستشاري للتراث الثقافي على مستوى المركز، أسس وأشرف على سلسلة دفاتر "تراث" منذ عددها الأول سنة 2001، وأسهم بمقالات علمية متخصصة في مجلة إنسانيات، ناهيك عن تأطيره لكثير من الورشات التكوينية في مدرسة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا منذ تأسيسها، وكان مشروع البحث المميز الموسوم "حقول الآداب الجزائرية المكتوبة باللغات العربية، الأمازيغية والفرنسية (2010 – 2020)" آخر المشاريع التي بادر بها والتي لاتزال قيد الإنجاز، حيث كان لقاء أمس بمثابة تسليط للضوء على سيرة ومسار الرجل، والبدايات التي كانت من الحي العتيق سيدي الهواري، مرورا بجامعة باريس 13، وأطروحته في موضوع "الحقل الأدبي والإنتاج الروائي باللغة الفرنسية المنشور في الجزائر (1970 -1995)" وصولا إلى أثره في التكوين الجامعي من جامعة وهران إلى مستغانم، ومساهمته في تأسيس الدراسات التراثية واللغوية، من مقاربة أنثرولوجية في مركز الكراسك، من خلال إشرافه على مشاريع بحث، بثيمات مختلفة حول التراث اللامادي، والتعابير الثقافية، وكان أهمها المشروع الوطني للبحث "التراث الثقافي في الجزائر".