إن الاعتماد الكلي على السلطات المحلية في عمليات البناء والتنمية قتل روح التطوع في المجتمعات، وبقيت المبادرات تقتصر على العمل الخيري والتضامن في الأزمات والمناسبات، وأصبح أي مشكل أو عطب يخص الممتلكات العمومية يصادف المواطن في أي مكان في محيطه، في الشارع أو الطريق أو الفضاءات العامة لا يخصه ولا يعنيه وليس من صلاحياته، بل إنه يطلق تمتمات السب والشتم والتذمر من مسؤولي بلديته أو القطاع المعني لعدم الوقوف على الوضع والتقصير في أداء مهامهم، لكن إذا فكرنا قليلا فإن الوطن للجميع، والمشكل الموجود في حيك يضرك أنت قبل أن يضر أي مسؤول، مع العلم أنه أيا كان منصب هذا المسؤول فهو زائل وأنت باق، وإن غادرت سيلحق الضرر بأبنائك وعائلتك وأقاربك، إن المفاهيم والمعتقدات القديمة والبالية السائدة صنعت من المواطن أداة للانتقاد والتذمر والسخط والإحساس بالظلم والهوان، وبقي "البايلك" يسيطر على ثقافة الفرد..لأن الطريق المؤدي إلى منزله كثير الحفر والمطبات، ولأن قناة الصرف تسرب المياه القذرة وتأخر عمال التطهير في صيانتها، ولأن الأوساخ منتشرة، ولأن الحي تنعدم فيه المساحات الخضراء وفضاءات يبس فيها العشب والنبات، ومصباح الإنارة العمومية منطفئ... وبالرغم من التذمر والشكوى ينتهي الأمر بجملة "تخطي راسي.." وعبارات السخط على وطن لا حق فيه ولا حياة للبسطاء، وإن مهمة الإصلاح هي مهمة "الدولة" فقط...هذا معتقد خاطئ حتى لا نقول فاسد، تعلمنا الاتكالية في كل أمور الحياة، وسبحان الله في هذه الأمور فقط نعرف كيف نحدد المسؤوليات، نعم فكل جهة مهامها، وهناك تقصير كبير من مختلف المديريات التنفيذية في تنمية الفضاءات الحضرية وفي مجال المرافق والخدمات، كما هناك تراخ وإهمال متعمد وإقصاء وتهميش لبعض الأحياء، لكن إلى متى سنضطر تحمل حياة التهميش وننتظر تحرك المسؤول، إلى متى سنبقى نتجاهل أن سلوكا بسيطا يمكن أن يغير وجهك العبوس وقلبك الحزين بسبب الوضع السيء، نعم بإمكان سكان الحي ولجانه رفع المبادرة والتعاون من أجل إصلاح الجزء المهترئ من الطريق، بإمكانهم إحضار كهربائي لإصلاح مصباح الإنارة العمومية في شارع حيك، يمكن أن تصلح تسرب المياه من القناة خاصتك، باستطاعتك الاتفاق مع جيرانك لتشجير المساحة القريبة من منزلك.. يمكن أن نحيي روح التطوع لبناء مجتمع حطمته الاتكالية والانتظار الذي طال وأخّر تنمية الأحياء والمدن، فوجب اليوم أن يقتدي المواطن الوهراني بمبادرات المجتمع المدني ولجان الأحياء "وهران بناسها" والانضمام إلى هذا المشروع القيم لبناء وهران بأيادي الخير والحب والغيرة على مدينتنا التي أرهقها الانتظار حتى ترقى إلى مكانتها المستحقة، لنعمل سويا من أجل وهران أجمل وأنظف، من أجل مواطنة إيجابية وسلوكات حضارية، فكلنا مسؤول لأن الوطن لنا.. ولأن وهران أنجبت رجالا ونساء حق عليهم خدمتها اليوم وتعميم السلوك الإيجابي وإشعال ثورة تطوعية لتنمية المدينة وإصلاح ما يمكن إصلاحه ودخول عهد جديد لا نحاسب فيه أي مسؤول لأنه ليس من صلاحياتنا كمواطنين، وإنما نهم إلى العمل قدر المستطاع، لأن بناء الوطن لا يحتاج إلى مناصب ولأن الوطن أكبر من الجميع.