يعد تعيين أعضاء المحكمة الدستورية بالجزائر أهم حدث دستوري وقانوني بعد التشريعيات المنصرمة لا لشيء سوى لان هذه المؤسسة الدستورية تعد من الأهمية بمكان من حيث تمتين البناء الديمقراطي في البلاد وكذا إرساء قواعد صلبة للأداء الدستوري لأن المحكمة الدستورية ليست كأية هيئة أخرى لما لها من الصبغة الخاصة والدور الاستراتيجي في مراقبة دستورية القوانين ومطابقتها للوثيقة الاسمي في الجزائر ومن هذا المنطلق يكون رئيس الجمهورية قد جسد احد التزاماته التي قطعها على نفسه خلال ترشحه للانتخابات الرئاسية من بين الأربعة وخمسين التزاما لبناء الجزائر الجديدة.. إن هذه المحكمة أضحت اليوم ضرورية عندنا نظرا لتطور المنافسة السياسية وبروز أحزاب جديدة جاءت لتدعم المشهد الوطني الأمر الذي يحتم مثل المحكمة الدستورية لتكون بمثابة العين الساهرة على كل ماله علاقة من بعيد أو قريب بالممارسة الديمقراطية عندنا .. لقد أصبح العالم اليوم يعرف قفزات جبارة في المجال الدستوري لان هناك جيلا جديدا من الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية رسخ قدمه في المعترك التنافسي السياسي في مسار مرتبط بالأساس بتطور الحياة بصفتها مركب من الحقوق والواجبات تقع على الإنسان أولا كفرد في مجموعته الوطنية وعنصر في الجماعة الدولية الإنسانية. فالديمقراطية دوما هي في أمس الاحتياج إلى الدعم القانوني والفقه الدستوري حتى تتولد لنا تقاليد دستورية مسندة إلى اجتهادات تخرج من اعلى هيأة وهي المحكمة الدستورية المعول عليها كثيرا لإضفاء هذا الزخم من الكم النوعي للقرارات والاحكام الناصة على وجوب الاحتكام القانون وعلى رأسها الدستور الذي استفتي فيه الشعب الجزائري وقال فيه كلمته الفصل.. ونظرا إلى توسيع دائرة الحقوق الأساسية للمواطن فانه بإمكانه الطعن في عدم دستورية القوانين كحق أساسي له وهذا عن طريق الإلية القانونية المستحدثة من قبل المشرع الجزائري أسوة بما هو حاصل في العالم المتطور سياسيا ويكون المواطن طرفا هاما في المعادلة الدستورية يقف الند للند مع الإدارة كمتقاضي في المجال المدني وأيضا الميدان الدستوري لتكتمل الحلقة الحقوقية تجسد فعليا مبادئ المساواة والشرعية التي هي القلب النابض للدستور.. وما يلفت الانتباه أن التنصيب للهيآت التي جاء بها الدستور تدل بالمعنى والمبنى أن هناك إرادة حقيقية لإحداث التغيير الايجابي في الوطن وأنه لا شيء سيكون مثل العهود السابقة وأن حركية التغيير لا أحد يمكن له إيقافها لأنها نابعة من إرادة الشعب صاحب السلطة ومصدر الحكم عندنا كما هو منصوص عليه في الديباجة وفي المواد الدستورية .. فمن المحكمة العليا الضامنة لتوحيد الاجتهاد القضائي والمجسدة للتطبيق السليم لقوانين الجمهورية الى المحكمة الدستورية صنوان متلازمان من حيث الغايات والأهداف النبيلة كل في مجال اختصاصه ضمن فلسفة الفصل بين السلطات.. إذن اليوم ينضاف مكسب نوعي للجزائر سيكون لا مراء في ذلك عنوانا للجزائر الجديدة التي نصبو يوميا لتحقيقها بتضافر جهود الجميع رغم المعوقات التي تطبع أي مسعى إنساني يعيش في المجتمع بتنوعه وتعدد مشارب أفكاره..