تتفاعل كل فئات المجتمع الجزائري مع الحدث العالمي وقلوب الملايين من الجزائريين والجزائريات مع الخضر من أجل تشريف الألوان الوطنية ومن بين هؤلاء أهل الفكر والفن والإبداع وفي كل مرة تتواصل الجمهورية مع أحد هذه الشرائح لتحاورها حول تعاملها مع المونديال الجنوب إفريقي وعن رأيها في ماتقدمه النخبة الوطنية، وعن يومياتها مع كأس العالم وكيفية قضاء ليالي الصيف المتميز هذه السنة بطبقه الرياضي وعما نسمعه من موسيقى وكلمات للتغني بالخضر هل هي أغاني رياضية أم مناصرة فنية (شعبية). الفن نضال ... وفرقة جبهة التحرير أكبر مثال الفن سلاح ووقعه أكثر من الرصاص أحيانا لأنه يتواصل مع العقل والفؤاد ولأنه يسكن الوجدان أيضا تفطنت قيادة الثورة منذ إنطلاقتها إلى توظيفه في خدمة القضية الجزائرية وجعلت من المسح وسيلة للكفاح وتم ذكره في بيانات عديدة مثل بيان مؤتمر الصومام لا دراكهم بأنه السبيل الأفضل لتنوير العقول. فأمرت بإنشاء فرقة جبهة التحرير الوطني بتونس سنة 1958 لتكون الناطق الرسمي (الفني) بإسم الكفاح الجزائري وكيانا مهما في الرد على مزاعم الاستعمار والصمود في وجه طمسه للهوية الجزائرية والتعريف بالشخصية والثقافة الجزائرية وبعد سنوات قليلة من إندلاع ثورة نوفمبر كما ذكرنا قررت قيادة جبهة التحرير إنشاء الفرقة الفنية وفتح باب جديد للمقاومة ضد المستعمر الغاشم بقيادة الفنان المرحوم مصطفى كاتب حيث تم إستدعاء الفنانين الجزائريين من عالمي التمثيل والموسيقى في كل من الجزائر، فرنسا، المغرب تونس وسويسرا وتمت تلبية نداء الواجب وإلتحق حوالي أربعين فنانا بفيلا »باردو«بتونس للقيام بالتدريبات وإختيار النصوص المسرحية والأغاني الثورية وكان الفنان كالجندي المدني يطبق التعليمات ويحضر نفسه لمهامات كثيرة وكان أول عرض فني تحت إسم »نحو النور« بالمسرح البلدي بتونس في 24 ماي 1958 ومنها إنطلقت تجوب الدول الصديقة والمؤيدة للثورة الجزائرية مثل يوغسلافيا، الصين ليبيا، المغرب وتونس ولد الفن من أجل خدمة البندقية مقولة شهيرة لأحد أعضاء فرقة جبهة التحرير الفنية الذي كان يجوب مع زملائه الجبال والمداشر ويلتقى بالجنوب في الحدود وكذا اللاجئين لحشدهم وتوعيتهم وزرع الوعي فيهم وتقوية الروح المعنوية ودعوتهم إلى التشبث بقضيتهم والدفاع عن البلاد من خلال أغاني ثورية مازالت كلماتها تؤثر فينا مثل » قلبي يابلادي لاينساك« و»قسما« وأعطت جبهة التحرير آنذاك صفعتين لفرنسا بإنشائها للفرقة الفنية والرياضية حيث تجمعت ألمع عناصر الكرة الفرنسية (آنذاك) من الجزائريين وفرت من فرقها بفرنسا لتلتحق بالثورة وبفريق الآفالان الأسطوري وليساهم في التعريف بالقضية الجزائرية في الملاعب الدولية. وتتواصل المسيرة بعد الاستقلال رغم توقف فرقة جبهة التحرير الوطني الفنية بشقيها المسرحي والغنائي وحلها (غير الرسمي) وتفرق عناصرها وتحولهم إلى العمل الفردي غداة الاستقلال إلا أن لهيب الثورة وصوتهم القوي لم تضعف نبراته وبقي بن قطاف يقدم المسرحيات الثورية والأخرى الداعية إلى التنمية ورفع التحدي بالحفاظ على المكتسبات الشعبية بعد خروج فرنسا وتوجهت نخبة من المطربين إلى التغني بالاستقلال وبنشوة الفرحة بالانتصار وتواصلت المسيرة بعد الاستقلال بقدوم أجيال من الشباب المبدع الفنان والواعي واكب عمليات البناء والتشييد وجاءت أغاني »خوذ المفتاح وإفتح دارك يا فلاح« للفنان رابح درياسة، و»استاذي« للفنان الصادق جمعاوي .... الخ لتعلن عن ميلاد جيل آخر يؤمن بالجزائر المستقلة يدافع عنها وعن مؤسساتها بالكلمة النظيفة والأداء المعبر وبعد عقود يمكن لنا أن نقول بأن الفنان الجزائري كان دائما في طليعة المنادين بالتعلق بالوطن و رفع رايته عالية بين الأمم وأن نداء الواجب كما لبّاه المجاهدون في الجبال والوديان لتقديم أنفسهم فداء للثورة والوطن فإن الفنانين قد جاهدوا وبطريقتهم الخاصة والتي لاتقل وزنا عن الجهاد بالسلاح حيث كان لهم شرف التعريف بالجزائر قضية وشعبا ودفع العديد من البلدان والشعوب الأخرى للتعاطق مع بلادنا والاعتراف بشرعية مطالب ثوارها وأنهم ليسوا »بفلاڤة« وقطاع طرق كما يدعي المستعمر شعب يئن تحت نير الظلم والاضطهاد ويبحث عن إسترجاع حريت مسلوبة وحقه في العيش في حرية وسلام على أرضه وبين أفراد مجتمعه. موجة الغناء الهابط... تضايقا رواد الفن خلال تحدثنا مع العديد من الفنانين ممن وجدناهم في المسرح الجهوي عبد القادر علولة بوهران وهم يحتفلون بعيدهم الوطني شعرنا بأن الكثير منهم قد طالهم النسيان وآلامهم الداخلية تزداد بسبب الجحود والنكران وأن العطاء الذي قدمه الكثير منهم لا أثر له وأن العديد من الفنانين يعيشون آلام الوحدة وحرقة التهميش وأن ما يعذبهم كثيرا هو ميلاد جيل لا يعرف عنهم أي شيء رغم تواجدهم على قيد الحياة وإستعدادهم لمواصلة العطاء وأن المؤسسات الاعلامية بكل أنواعها لا تعمل على ربط حبل التواصل بين الاجيال الفنية وحتى بين الفنانين القدامى والجمهور وأدى تنصلها من دورها في تقريب الفنان (الأصيل) بالفئات الاخرى من المجتمع عبر التلفزيون والاذاعات وحتى الجرائد إلى ميلاد جيل يتخبط في مستنقعات التهريج الغنائي الهابط وخلقت الأغاني التافهة آذن غير سليمة فأصبحنا نسمع في الحفلات الخاصة والأعراس وبين أفراد العائلة أغاني ماجنة وكلمات وألفاظ سوقية يستحي الإنسان من ترديدها ولومع نفسه. كما أخبرنا أغلبية من سألناهم على ضرورة تصحيح المفهوم الخاطىء لما يسمى بالأغنية الرياضية لأنها حسبهم قد طالها التحريف والتزييف وأن من نسمعه حاليا من أشرطة وسي ديات حول مناصرة الفريق الوطني لا تعدوا مجرد شطحات وموسيقي بدون مقامات وألفاظ للمناصرة ليست من الشعر الغنائي أو الملحون أو الموزون وأن من تغني بالخضر ليس بفنان ولكن العولمة والتكنولوجيا خدمت هؤلاء وأن الأغنية الرياضية الحقيقية هي تلك التي أدتها فطاحلة الفن الجزائري الأصيل من أسماء معروفة، كرابح درياسه والصادق جمعاوى، أما اليوم هناك من لا يعرف حتى السولفاج ولا يفقه في نطق الكلمات السليمة وهناك من لا يعرف حتى يكتب إسمه صحيحا هؤلاء ومع الأسف أصبحوا في رمشة عين يدعون بأنهم مطربي عصرهم ومن الفنانين الأوائل، وهذا خطأ كبير، الفن لأهله والمناصرة للجميع.